* الثلاثاء من الأسبوع الفائت، وبعد صلاة المغرب كانت الخطى متثاقلة تسوقنا ناحية السجانة، لنشهد ندوة تناقش قضية إنفصال جنوب السودان، وهناك ولدهشتنا نجد طيفاً من (الأخنس بن شريق) حاضراً، وظلالاً من (أبو جهل) ماثلة، والسيد (حيدر إبراهيم) الناشط بمركز الدراسات السودانية – كذلك – كان قاعداً. * والسيد (أتيم قرنق) وهو يبحث عن إجابة للسؤال الذي يمثل عنوان الندوة: (إنفصال جنوب السودان مسئولية من..؟) السياسي الجنوبي المحنك كان يتحاشى أن يحمّل جيلاً بعينه مسئولية الإنفصال ويقول "أن هنالك أخطاء تاريخية تراكمت ودفعت كلها في هذا الإتجاه.." ولكن السيد حيدر إبراهيم الذي يجتهد أن ينفى عنه صفة السياسي يتحدث بخلاف طريقة أتيم قرنق ويحاول أن يحصر مسئولية إنفصال الجنوب في شخص واحد (!) ونحن نستمع ونعجب ونذكر أبو جهل عمرو بن هشام. * والأخنس بن شريق أحد رجالات قريش عندما يبهره الرسول عليه السلام بحجته ومنهاجه المضئ، الأخنس كان يغشى أبو جهل ويسأله والحيرة تعصف به: "يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد..؟ وأبو جهل يقطّب جبينه ويقول: "لقد تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا وحملوا فحلمنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا (تجاذينا) على الركب وكنا (كفرسي رهان) قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك مثل هذه والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه) * والحركة الإسلامية والحزب الشيوعي السوداني أتي عليهما حين من الدهر وقد إشتد بينهما التنافس وحمي التدافع حتى إذا تجاذيا على الركب وكانا كفرسي رهان، كبا فرس الشيوعي كبوته التاريخية وانقطع على إثر ذلك بعض الشيوعيون سنين عددا إلى كهف اللحظة المريرة في تاريخهم، وعندما هبّ أولئك كانوا يظنون أنهم لبثوا يوماً أو بعض يوم وكان فرس الحركة التي ينافسونها قد قطع أشواطاً إلى منصة التتويج، والسيد حيدر إبراهيم – كذلك - كان ينتبه من رقدته المتطاولة بشارب كثيف أبيض ناصع كأنه ثمامة، والرجل حين ينظر حال الحركة تقتله الغيرة فيقول في نفسه: "متى ندرك مثل هذه (؟) والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه. * والغيرة التي تغطى قلب الرجل تجعله لا يتردد في الجواب إن أنت باغته بالسؤال: من المسئول عن ظاهرة ثقب الأوزون..؟ فيقول حسن الترابي. * وحيدر إبراهيم في سعيه مساء الثلاثاء لتحديد من تقع عليه المسئولية في جعل الإنفصال خياراً غالباً عند الجنوبيون يذهب (بتحليله!) إلى أن الخطأ بدأ مع ظهور الدعوة لأسلمة الدولة والدستور، ثم الرجل يستشهد بعدة أقوال وأحاديث سابقة للشيخ الترابي حول الدستور والدولة الإسلامية، ويقول: هذا أبرز الصراع حول الدولة الإسلامية والدعوة للدولة الوطنية على أنه صراع بين الدين واللا دين.! ويبقى السيد الترابي هو حامل لواء كل ذلك (!) * والسيد حيدر يخلص من خلال تلك المماحكة الطويلة التي ألقاها إلى القول: "أنا أحمل الحركة (الإسلاموية) مسئولية إنفصال الجنوب دون مواربة (!) * والسيد أتيم قرنق يلقم الرجل الجالس إلى جواره حجراً وهو يقول بهدوئه المعهود "المشكلة ليست في الدولة الإسلامية فقد كانت السلطنة الزرقاء دولة إسلامية، ولكنها كانت سودانية وكانت دولة الفور إسلامية سودانية ولكن بدأ الخطأ يوم أستبدلتم شعار السودان للسودانيين بشعار السودان دولة (عربية) إسلامية. * أتيم وكانه يلمز اليساري المخضرم إلى جوار على المنصة يقول:"أكبر خطأ وقع فيه المثقفون السودانيون يوم انساقوا وراء (عروبة) عبد الناصر. ثم أتيم يسخر من أصدقاء الرجل اليساري وهو يعدد طوائف من دعاة العروبة، بعثيين وقوميين ومستقلين وعروبيين وكلهم من قبيلة اليسار.. وأتيم يتعمد أن يضحك الناس! * ونخرج من القاعة نوازن بين حديث هادئ متزن ألقاه سياسي جنوبي عدد العوامل التي دفعت نحو تفضيل إنفصال جنوب السودان في عدم التمسك بالهوية السودانية، والفشل في إدارة التعدد الموجود بالسودان. إضافة إلى ممارسات الحزب الوطني الحاكم اليوم، ونقارن ذلك بحديث السيد حيدر إبراهيم الذي يسلك منهجاً غريباً في التحليل يذكر باللغز الذي تطرحه قنوات الأطفال في برنامج اسمه (الرابط العجيب) وهناك يمكن أن يسأل مقدم البرنامج مجموعة الأطفال: ماهو الرابط بين حل الحزب الشيوعي وأنفصال جنوب السودان..؟ والإجابة السريعة عند حيدر.