[email protected] (1) بحسب الموسوعة الدولية، ويكيبيديا، فقد نشأ مصطلح (الطابور الخامس) اثناء الحرب الاهلية الاسبانية في ثلاثينيات القرن المنصرم. ويشير المصطلح الى العناصر التي تتغلغل داخل معسكر داخلي، ولكنها تعمل وتوجه نشاطها لصالح معسكر خارجي مضاد. وكانت الجبهة الاسلامية القومية قد استوردت هذا المصطلح، عقب الانتفاضة الرجبية في ابريل 1985، وزرعته في البيئة السياسية السودانية، وعمقته في الشعور العام، ثم وظفته للنيل من بعض خصومها السياسيين. واستخدمت في ذلك المسعى مختلف أذرع آلتها الدعائية الضاربة. لم تشأ ماكينة البروباغاندا الاسلاموية اتباع مفردات الثقافة المحلية السائدة، فلم تنعت ذلك الصنف من الخصوم بأنهم (غواصات). بل آثرت ان تستقدم لهم من الخارج مصطلحاً حديثاً موازياً. مع ان الفكرة في الحالتين واحدة، وهي الانخراط في خدمة أجندة خارجية مضادة لأجندة الكيان الداخلي الأصل. (2) وفي الحالة التي بين أيدينا فقد صبغت صفة (الطابور الخامس) اولئك النفر الذين أدعوا الانتماء للسودان وللاسلام، ولكنهم ولغوا – افتراضاً – وسدروا في العمالة لجهة معادية، هي الحركة الشعبية لتحرير السودان، وارتهنوا لبعض نصراءها من قوى الاستكبار الدولي، كالولايات المتحدة. وربما كان في الإنعام على هؤلاء بالمستورد من الالقاب ما يميزهم ويُعلى من أقدارهم، والله اعلم. لا سيما ان جميع من اطلقت عليهم صفة (طابور خامس) كانوا من المثقفين، حملة الدكتوراة من الجامعات الاوربية والامريكية، فضلاً عن بعض المهنيين من اصحاب التأهيل العالي. وكما تُقصر الصلاة عند السفر، فقد عمد الاسلامويون الى قصر الصفة عند المكايدة، وذلك بأن أزالوا عنها لفظة (الخامس)، فاقتصرت على كلمة (الطابور) وحدها، فصاروا يقولون: "فلان طابور"! وقد شهدت شخصياً، عهد الديمقراطية الثالثة، بعض التظاهرات والندوات والتجمعات السياسية الهادرة، التي كانت تؤمها حشود الموالين للحركة الاسلاموية في مشارق المدن السودانية ومغاربها، فكان قلبي يكاد ينخلع من مكانه كلما دوى الهتاف الشهير: (الدائرة تدور على الطابور)! (3) في طليعة من نالوا (وسام الطابور) الاستاذ السابق بجامعة الخرطوم الدكتور تيسير محمد أحمد، الذي نعرف أنه من منظمي وقادة انتفاضة السادس من ابريل 1985 (استبسل تيسير في تلك الانتفاضة استبسالاً دفع بعناصر جهاز امن الدولة المندسة وسط المتظاهرين لترصده. وقام احد هذه العناصر بتوجيه اصابة مباشرة له باستخدام صاعق كهربائي يعمل ببطاريات شحن عالية، وقد تسببت له تلك الاصابة في إعاقة بعض اعصاب الظهر والرقبة، وأحدثت عاهة مستديمة ظلت تؤثر على حركته في المشي، منذ ذلك الزمان وحتى يومنا هذا). ومن بين من كستهم آلة البروباغاندا الاسلاموية وشاح الطابور الدكتور الواثق كمير، والدكتور عشاري أحمد محمود، والدكتور محمد الامين التوم، والدكتور محمد يوسف احمد المصطفى. وآخرون من اساتذة جامعة الخرطوم ممن حامت حولهم شبهات التداخل مع الحركة الشعبية ووكلائها من الفرنجة. ولكن الدكتور تيسير محمد احمد يتميز على غيره من المطوبرين (اى الذين اطلقت عليهم صفة الطابور) بأنه الوحيد الذي جمع بين الحسنيين، الطوبرة والغوصنة! وكان هذا الحبيب قد شارك، في مرحلة لاحقة من حياته، في تأسيس وقيادة تنظيم قوات التحالف السودانية التي اتخذت من اسمرا قاعدة لها. وعندما حدث الخلاف الاكبر الذي اعقبه انشقاق الحركة وانقسامها في ابريل 2004 التزم صاحبنا، ضمن قطاع واسع من عضوية التنظيم، موقف الدعوة الى اندماج واندغام قوات التحالف داخل كيان الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة العقيد الراحل جون قرنق. وهنا تعرض الرجل الى هجوم كاسر من قائد التحالف العميد عبد العزيز خالد، الذي وصفه - بين اوصاف اخرى - بأنه غواصة للحركة الشعبية داخل قوات التحالف! (4) غير أن أشهر من طوبرتهم آلة الدعاية الاسلاموية كان هو المهندس صالح الخير، من منسوبي الحزب الشيوعي السوداني. والذي ذاع عنه الاتهام بأنه قُبض متلبساً بتسريب معلومات للحركة الشعبية عن تحركات القوات المسلحة في احدى الأرجاء المتاخمة لمناطق العمليات شرق الدمازين. وتعالت الصيحات في ذلك العهد تنادي بمحاكمته واعدامه، جزاءً وفاقا. وقد تفانت في الدفاع عن هذا المهندس المطوبر صحيفة (الميدان)، لسان بني شوعان، التي نفت عنه التهمة. وقد لفت انتباهي في هذا المسعى مقال لأحد كتاب الصحيفة جعل عنوانه (صالح الخير يعمل لصالح الخير). بمعني انه لا يعمل (لصالح الحركة الشعبية)، وانما لصالح (الخير الوطني العام)! طوبى للمطوبرين، ولا عزاء للغواصات! نقلاً عن صحيفة (السوداني)