كثيرٌ من المتفائلين بأهميةِ الحوار الوطني، ناهيك عن المتشائمين والمُخَذِّلين بجديته وأهميته، لم يتوقعوا ما أجازته عُمومية آلية الحوار الوطني في اجتماعها الجامع الذي عُقد مساء أول من أمس (الأحد)، في قاعة الصداقة برئاسة الأخ الرئيس عمر البشير. ولم يدروا بتوافقٍ حول إجازة معالم خارطة الطريق، والجهود والمجاهدات الموفقة في تعبيد نتوءات وتضاريس تلكم الخارطة. ومن البُشريات التي تضمنتها خارطة الطريق للحوار الوطني، تأمينها الكامل، وتأكيدها الفاعل على الحُريات، لا سيما حرية التعبير والنشر، مع التوافق حول تجنُّب خطاب الكراهية والتراشق عبر الأوساط الصحافية والإعلامية بين المشاركين في الحوار الوطني، باعتماد المحاورة وليس المجادلة في مُعالجةِ قضاياه الوطنية. وأحسبُ أن الذي يستوقف المراقب للشأن السوداني من داخل السودان وخارجه، تلكم العزيمة الأكيدة والإرادة القوية، في العمل على ضرورة إقناع الحركات المسلحة للانخراط في مداولات الحوار الوطني، مع ضمان وقف إطلاق نار شامل بترتيبات أمنية كاملة، وتقديم ضمانات جازمة لسلامة المشاركين في الحوار الوطني من الحركات المسلحة، إنزالاً للمرتكز الأول من المرتكزات الأربعة لخطاب "الوثبة" الرئاسي يوم الاثنين 27 يناير 2014، ألا وهو السلام، إضافةً إلى المرتكزات الثلاثة التي هي بمثابة الدُّعامة القوية، والشريان النابض لمرتكز السلام، وهي الحُريات والاقتصاد والهوية السودانوية. وأعلن الأخ الرئيس عمر البشير في صراحةٍ ووضوحٍ، لا لبس فيه ولا غموض، التئام مؤتمر الحوار الوطني قبل نهاية الشهر الحالي، مُوكلاً مهمة التوقيت الزمني للموعد لآلية الحوار الوطني، مجدداً في الوقت نفسه، الدعوة الرئاسية إلى حملة السلاح للدخول زُمراً وفرادى في الحوار الوطني، مع ضمان خروجٍ آمنٍ لهم من البلاد بعد الحوار دون أن يتعرض لهم أحد. وأظن – وليس كل الظنِّ إثماً – أن الأخ الرئيس عمر البشير أراد تأكيد هذا الضمان وتجديده بالنسبة للحركات المسلحة. وأضيف من عندي، معلومةً وتحليلاً أنه يقصد أيضاً أنهم إذا أرادوا الخروج من البلاد بعد الحوار الوطني لن يتعرض لهم أحدٌ بسوء، سواء أكان التوفيق حليفاً لمسارات الحوار الوطني في تحقيق الوفاق والإجماع الوطني، أم لم تُكلل جهود ومجاهدات المحاورين في الحوار الوطني، بالتوفيق والسداد الذي لا يأمله أيِّ غيورٍ على الوطن، أو حريصٍ على نفع المواطنين. وأكبرُ الظنِّ عندي، أن بعض المشككين في مسارات الحوار الوطني راهنوا على أن اتفاق أديس أبابا الذي وقعته لجنة الاتصال الخارجي المكونة من الأخ الصديق الدكتور غازي صلاح الدين العتباني رئيس حركة "الإصلاح الآن"، والأخ الصديق أحمد سعد عمر وزير رئاسة مجلس الوزراء، ودفعهم إلى هذا الرهان الخاسر أن البعض أشاع قبيل الاجتماع أن هنالك لجلجة، وعدم موافقة على ضم اتفاق أديس أبابا إلى أجندة اجتماع الجمعية العمومية للحوار الوطني، ولكن خاب فألهم، وساء ظنهم، فها هي الجمعية العمومية للحوار الوطني تُجيز اتفاق أديس أبابا دون لجاجةٍ أو مماحكةٍ. أخلصُ إلى أن اجتماع الجمعية العمومية للحوار الوطني الذي عُقد مساء أول من أمس (الأحد) بقاعة الصداقة، كان حافلاً بمقومات نجاح الحوار الوطني، لا سيما بعد إجازته لتقارير لجان آلية (7+7)، بالإضافة إلى مشروع خارطة الطريق، الذي أحسبه سيكون معالم الطريق في الحوار الوطني. وكم كان جميلاً، أن يستغل الشيخ الدكتور حسن عبد الله الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي خبراته الثرة، وتجاربه المتعددة، في تقديم مقترحٍ يدعو إلى الشروع في تكوين اللجان الست الفرعية للحوار الوطني، وهي: (1) لجان السلام والوحدة. (2) الاقتصاد. (3) الحريات والحقوق الأساسية. (4) الهوية. (5) العلاقات الخارجية وقضايا الحكم. (6) تنفيذ مُخرجات الحوار. ولم يرغب الشيخ الدكتور الترابي تقسيماً قسرياً لأعضاء الحوار الوطني في هذه اللجان، ولكنه أراد أن يُنزل إحدى بُشريات اجتماع الجمعية العمومية للحوار الوطني المتعلق بالحريات، لذلك حث الأحزاب المشاركة على الشروع في تسمية ممثليها في اللجان الست، اختياراً لا إلزاماً. ولما كان يسود في أجواء ذاكم الاجتماع روحُ الإلفةِ، والرغبةِ في التوافق، سارع الأخ الرئيس عمر البشير إلى تأييد الدكتور الترابي في مقترحه، مشيراً إلى حق أي حزب من الأحزاب المشاركة في إشراك ممثل في كل لجنة من اللجان الست، مستصحباً فقه الرُّخصة في المشاركة بهذه اللجان، بحُجيةِ أنها "فرض كفاية وليس فرض عين"، موضحاً أن تلك اللجان ستقوم برفع توصياتها للآلية. ولنستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: " وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ". وقول الشاعر العربي، عمرو بن الأهتم السعدي: وَكُلُّ كَرِيْمٍ يَتَّقِي الذَّمَّ بِالْقِرَى وَلِلْخَيْرِ بَيْنَ الصَّالِحِيْنَ طَرِيْقُ لَعَمْرُكَ مَا ضَاقَتْ بِلاَدٌ بِأهْلِهَا وَلَكِنَّ أَخْلاَقَ الرِّجَالِ تَضِيْقُ