بلينكن عن التدقيق في مزاعم انتهاك إسرائيل لحقوق الإنسان: سترون النتائج قريبا    عام على الحرب فى السودان.. لا غالب ولا مغلوب    يمضي بخطوات واثقة في البناء..كواسي أبياه يعمل بإجتهاد لبناء منتخبين على مستوى عال    اللواء 43مشاة باروما يكرم المتفوقين بشهادة الاساس بالمحلية    السيارات الكهربائية.. والتنافس القادم!    واشنطن توافق على سحب قواتها من النيجر    الخطوة التالية    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    سوق الابيض يصدر اكثر من عشرين الف طنا من المحاصيل    الأكاديمية خطوة في الطريق الصحيح    شاهد بالصورة.. المذيعة السودانية الحسناء فاطمة كباشي تلفت أنظار المتابعين وتخطف الأضواء بإطلالة مثيرة ب"البنطلون" المحذق    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثوابت الدستور الدائم .. بقلم: بلقيس بدري
نشر في سودانيل يوم 16 - 11 - 2009

إن الإهتمام بأمر وثيقة الدستور هو جوهر قضية وحدة وسلام السودان. إن النظم الدكتاتورية لا يمكن تحسينها عن طريق الإصلاحات وإنما يمكن تغييرها وتبديلها عن طريق الإصلاحات – والدستور هو جوهر تلك الإصلاحات. إن العمل الدستوري هو مشاركة شعبية وإرادة سياسية ، هذه الإرادة قد تتوفر من خلال العمل الحالي لإجراء إنتخابات وتحول ديموقراطي.
عملية الوصول للدستور الدائم لا تخص جهة بعينها وعلينا جميعا المشاركة في بلورة القيم التي ينص عليها الدستور. أشارك في هذا الصدد بمقترحات لثوابت تضمن في الدستور القادم، وعلى الأحزاب وكافة القوى الوطنية والشخصيات تداول مسألة الثوابت منذ الآن للوصول للصيغة التي تعبر عن بلادنا وشعبها بأصدق ما يكون.
الثوابت التي أقصدها تتعلق بطبيعة الدولة ونظام الحكم فيها، مصادر التشريع وفصل الدين عن الدولة، اللامركزية، الهوية، وضمان الديموقراطية والحريات والحقوق. فهي أمور لا بد من أن تناقش وتحسم وتضمن في الدستور الدائم.
أولا: طبيعة الدولة:
وأقترح أن يتم التوافق على الآتي:
"جمهورية السودان دولة مستقلة ذات سيادة وهي دولة مدنية ديموقراطية كونفدرالية/فدرالية، تتنوع فيها الثقافات والأعراق والأديان واللغات وتتعايش سلميا، تسود فيها العدالة والمساواة والحرية من غير هيمنة فئة على أخرى".
وفي ذات السياق يتم التوافق على مفهوم السيادة كالآتي:
"السيادة للشعب السوداني بكل هوياته وقومياته ونمارسها نيابة عنه حكومة منتخبة - ديموقراطيا في إنتخابات دورية نزيهة وشفافة - من غير سيطرة أوهيمنة أو خرق لاستقلالية الأقاليم الفدرالية أو الكونفدرالية السودانية المختلفة".
ثانيا : مصادر التشريع
الأمر الهام الآخر هو التوافق حول مسألة مصادر التشريع بالسكوت عنها أو بصياغتها بما يتوافق مع النظام الفدرالي و الكونفدرالي في دولة واحدة.
إن مسألة مصادر التشريع ذات أبعاد معقدة صعبة الحل والبت فيها. كما أوضحنا سابقا لم تضمن مصادر التشريع في دستور 1955، 1956 لتفادي الانقسامات. ويمكن أن نقول في ذلك إذا لزم الإشارة إلى مصادر التشريع أن تكون كالآتي:
"يهتدي التشريع لكل إقليم فدرالي أو كونفدرالي بإجماع مواطنيها، حيث يمكن أن يكون للأقاليم أو الولايات داخل الإقليم مصادر مختلفة للقوانين طبقا لسياق ونوع القانون تاسيسا على إجماع المواطنين أو إذا أريد أن يكون المصدر دينيا طبقا للتفسيرات الدينية المقبولة عند الأقلبية. في جميع الأحوال يجب أن تتطابق القوانين مع المبادئ الهادية للدستور الخاصة بالإعتراف بالتنوع ولا يجوز سن أي تشريع يخالف أو يغتصب أي حق من الحقوق الدستورية أو يتنافى مع المواثيق الدولية التي وقع عليها السودان خاصة العهدين الخاصين بحقوق الإنسان وإتفاقية حقوق الطفل وغيرها. كما يجب ألا يؤدي أي تشريع إلى التفرقة بين المواطنين بجعل مجموعة تهيمن على الآخرين أو تؤدي إلى التفرقة والتمييز في المواطنة أو فرض هيمنة أيدلوجية أو دينية على حقوق المواطنة المتساوية."
ثالثا: تقرير المصير : نقترح أن يتضمن حق جنوب السودان في تقرير المصير الاستفتاء بين خيارات الوحدة الشاملة على الفدرالية أوالكونفدرالية الكاملة أو خيار الإنفصال، ويتطلب ذلك تعديل المادة 22(2) من الجزء السادس عشر من الدستور الحالي قبل إعداد دستور جديد.
وخيار الكونفدرالية يجعل من الممكن الإحتفاظ بوحدة السودان في مجالات العملة وحرية الحركة والتملك والإستثمار داخل الوطن الواحد وتجعل الإمكانيات في الكوادر المؤهلة البشرية يمكن الإستفادة منها في كل الوطن دون أن يصبحوا خبراء أجانب، وتمكن من الإستفادة من التنوع البيئي في الإنتاج والرعي وفي المياه مما يعزز ويقوي من الرفاهية للمواطنين ويقلص من إحتمالات المجاعات والكوارث والصراع والنزوح خارج حدود الوطن.
إن دولة كبيرة بنظام كونفدرالي تؤدي إلى الإستفادة أيضا من الموانيء أو المنفذ البحري الوحيد للبلاد ليخدم الجميع بدلا من ظهور جمهورية مغلقة لا منفذ بحري لها مع وجود نفط في أراضيها- إن الجغرافيا المشتركة بسهول وأنهار تجعل من ترسيم الحدود من الصعوبة – كما وأن نظام كسب العيش عند الرعاة الحدوديين يجعل أيضا الحد من حركة الناس التي إعتادوها لقرون أكثر صعوبة . إذن إن الإنفصال تواجهه مشاكل فنية وإستراتيجية وإقتصادية وسكانية وتعقيدات بالغة، يواجهه ضعف التنمية في الجنوب- ولكن عدمه، أي الوحدة ، أيضا مواجهة بمشاكل عدة من تعدد هويات وهيمنة مركز وإحساس بالإقصاء أو الدونية وإختلافات ثقافية متنوعة وعدم تناغم سكاني لا يمكن معه من تكوين دولة إلا بشروط- إن الحل الكونفدرالي يجعلنا نجمع بين مزايا الإنفصال والوحدة – فإن الجنوب جغرافيا لديهم مقومات الدولة ، وسكانيا أيضا من ناحية عدد السكان والمساحة والثروات، كذلك وجود حكومة إقليمية تمارس سلطات على كل الإقليم منذ خمس سنوات – إذن أن علينا وضع التفاصيل للنظام الكونفدرالي وجعله الوسيلة التي تجعلنا متجاورين متصادقين – منتفعين كل من الآخر- مكملين لبعضنا ولكن دونما فرض هوية أو دين أو نظام سياسي على الآخر – أو الإحساس بالتعالي أو الدونية – زواج جديد نحل فيه مشاكل الماضي – وبما أن الوقت لا يكفي لحل كل المشاكل خلال فترة قليلة وبما أن قرارا كبيرا مثل الإنفصال لا يمكن أن يتم من خلال تجربة ليست بالطويلة فعلينا من طرح خيار الكونفدرالية كمخرج يحافظ على وحدة شكلية ولكن تقود لصون منافع المواطنين وزيادة الفرص أمامهم للتنمية وكذلك تجعل الطرفين يتعايشان في ظل دولة واحدة لنصف أو ربع قرن آخر – إذا لم يجد ذلك فالتهيئة للإنفصال تكون قد تمت، والحدود قد رسمت، والقضايا العالقة كأبيي وجبال النوبة والنيل الأزرق وتصدير النفط والتنمية في الجنوب بدرجة عالية – كلها تكون قد حسمت؛ فتجعل الإنفصال إن حدث يقود لقيام دولة قوية في الجنوب وأخرى في الشمال دونما حروب- وإن لم يحدث نكون قد قدمنا نموذجا لدول كثيرة من دول الجوار وغيرها عبر النظام الكونفدرالي – إذن لا بد من العمل الجاد من أجل جعل خيار الكونفدرالية جاذبا وهو خيار لا يتعارض مع إتفاقية السلام الشامل ولا مع الدستور لأنه يقع في إطار الوحدة-فقط نجعل هناك ثلاث صناديق للإقتراع : وحدة كونفدرالية : وحدة فدرالية : إنفصال كامل.
إن الكونفدرالية هي نوع من الوحدة ترضي الإنفصاليين والوحدويين على السواء، علاوة على أنها تعتمد دولتين مستقلتين أو جيشين ، إستقلال في السياسة الخارجية ، المال- فقط يوجد رأس واحد له صلاحيات محدودة – إذن يلزم قبول الفدرالية تعديلات أخرى هامة في نظام الحكم.
رابعا :النظام اللامركزي:- يجب أن تستهدف التغييرات الدستورية المستقبلية النظام الفدرالي من خلال التوصية بتقسيم كل السودان إلى أقاليم تستمتع بسلطات مماثلة للإقليم الجنوبي كما هو موضح في اتفاقية السلام الشامل. هكذا يجب أن تعمم السلطات الممنوحة لجنوب السودان على بقية أقاليم البلاد. كذلك يجب أن تمنح حكومات الأقاليم الجديدة ذات السلطات الممنوحة لحكومة إقليم الجنوب. أما الولايات المكونة للأقاليم فتمنح سلطات دستورية ترنو لأن تكون مستويات محلية لحكم فدرالي داخل كل إقليم- خاصة في الأقاليم التي تتعدد فيها القوميات والثقافات والديانات مثل إقليم كردفان بوجود جبال النوبة والإقليم الأوسط بوجود النيل الأزرق.
وعليه يجب أن يثبت في الدستور وصف لطبيعة دولة السودان كالآتي:
يجب النص صراحة على أن السودان دولة فدرالية كونفدرالية تكون من أقاليم ستة بنظام كونفدرالي للجنوب وفدرالي للأقاليم الخمسة الأخرى. كي تعطيه الوصف الحقيقي لكل الأقاليم ليتمتع بالسيادة والحقوق والمسؤوليات، أما في جنوب السودان فتمنح حقوق تتوفر في النظام الكونفدرالي. إننا نجد أن مصطلح اللا مركزية الوارد في الدستور الحالي جاء فضفاضا بحيث يتم إيجاد وضع يمكن من خلاله تحقيق سيناريو الوحدة والسلام الشامل. ولكن علينا الوضوح في صياغة طبيعة دولة السودان في الدستور القادم وعدم ترك الأمور فضفاضة تحت مصطلح اللامركزية. ولا بد أن يتم التأكيد على تفكيك السلطة المركزية بضمان الفدرالية المالية ، والثقافية والسياسية ، والسياسات التعليمية ، والتشريعية وتفكيك الأجهزة المركزية الإستخباراتية والأمنية وجعل الأخيرة مكونة قوميا ممثلة لكل الأقاليم.
خامسا: نظام الحكم: نقترح في الدستور القادم أن يلغى النظام الرئاسي الواحد وتكوين مجلس رئاسي من ستة أعضاء لتمثيل أقاليم السودان الرئيسة: جنوب السودان، دارفور، الشرق، وسط السودان، كردفان، ولاية الخرطوم والولايات الشمالية كإقليم واحد. رغم التفاوت في الكثافة السكانية وعدد السكان والمساحة لكل إقليم إلا أن لها من العناصر ما يمكنها من الوجود والإستقلال والوحدة لكل اقليم بناءا على التجانس المطلوب، والقدرة الإقتصادية والتنوع البيئي والكادر البشري . ويجب أن يجسد تكوين مجلس الرئاسة كل أقاليم السودان.
ويمكن أن تقرأ المادة الخاصة بذلك كالآتي:
"(1) لجمهورية السودان مجلس رئاسي ينتخبه الجهاز التشريعي بمجلسيه . يعين أو ينتخب مجلس رئاسة الجمهورية من أعضائه رئيسا بالتناوب لفترة عام ولا يستطيع البرلمان من تغيير عضوية مجلس الرئاسة حتى إنتهاء فترته. وتحدد مهام مجلس الرئاسة ورئيسه في دورته من خلال الدستور."
وهذا النظام يجعل البرلمان القومي ومجلس الأقاليم ينتخبا رئيس للوزراء على المستوى القومي وينتخبا مجلس رئاسة الجمهورية. بهذا يصبح النظام البرلماني المهجن هو الأفضل.
وتكون صلاحيات مجلس الوزراء القومي ورئيس الوزراء محدودة لضمان نفاذ النظام الفدرالي.
والحكمة من اقتراح النظام الهجين، هي أن النظام الرئاسي إذا كان يراد منه وسيلة لإستدامة الديموقراطية – فإن التجربة في السودان وفي الدول العربية قد أكدت على أنه نظام يؤدي إلى الهيمنة وتكريس نظام دولة الحزب الواحد. وهيمنة رئيس الجمهورية التدريجية وتغوله حتى يصبح دكتاتورا وتنتهي الممارسة الديموقراطية وصون حقوق الإنسان والحريات. أما إذا كان لا بد من الاستمرار في النظام الجمهوري الرئاسي برأس دولة واحد، فلا بد من الأخذ في الاعتبار ضرورة تقليل السلطات الممنوحة لرئيس الجمهورية، وأن تكون قرارات الجمعية التشريعية على أساس ثلثي الأصوات وليس الأغلبية البسيطة، كما يجب منح مجلس "الأقاليم " سلطات أوسع، من ضمنها حقه بثلاثة أرباع الأصوات من عزل الرئيس وتقليص الصلاحيات المالية والثروة في المركز. إن هذه الأمور ستقود إلى مزيد من المشاركة في السلطة وستقلل من هيمنة المركز على الأقاليم، وبالتالي تفتح الطريق لتحقيق فدرالية حقيقية، و كونفدرالية، مما يزيد من بناء الثقة ويعزز فرص السلام المستدام. كما وأنها تؤدي إلى تكريس الديموقراطية وعدم هيمنة الرئيس على مفاصل الدولة. وتتناسب مع النظام الفدرالي الكونفدرالي المكتمل المقترح.
سادسا : الجهاز التشريعي :
أقترح أن تتم المحافظة على نظام المجلسين، مجلس الأقاليم "الولايات الحالي" "والمجلس القومي: البرلمان" مع منح مجلس الأقاليم صلاحيات أكبر خاصة فيما يتعلق بإجازة الميزانية، التشريعات القومية، الإتفاقيات، إعلان حالة الطواريء والحرب، وعقود الإستثمار وإجازة تقرير المراجع العام- كما وأنه يشارك البرلمان في إنتخاب مجلس الرئاسة ورئيس الوزراء. بحيث تحدد القوانين الأغلبية المقبولة لإنتخابهما – وكذلك كيفية إنتخاب مجلس الأقاليم.
وأقترح أن تكون دورة المجلسين ست سنوات لضمان نوع من الإستقرار والإنجاز وخفض تكلفة الإنتخابات.
سابعا: مسألة الدين والحقوق الدينية:
الحقوق الدينية هي موضوعات يمكن أن تكون جزء من وثيقة الحقوق، كما أن التفاصيل الواردة في الدستور الحالي بشأنها غير مطلوبة، حيث أنها قوانين تنظيمية وليست حقوقا دستورية، إذ تتعلق الحقوق الدستورية بحرية الديانة.
ونقترح أن يلتزم الدستور الدائم بالآتي:
"لأي مواطن الحق في ممارسة واعتناق ونشر أية ديانة؛ يحق لأية جماعة أو طائفة دينية تأسيس والإبقاء على وإدارة المؤسسات الدينية؛ لا يجوز أن يفرض على أي شخص يلتحق بمؤسسة تعليمية أن يتلقى تعليمات دينية أو المشاركة في أو حضور مهرجانات أو احتفالات دينية أو خاصة بالعبادة إذا كانت تلك التعليمات أو المهرجانات أو العبادات تتعلق بديانة أو معتقد غير التي يعتنقها؛ لا يجوز تجريم أي شخص بسبب معتقداته الدينية التي يؤمن بها أو التي يبشر بها أو تجريمه في تغيير ديانته."
والنص على أن دولة السودان تحترم جميع المعتقدات والديانات ولا تؤسس على أساس ديني لأي من مناهجها أو إعلامها القومي أو أي من شعاراتها التي تجسد سيادة الدولة ووحدتها. أو أي تشريع قومي – وللأقاليم ألا تسن تشريعات تهدد من تلك الحرية المشار إليها في الدستور القومي.
ثامنا: الإقتصاد والتنمية : لابد أن تكون تلك مسائل تصان بالدستور وأقترح في ذلك أن يتضمن الدستور الآتي:
الاقتصاد القومي
"تكون الأهداف الأشمل للتنمية الاقتصادية هي القضاء على الفقر وتحقيق الأهداف الألفية للتنمية وضمان التوزيع العادل للثروة وتقليص التفاوت في الدخول وتحقيق مستوى كريم من الحياة لكل المواطنين، وتلتزم الأقاليم الفدرالية والكونفدرالية في إطار مسؤولياتها الأساسية، من خلال التخطيط لنمو اقتصادي، إلى تحقيق زيادة مستمرة في قوى الإنتاج وتحسن مطرد في المستوى المادي والمعيشي للمواطنين وزيادة فرص العمل وتأمين ذلك ليشمل جميع المواطنين، بما في ذلك:
(أ) توفير الضروريات الأساسية للحياة من غذاء وملبس ومسكن وتعليم ورعاية طبية؛
(ب) توفير الحق في العمل والحق في ضمان توفير فرص العمل بأجر مناسب، آخذين في الاعتبار حجم وجودة عمل؛
(ج) الحق في التمتع بالراحة والاستجمام؛
(د) الحق في التمتع بالضمان الاجتماعي، والدعم العام من الدولة في حالات العوز والحرمان الناشئ من العطالة أو المرض أو الإعاقة، أو معاناة الأرامل والأيتام، أو الشيخوخة، أو أي حالات اجتماعية أخرى شبيهة؛
(ه) يجب تأمين الحقوق المذكورة أعلاه آخذين في الاعتبار العدالة في التوزيع من خلال إزالة أي شكل من أشكال التمييز الجهوي النوعي أو العرقي أو الديني".
ولابد من التأكيد على الفدرالية المالية وتفكيك سيطرة المركز المالية.
ويجب أن يفرد الدستور بابا كاملا عن الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية.
تاسعا: حقوق المراة : يجب أن يشمل الدستور فصلا كاملا عن حقوق المرأة في باب الحقوق والحريات الأساسية يعبر فيه عن مباديء المساواة وتمكين المرأة وعدم الهيمنة عليها بإسم الدين أو سن أي تشريع يتعارض مع مباديء العدالة والمساواة والحرية.
ونقترح في ذلك الآتي:
"تلتزم الدولة بالمساواة الكاملة بين النساء والرجال و بحماية النساء من جميع أشكال العنف بما في ذلك العنف الأسري أو المنزلي من خلال وضع سياسات خاصة وسن تشريعات ووضع برامج للحد من هذه الظاهرة؛ تلتزم الدولة باتخاذ الخطوات الكفيلة بتأمين المشاركة العادلة لجميع النساء في جميع مناحي الحياة الوطنية العامة؛ تلتزم الدولة بمراجعة التشريعات وإصلاح تلك التي تعمق من مفهوم التبعية والتمييز ضد المرأة؛ تقوم الدولة بالمصادقة على الاتفاقيات الدولية والاقليمية التي تحمي وتعزز من حقوق المرأة وتحقق لها العدل والمساواة". ويمكن التفصيل حول تلك الحقوق في مواد متعددة.
عاشرا : إعلان الحرب
فيما يتعلق بالمسائل الخاصة بالدفاع عن الوطن والذي يشمل تقدير الدفاع ضد الحركات المتمردة على الحكومة وإعلان الحرب ضدها ويجب التنبيه إلى أن الدفاع عن الوطن ليس أمرا يترك للسلطة التقديرية للحكومة للتقرير بشأن من هو العدو ومتى تبدأ أو تعلن هذه الحرب ضد أعداء، ربما يكونون مواطنين ينتمون إلى دولة السودان. على كل، يجب أن يستفتى الشعب في أمر الحرب كحق من الحقوق الدستورية. أو نقترح أن يتم تكوين مجلس حرب يكون فيه أعضاء المجلس الرئاسي وآخرون من المؤسسة العسكرية والتشريعية والقضائية من كل الاقاليم، ويتم إعلان الحرب بموافقة ثلاثة أرباع عضويته. وأقترح أن يتم تضمين الآتي: "يتطلب إعلان الحرب ضد أي حركات متمردة ضد الدولة رضاء عامة الشعب من خلال استفتاء عام أو موافقة ثلاثة أرباع (¾) الهيئة التشريعية القومية زائدا موافقة ثلثي (2⁄3) الهيئة التشريعية لكل اقليم.
حادي عشر : حرمة الحقوق والحريات
لابد ألا تنتقص هذه الحرمات بلفظة بما يحدده القانون وكذلك لا بد من الإشارة إلى إعتبار أي قانون صادر مخالف لهذه الحقوق أو يخل بها باطل وتختص المحكمة الدستورية وحدها بالنظر في هذه القضايا المتعلقة بهذه الحقوق الدستورية.
ختاما :
لابد أن يتم منذ الآن التشاور بين الأحزاب السياسية وكافة الوطنيين على هذه الثوابت – كذلك لا بد أن تصاغ مواد الدستور بحيث لا تتنافى مع مباديء الحكم الراشد، وأن يتم الإستهداء بها في صياغة الدستور.
إذا تمت مناقشة ومشاركة واسعة حول الثوابت ومسودة الدستور بواسطة فئات المجتمع شاملة أحزابه وإتحاداته ومنظمات المجتمع المدني وأصحاب العمل وحركاته المسلحة وقواته النظامية وقواعده – يمكن لنا إذن أن نحلم بقيام دولة السودان الموحد المستقر المزدهر – دون ذلك سنستمر في دوامة الصراع المسلح والتفكك وعدم التنمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.