هل المعارضة في ورطة..؟ و هل غاب عنها أن تعاطي الاتفاقات و الحوارات السياسية مع المؤتمر الوطني أقرب إلى محاولة الامساك بالزئبق بالأصابع المجردة..؟ فالمؤتمر الوطني - علاوة على الزئبقية- ناجح في سياسة خلط الأوراق لدرجةٍ ربما أربكته هو نفسه.. و لأن السياسة لعبة قذرة مطلية ببعض ( اللمسات) النظيفة ، فإن منتسبي المؤتمر الوطني يجيدون اللعب في الجوانب غير النظيفة منها.. و يجيدون الدوران " مع الليالي كما تدورُ" ... و إذا شعروا بشبهة خطر ما على وجودهم، داروا على أعقابهم، تاركين السودان في مواجهة الرياح و الأعاصير.. و هذا عين ما فعلوا مؤخراً حين رفضوا الذهاب إلى أديس أبابا.. و الرفض ربما نتج من شك في وجود شَرك منصوب لهم هناك كما زعموا.. هذا، أو ربما تلبستهم عنجهية القوة جراء غنيمة فجائية اعتقدوا أنها واتتهم من حيث لم يضعوا لها كثير حساب Windfall gain .. فأعطتهم ( عاصفة الحزم) إعتقاداً ببداية انفراج كبير و انفتاح للتواصل مع دول الخليج.. و ب( ارتفاع) التواصل مع مصر درجات فوق المعتاد.. و الانفتاح و التواصل مع الجهتين أمر مرغوب من حيث المبدأ.. تمليه الجغرافيا و التاريخ و المصالح، إذا كانت مصالح مشتركة حقاً.. كان التواصل شبه معطل على مدى عقدين من التخبط في السياسة الخارجية.. و العلاقات مع المعارضة في تجاذب و شد داخلياً.. و حدث تحول دراماتيكي في موقف السودان خارجياً في ( عاصفة الحزم).. عكس ما كان عليه الحال في ( عاصفة الصحراء) حين كان المسئولون حديثي عهد بالسياسة و السياسة الخارجية على وجه خاص.. إذ كانوا يحلمون خارج شبكة التاريخ و الجغرافيا ( المعاصرين):- " حنفوق العالم أجمع!".. و خارج المصالح المشتركة:- " نأكل من ما نزرع.. و نلبس من ما نصنع!".. لكن لا نحن أُّكلنا مما نزرع.. و لا لبسنا إلا وارد الصين من الجلاليب.. بعد أن وأدوا مشروع الجزيرة في ريعان فتوته.. و عطلوا مصانع النسيج بأمر البنك الدولي.. و انحدروا بالسودان- بممارسة الظلم و التعسف - إلى ما قبل صدور قوانين ( حمورابي) في مجاهل التاريخ.. ما ثمن الدعم الذي لا بد و أن يأتيهم من الدول العربية المتحالفة معهم.. أم هي " هوائيته إن لم يكن انتهازيته الصارخة وعدم تمسكه بأي نوع من المباديء...... ومع ذلك فان الهوة التي القانا الانقاذ في قرارها لن تعالجها شحنات القمح او الغاز او الودائع المصرفية فقد دمر مقدراتنا بلا تمييز ولم يشبع اتباعه من السرقة والنهب ومن باب أولى ان يتكالبوا على القليل الذي سيأتي وقد لا يأتي من السعودية. " كما أورد أستاذنا محمد المكي ابراهيم؟ و " راس تيس بملا بيت جنا مسكين لحم!"، يقول أهلنا في دارفور.. و قد بدأ الاعلام المصري يتبنى ( تلميع) البشير بعد تشويهٍ امتد لعقود.. و المصريون اشتُهروا بالتفوق في عملية التلميع و ( الورنشة).. بينما يتساءل كثيرون عما إذا كانت الدول العربية النافذة سامحت السودان ( لله و الرسول) في موقفه السابق من تحالف ( عاصفة الصحراء) لتحرير الكويت.. و عن مدى ( الانبطاح) الذي حدث في ( عاصفة الحزم) مقارنة مع ( الممانعة) التي كلفت السودان الكثير.. و يتساءلون عن علاقة الضوء الأخضر الذي أعطته السفيرة الأمريكية وقتها للرئيس صدام حسين للانقضاض على جارته الكويت بالضوء الأخضر المُعطَى للسعودية لضرب اليمن.. و هل ثمة شبهة اسننزاف لثروات السعودية- تُسعد إيران- في حرب تطول.. و قد تطال السعودية في عقر دارها..؟ يقال أن الهدف الأمريكي من إعطاء الضوء الأخضر لصدام هو الاجهاز على العراق بعد أن فشلت أمريكا في تدمير إمكاناته العسكرية في حربه مع إيران.. و التي أججتها أمريكا لإنهاك جيشي البلدين لصالح اسرائيل.. لكن البلدين تمكنا من الخروج من الحرب أقوى ما يكونان من حيث المقدرات العسكرية و الخبرات القتالية.. فكان أن جاء الضوء الأخضر الأمريكي لصدام الطامح لضم قطعة أرض متنازع عليها بين العراق و الكويت.. و جاء الغزو.. و تبعته عاصفة الصحراء التي لم تدمر العراق كلياً.. إلا أن أمريكا لم تتوقف عن فكرة تدمير العراق، المهدِّد الأكبر، لإسرائيل.. و بذريعة حيازة العراق أسلحة الدمار الشامل، دمرته أمريكا في عام 2003 .. بينما ظلت إيران محتفظة بكل قوتها.. بل و تضاعفت امكاناتها القتالية إلى الدرجة التي أخافت جيرانها من العرب و اسرائيل معاً.. و بدأت تلتهم الجيران دولة دولة.. و كأن إزاحة صدام كان تمهيداً لدخول إيرانالعراق و احتلاله.. و ها هي ذي أمريكا تتقرب من إيران.. و تبتعد عن السعودية شيئاً فشيئاً و تركز أساطيلها في جنوب شرق آسيا حيث بدأت الصين تظهر قوتها في عدة اتجاهات.. و نفط الخليج لم يعد ذا أهمية كبيرة بعد استخراج أمريكا النفط الصخري بكميات مهولة.. لكن هل سوف تستغني أمريكا عن السعودية تماماً، و هل سوف تستغني السعودية عن السودان، كما جاء في مقال أستاذنا\ محمد المكي إبراهيم:- " لايبدو ان الانقاذ قد حصلت على عقد عمل مضمون مع السعوديين فهو على احسن الفروض عقد عمل مؤقت ينتهي بانتهاء الازمة".. هل ينتهي عقد العمل بانتهاء الأزمة حقاً؟ هذا ما سوف أرد عليه لاحقاً.. لكن هل وضعت أمريكا على الخط ( ملالي) إيران مكان ( أمراء) السعودية..؟ لا بد من قراءة تاريخ علاقة أمريكا بالبلدين هوناً ما:- فالسعوديون كاتمون لأسرارهم- منذ البدء- لا يكشفون لأمريكا ( كل) ما تطلب منهم كشفه.. عكس علاقة شاه إيران الذي ظل يكشف لها ( كل) شيئ.. و يثق فيها بلا حدود بعد أن ساعدته على الإطاحة بالرئيس الإيراني ( المنتخب) مصَدَّق في أوائل الخمسينيات من القرن المنصرم.. و تدهورت العلاقات بين إيران و أمريكا بعد الثورة الايرانية لدرجة القطيعة.. مع إرهاصات حاليا بعودة العلاقات بينهما إلى أقرب ما يمكن.. و قبل أيام، صرح السناتور النافذ ( جون مكين) أن بين السعودية و أمريكا الكثير من عدم الثقة.. و سبق و أن نوه تقرير منظمة ( راند) البحثية، لصالح السلاح الجوي الأمريكي، أن السعوديين لا يسمحون لأمريكا بمعرفة ( كل) ما تريده من منهم.. إذن، للسعودية طريقتها.. و حساباتها الخاصة بها.. و لا أعتقد أنها سوف تستهين بأهمية السودان لأمنها جغرافياً- إن لم نقل و غذائياً أيضاً- في صراعها البارد\ الساخن في مقبل الأيام مع إيران و حلفائها القدامى و الجدد.. و قد فتح لها نظام الانقاذ الأبواب على مصاريعها.. لكن، هل سيكون ذلك ( الفتح) في مصلحة الأجيال القادمة ؟ هذا ما ينبغي أن نفكر فيه ملياً.. و نحن نقرأ ما جاء بجريدة سودانايل:- ".... وقال رئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني مصطفى عثمان إسماعيل، وزير الاستثمار بالحكومة السودانية، ل"الشروق" إن الحوار سينطلق بعد الانتخابات بأقوى ترتيب ممكن، ولن نتردد في توجيه الدعوة للمعارضة وحملة السلاح ونقبل بأية تفاهمات يمكن أن تقود للإجماع الوطني." أتمنى أن تقرأ المعارضة الرسالة جيداً.. فالنظام قد بدأ ينتهج البراقماتية.. و ينبغي عدم الدفع به إلى الاتجاه المعاكس بشروط يراها تعجيزية .. شروط ربما لا تضر المعارضة إذا أسقطتها من حساباتها و اتجهت إلى الأهم.. و هو ( كيف يُحكم السودان؟).. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.