سبب حرص الحكومة السودانية في تغطيتها علي أحداث قرية تابت بولاية شمال دارفور، رغم النجاح الذي كان مؤكدا ً في نقل القضية من مرحلة مزاعم الي حقائق مؤكدة يستند عليها المجتمع الدولي في محاسبة الحكومة السودانية ومطالبتها بتوضيح أحداث إغتصاب جماعي ل200 من نساء القرية ، ليس فقط لأن وقائع الإغتصاب يصعب إثباتها بعد مرور أسبوعين من حدوثها أو أن التضييق الذي تم علي بعثة اليوناميد أثناء إجرائها للتحقيق في الحادثة ،أو لأن من قام بهذا الفعل الشنيع هو كتيبة من الجيش السوداني ، ولكن لأن الحكومة السودانية في هذه الفترة لا تريد إزعاجا ً من هذا النوع أو من أي نوع قد يؤثر حتما ً في الإنتخابات القادمة ،فهي لا تهتم ّ وإن تم إغتصاب نساء كل إقليم دارفور ..!، فهذه ليست الحادثة الأولي التي قد تنشده الحكومة لوقوعها ولن تكون الأخيرة . في هذا المقال سآخذ بنقطتين وردتا في حديث سيدتين هما : المتحدثة السابقة للبعثة عائشة البصري والسيدة زينب هوي بانجورا ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة والمختصة بالعنف الجنسي في مناطق الصراع . فأما عائشة البصري ، فكان تفنيدها لإخفاق البعثة في إثبات حادثة الإغتصاب الجماعي للنساء الدارفوريات هو أن البعثة أجرت التحقيق أمام الجنود الحكوميين وهذا أسقط شرطا ً أساسيا ً في ظروف التحقيق ، وأن البعثة نفسها تواجه ضغوطا ً كبيرة من عدة جهات سواء من الحكومة السودانية أو من الأممالمتحدة في نيويورك. وكل هذا المحيط ظهر مفيدا ً جدا ً للخارجية السودانية وبدا واضحا ً من خلال بيانها الذي إستندت فيه علي وضع إجرائي بحت وهو أن بعثة اليوناميد بعد أن تقدّمت إليها بطلب لزيارة قرية تابت ، رجعت وتنصلّت عن الإتفاق وشرعت في تنفيذ الزيارة إستنادا ً علي التصريح الولائي . حسنا ً.. بالطبع هذه النقطة تحديدا ً في صالح البعثة لأنها ربما قد خبرت طويلا ً بطء الحكومة في التعامل من خلال مواقف جادة في الأحداث التي تتوالي علي هذا الأقليم ، ففضلت التجاوز علي أن يظهر تقرير ولو كان ضعيفا ً وإذا كان وتخطت الحكومة السودانية مراحل إصدار البيانات وخطابات اللوم الي مرحلة التعاون الجاد ّ مع البعثة لأسرعت بإصدار تصريح الزيارة وتعاونت مع شروط التحقيق المضبوطة بالنزاهة والشفافية ، ولكن هذا لا يعد ّ ولا قريبا ً حتي من السياسة التي تتعامل بها الحكومة السودانية مع هذا الأقليم المنكوب . وقد ذكرت في مقدمة المقال بتشاؤم له أسبابه أن حادثة تابت لن تكون الأخيرة في إقليم دارفور وهذا من خلال موقفين أُسردهما هنا مباشرة ، الأول عندما تقدّمت الفنانة العالمية وسفيرة النوايا الحسنة (أنجلينا جولي) بطلب تأشيرة لزيارة السودان وتحديدا ً منطقتي النيل الأزرق وجبال النوبة وكان ذلك خلال قمة إنهاء العنف الجنسي في مناطق الصراع ، فكان أن رفضت السلطات السودانية هذا الطلب دون أسباب محددة ولكنها بالطبع واضحة . الموقف الثاني هو تساؤل عن متي أجرت الحكومة السودانية (لوحدها) تحقيقا ً مكتملا ً بشأن قضايا الإغتصاب والنهب والقتل التي تجري في الإقليم ثم خرجت بنتائج واضحة وأحكام مشهودة؟ هذا لم يحدث إطلاقا ً ولكن كل ما كانت تصدّره الحكومة السودانية سواء في المركز أو من حكومة الإقليم هو مزيد من التهديدات لكل من يحاول أن (يتورّط) في نشر معلومات عن أي واقعة غير أن كل شئ تحت السيطرة وأن النساء الدارفوريات بريئات وعفيفات ..! تبقت نقطة أخيرة يجب الإنتباه إليها في حديث السيدة زينب هوي بانجورا وربما قد تؤدي هذه النقطة الي الضغط علي الحكومة في إعادة التحقيق في ماجري بقرية تابت وهي تخشي أن يكون هناك جدار صمت يهيئ لأجواء إنتقام : ( يستحيل أن نخلص الي عدم حدوث عنف جنسي). aziza mahmoud [email protected]