"دمج شركات الكهرباء بقرار رئاسي"، هذه هي العبارة التي أدت إلى حبس الأخ الرَّسيل النور أحمد النور مستشار التحرير في صحيفة "التغيير"، ومراسل صحيفة "الحياة" اللندنية ورئيس تحرير الصحافة "سابقاً"، منذ يوم الخميس الماضي، على الرغم من أن نفياً صدر في الموقع ذاته، لهذا الخبر بعد قرابة ثلاث ساعات. لم يكن الأخ النور أحمد النور يهدف بهذا الخبر إلى إحداث بلبلة، بقدر ما كان يزاحم في السّبق به، دون تقدير تداعياته. فقصةُ الخبر، هي أن كثيراً من مواقع التواصل الاجتماعي بثته، باعتباره حقيقة واقعة عن دمج شركات الكهرباء، في هيئة واحدة (الهيئة القومية للكهرباء)، صادرة بقرار رئاسي، وهي لم تكن كذلك، وبعد أن أرسله إلى شركة "راسلات" التي تقدم خدمة "إس إم إس" (الرسائل القصيرة)، عبر خدمة "سودانيوز". والنور بحاسته الإخبارية، اجتهد في أنّ هذا الخبر لن تأخذه الصذحف السودانية، خشية الوقوع في الزَّلل، فرأى أن يجتهد فيه، فإن أصاب فله أجران (النشر والسبق)، وإن أخطأ فله أجرٌ واحدٌ (النَّفي)، فلم يكن يتوقع أن يحدث له ما حدث بسببه، خاصة وأن هذا الخبر تداولته الكثير من مواقع التواصل الاجتماعي، منذ وقت مبكر، وفي تقديره أنه لا يُحدثُ ضرراً كبيراً، ولا يُشكل مهدداً من مهددات الأمن القومي. ولكن بعد تدقيقه استشعر بالخطأ، فسارع إلى معالجته بالنفي، ولم يشفع له أو يشفع للشركة ذاكم النفي الذي بُثَّ. وأحسبُ أنه من الضّروري بسط القول، في أن هنالك ثمة خلافات وصلت إلى المحكمة التّجارية بين شركة "راسلات" ووكالة السودان للأنباء (سونا)، بعد انفضاض الشراكة بينهما، مما جعل سونا تطالب بإلغاء اسم الخدمة، حتى لا يُحدث إرباكاً في أذهان المشتركين، بأنها ما زالت ضمن هذه الشراكة، ولكن الطرفين توصلا إلى اتفاق تراضٍ خارج المحكمة، أقرته، فأفضى إلى أن يظل اسم الخدمة كما هو، وفقاً لقانون الشركات لسنة 1925. لا شك أن هذا الخلاف أسدل كثيرَ ظلالٍ على علاقة الشريكين، على الرُّغم من أن سونا مازالت ممثلة بعضوين في مجلس إدارة تلكم الشركة، فرُبما لهذا الخلاف، بعض التداعيات التي أُحذت عليها بثه بشيءٍ من الريبة، وكثيرٍ من الغِلظة، وقد واجهت الشركة استدعاءً من إدارة الإعلام في جهاز الأمن والمخابرات الوطني، لمعرفة تفاصيل هذا الخبر، الذي سارعت إلى نفيه، وَوُجِهَت ببعض الإجراءات الأمنية. وفي رأيي الخاص، أن الإجراءات الاستثنائية في مواجهة الوسائط الصحافية والإعلامية، تشكل مُضاغطة غير ضرورية على النظام. وتؤدي هذه الإجراءات الاستثنائية إلى التنكيل بالصحافيين بغير وجه حقٍّ، فإن ما يطالب به الكثيرون من المشاركين في الحوار الوطني، بتهيئة أجواء الحوار، من حرية التعبير وحرية الصحافة والنشر، لتشكيل رأيٍّ عامٍ مؤيدٍ للدعوةِ الرئاسية للحوار الوطني، المأمول من هذا الحوار مُخرجات ومآلات تُفضي إلى معالجات توافقية للوضع السياسي والاقتصادي الراهن المأزوم، ولكن اعتقال الأخ النور أحمد النور يُشكل مُضاغطةً سالبةً على هذا المسعى والتوجه إلى ضرورة تهيئة أجواء ومناخات الحُرية، لا سيما حُرية التعبير وحرية الصحافة. وأكبرُ الظنِّ عندي، أن المعالجة الأمنية كانت غير موفقة في توقيتها الزماني، إذ تم الاعتقال في يوم افتتاح أعمال المؤتمر الرابع لحزب المؤتمر الوطني، الذي استضاف فيه ضيوفاً كراماً من خارج السودان، ناهيك عن الآلاف التي توافدت من الولايات لتشهد فعالياته. وهذا الاعتقال أكد بما لا يدع مجالاً للشك، أنه في بعض الأحيان الحس الأمني يطغى على الحس السياسي، فيحدث أثراً سالباً، ومُضاغطةً سياسيةً، كان النظام في غنىً عنها، إذا تمت الإجراءات، وفقاً لقانون الصحافة والمطبوعات، كإجراء قضائي يرضى به الصحافيون قبل غيرهم. أخلصُ إلى أن الوقفة الاحتجاجية التي انتظمت أمام مبنى المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحافية أول من أمس (الاثنين)، كانت تعبيراً عن احتجاج عشرات الصحافيين والنُّشطاء السياسيين والحقوقيين، على اعتقال الأخ الرسيل النور أحمد النور، مما دعا الأخ البروفسور علي محمد شمو رئيس المجلس القومي للصحافة والمطبوعات، أن يتعهد لهم بعد تسلم مذكرتهم، بالسعي إلى إجراء اتصالات مع السلطات المختصة، للإفراج عن الرَّسيل النور في أقربِ وقتٍ. وعلى الرُّغم من أنّ الاتحاد العام للصّحافيين السودانيين، وشبكة الصَّحافيين، بينهما ما صنع الحداد من الخُلف والاختلاف، الذي لا يجمعهما في قضية واحدة، إلا أنهما اجتمعا على استنكار اعتقال الأخ النور أحمد النور، وطالبا بإطلاق سراحه أو تقديمه إلى المحاكمة، إذ أن القانونَ كفيلٌ بالنظر في تجاوزات ذات الصلة بالنشر الصحافي، عبر نيابة الصحافة والمطبوعات. ونحن في صحيفة "التغيير"، نناشد الجهات المختصة بالعمل على إطلاق سراح الأخ النور أحمد النور فوراً، أو تقديمه إلى محاكمة عادلة عبر قانون الصحافة والمطبوعات، بعيداً عن اللجوء إلى إجراءات استثنائية، تُشكل تداعياتها مُضاغطات داخلية وخارجية، كان في الإمكان، بقليلِ جُهدٍ احتواؤها في إطار القانون. ولنستذكر في هذا الخصوص، قولَ الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ". وقول الشاعر العربي أبي عمر طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد: وظلمُ ذوي القربى أشدُّ مضاضة ً على المرءِ من وَقْعِ الحُسامِ المُهنّد فذرني وخُلْقي إنني لكَ شاكرٌ ولو حلّ بيتي نائياً عندَ ضرغد فلو شاءَ رَبي كنتُ قَيْسَ بنَ خالِدٍ ولو شاءَ ربي كنتُ عَمْرَو بنَ مَرثَد فأصبحتُ ذا مال كثيرٍ وزارني بنونَ كرامٌ سادة ٌ لمسوّد