أمس السادس من أبريل 2015م تمر الذكرى الثلاثين لانتفاضة أبريل 1985م التي أطاحت بالنظام المايوي الذي مكث لأكثر من عقد ونصف يحكم السودان متقلبا بين مختلف التيارات الفكرية والسياسية إلى أن قالت الجماهير كلمتها الفاصلة منهية عهود ثورة مايو التي يحلو لزعيمها ومريديها وصفها ب (الخالدة). كل الذين عاصروا تلك الفترة يذكرون أن الرئيس نميري بغض النظر عن مشاربه السياسية ومذاهبه الفكرية كان في بدايات عهده ابن بلد حريص على رفاهية شعبه وتقدم بلاده، وبدا متواضعا يشاور رفاقه ويحرص على صداقاته القديمة وخدمة أهله في السودان الكبير؛ فما الذي حلّ به وجعل ينتهي إلى طاغية يمارس الحكم منفردا ويطلق أجهزة أمنه ترعب المعارضين وتروع الأبرياء؟ وقد لايروق هذا الوصف لبعض محبي الرئيس القائد نميري ولثورته (الظافرة) مايو؛ وقد يكابر البعض ويغالط حول حجم استبداد نميري وطغيانه؛ لكن النظر التاريخي الموضوعي المجرد يدلنا مباشرة على رئيس بدا آخر أيامه مستبدا ومستعدا ليبطش بكل معارضيه ويذيق جماهير الشعب السوداني طعم الطغيان والاستبداد؛ وعودا على بدء، وبقدر ما تسمح به المساحة نعيد التساؤل: ما الذي صنع الطاغية؟ ولماذا تحول نميري الأصيل ابن البلد إلى حاكم مستبد؟ بدون الدخول في تفاصيل كثيرة أو إيراد إحصاءات دقيقة فإن النظر العام يمكن أن يدلنا على بعض العوامل التي جعلت من نميري حاكما مستبدا ويمكن إجمالها في الآتي: اليساريون هم أول المسئولين عن استبداد نميري وطغيانه؛ حينما كانوا يزينون له أيام تحالفه معهم العنف وسفك الدماء تحت دعاوى (الحسم الثوري). البطانة التي تحيط بنميري على تنوعها واختلافها مسئولة مسئولية مباشرة عن طغيان نميري واستبداده وحجبه عن الحقيقة الكامنة في كراهية الشعب السوداني لنظامه الظالم حينما تجاوزت بعض أجهزته الحدود وانتهكت الحقوق. الغرب الذي ارتمى في أحضانه النظام المايوي زيّن له كثير من الانتهاكات وسفك الدماء والتعدي على الحقوق بدءا من فتكه باليساريين وانتهاءا باعتقاله ل (الإسلاميين) وما بين ذلك أمور كثيرة. أجهزة نميري التي كانت تستأثر بالسلطة ولا تأبه بالشعب كثيرا ساهمت في طغيان نميري وانهيار النظام بالتالي. وأخيرا فإن بعض (الإسلاميين) الذين بايعوا نميري إماما للمسلمين ساهموا بفعالية في السكوت على الأقل على طغيان نميري واستبداده وتجاوز أجهزته؛ رغم أن نميري كما كان يسخر البعض لم يكن له من شروط الإمامة المعتبرة عند الفقهاء سوى شرط (الذكورة)، وأذكر أن شيخنا محمود برات رحمه الله كان غاضبا عندما تمت مبايعة نميري إماما، وعندما كنا نجلس إليه في منزله بأمدرمان كان يتساءل: كيف يُختار نميري إماما وهو لا يفقه حتى فقه الطهارة؟ هذه باختصار بعض العوامل التي ساهمت في صنع الطاغية، وهي عوامل عامة قابلة للتكرار في كل زمان ونظام إذا لم ينتبه العقلاء ويبدأوا في تصويب مسيرهم ومصيرهم. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.