[email protected] (1) في ظني وتقديري - وأنا حر في ظني وتقديري - ان افضل مقدمة برامج على الاطلاق عرفتها فضائياتنا وقنواتنا التلفازية هي الاعلامية عفراء فتح الرحمن. وأنا سعيدٌ بأن الامام الحبيب الصادق المهدي يشاركني الاعجاب بأداء عفراء وقدراتها، وقد أهداها ذات مرة خاتماً من الذهب الخالص، تعبيرا عن ذلك الاعجاب. أغدق الله على هذه الحُميراء من فيض نعائمه الثقافة الواسعة، واللغة السليمة، وعذوبة الصوت، وبهاء الطلعة، وصدقية الأداء، ثم أكرمها بنعمة القبول. وقد لاحظت ان ثغر عفراء لا يفترّ كثيرا اثناء برامجها الحوارية، ولكنه اذا افترّ فإن ابتسامتها مذهلة! عفراء صديقتي التي لم ألتقِها بعد. ولأنها كذلك فسأمحضها النصح واصدقها القول بأنني لست راضياً كل الرضا عن الحلقة التي شاهدتها من برنامجها (فلاش باك)، بقناة الشروق، مساء الاتنين الماضي بتوقيتي الامريكي. (2) بدت لي فكرة الحلقات شبيهة ببرنامج (شاهد على العصر) الذي يقدمه أحمد منصور بقناة الجزيرة. ولا بأس بذلك، فأحمد منصور لا يحتكر الفكرة. استرجاع أحداث التاريخ وتوثيق وقائعه فعل اعلامي متبع في كل تلفزيونات واذاعات العالم منذ أزل البث الهوائي. بيد أن عندي بعض تحفظ على الشخصية الفاضلة التي استضافتها عفراء بغرض استرجاع وتوثيق تاريخ الراحل الكبير الشريف حسين يوسف الهندي، وشخصيته ودوره في الحياة العامة، منذ خمسينيات القرن الماضي. الاستاذ سيد هارون عمر، القيادي بالحزب الاتحادي الاصل، كما جري تقديمه، اكمل دراسته الجامعية في خاتمة السبعينيات. وفي اغلب الظن فإن عمره تراوح بين العاشرة والخامسة عشر خلال بعض الفترات التي غطتها الحلقة، والتى تحدث خلالها الرجل بسيولة واندفاع، يمجّد الشريف حسين، ويعظّم مجاهداته في دروب الوطنية. المشكلة هي ان جُل ما قاله الرجل، إن لم يكن كله، هو نتاج لمعلومات مسموعة او مقروءة، سمعها وقرأها عند آخرين. وذلك فضلا عن استرجاعه لأجزاء من مذكرات الشريف حسين المنشورة. وهو هنا لا يفضُل عفراء كثيراً، فقد سمع وقرأ، تماما كما سمعت هي نفسها وقرأت. بل انني شاهدت عفراء تقود العملية السردية اثناء الحوار، وتقوّمها وتثريها. مما يدل على أن سعة ماعونها المعرفي، وغزارة محصولها من التاريخ السياسي والاجتماعي، ربما جاوزت في المقدار وبزّت في النوع ما عند الضيف المراد منه تثقيف الناس نفسه. في هذا الحال لا يصبح الضيف شاهداً على عصره، الأمر الذي يُضعف من قيمة العمل الاعلامي. ذلك ان الاصل في مثل هذه البرامج ان يكون الضيف مجايلاً للشخصيات ومعاصراً للاحداث، او قريباً منها بدرجة كافية في الزمان والمكان (source Primary)، وفي ذلك ما يؤمن أصالة الشهادة ويمنحها سُلطتها. (3) ثم ان لي مأخذاً آخر على ضيف عفراء. وهو انه أراد أثناء الحلقة ان يطرد ذبابة عن وجه المغفور له الشريف حسين الهندي، فأخذ حجراً كبيرا خبط به وجه الرجل، فألحق به من الأذى الجسيم ما قد يستعصى على الطبابة! نسب الاستاذ سيد هارون عمر الى الراحل الشريف الهندي أنه قال لبعض قومه، يحدثهم عن كيفية تلقيه خبر وقوع الانقلاب صبيحة الخامس والعشرين من مايو 1969، انه كان متنازعاً في بداية الامر بشأن اتخاذ موقف من النظام العسكري الجديد. وان نفسه حدثته بما معناه أن الانقلاب ربما لم يكن، في نهاية المطاف، أمراً سيئاً، وان خيار تأييده وارد. واستخدم صاحبنا هذه العبارة منسوبة للشريف: "اذا كنا نحن قد فشلنا في حكم السودان، فربما يوفق الله هؤلاء فينجحون في ما فشلنا نحن فيه"؟! يعني الانقلابيين الذين خرقوا الدستور، وأخمدوا جذوة الديمقراطية، واستولوا على الحكم غلاباً من فوق أمتنة الدبابات! الأنكي ان صاحبنا نسب الى الشريف حسين الهندي قوله أن قراره لم يستقر حقاً على معارضة الانقلاب الا بعد ان سمع اسم السيد/ بابكر عوض الله رئيسا للوزراء! ماذا يعني كل ذلك؟ يعني ببساطة ان الشريف حسين الهندي لم يكن ديمقراطياً حتى النخاع كما يشيع انصاره. وانه لم يرفض فكرة الانقلاب العسكري من حيث المبدأ. بل انه ربما ساند انقلاب العسكر لو كان مدبريه آخرون بخلاف بابكر عوض الله وصحبه. وذلك لعمر الحق أمرٌ جلل يدعونا الى اعادة قراءة وتقويم تاريخ هذا القائد السياسي الاسطورة. لضيف عفراء الذي أراد ان يعرّفنا ويثقفنا عن شخصية وحياة الشريف حسين الهندي أقول: "شكراً يا حبيب. ما قصّرت تب. لقد أعلمتنا عن الرجل ما لم نكن نعلم"! نقلا عن صحيفة (السوداني)