وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى احتفال الانتفاضة ، المهدى : نظام الانقاذ سيذهب كسابقه الى مزبلة التاريخ
نشر في حريات يوم 07 - 04 - 2015

احتفل حزب الأمة القومي بالذكرى الثلاثين لانتفاضة ابريل المجيدة أمس بدار الأمة بأم درمان وخاطب الاحتفال عبر الهاتف الإمام الصادق المهدي رئيس الحزب، الذي تحدث عن الانتفاضة تاريخيا وعن دروس الانتفاضة وقال إن النظام سوف يذهب كسابقه إلى مزبلة التاريخ.
وعدد المهدي الذي خاطب الحشد الكبير والحماسي عبر الهاتف اربعة دروس للانتفاضة مقارنا بين نظامي مايو والإنقاذ الأول إن النظامين رفعا شعارات سواء كانت اشتراكية او لبرالية او اسلامية وافرغاها من محتواها لخدمة سلطتها، والثاني انها تتخذ اشكال الديمقراطية وبرلماناتها والأحزاب بشكل ديكوري فقد كان الاتحاد الاشتراكي مثلما المؤتمر الوطني الآن هم أحزاب سلطوية تخضع البلاد لمناهج أمنجية، والدرس الثالث ان الطغاة يسخرون علاقات البلاد لدعم النظام فقط بدون مراعاة مصالح البلاد العليا ومثلما تقلب النظام المايوي شرقا وغربا لدعم سلطته، الآن يتقلب نظام الانقاذ من خندقة اخوانية ايرانية إلى خندقة خليجية، والرابع أن الطغاة دائما يواجهون هبات ضدهم لأنهم يكبتون الناس ففي عهد مايو كانت الهبة الأولى أبا وودنوباوي ثم الانقلاب اليساري 1971 ثم هبة شعبان 1973 ثم الهبة المسحلة في يوليو 1976م، وكذلك واجه النظام عددا من الهبات اخرها هبة سبتمبر 2013م وقال (في كل هذه الحالات لا يتعظ النظام بما حدث له بل يعتبر انتصاره ضد هذه الهبات تسليما له، ويعتقد أنه قد نعم بهدوء واستسلام الشعب له، حتى تقوم في حقه الانتفاضة التي تلقي به الى مزبلة التاريخ).
وأشاد بحملة ارحل لمقاطعة الانتخابات واعتبرها الجواب المشروع للانتخابات الزائفة قائلا (إن موقفنا من حملة ارحل في اتجاه الانتفاضة الجواب المشروع للانتخابات الزائفة وللإعراض عن استحقاقات الحوار الوطني وهو موقف تعززه ذكرى 6 أبريل).. وختم بالتذكير بأبيات الشاعر الكبير عالم عباس التي تلاها في احتفالية جائزة الطيب صالح تحت دهشة العالمين، قال المهدي: (صحيح أن وهم الهدوء النسبي الحالي ربما منع النظام من أن يرى ما في خلل الرماد.. حالة من الوهم والرضا عن الذات دون وجه حق وصفها بجدارة الشاعر السوداني المبدع في ملأ من الناس قائلاً: هدوء ولكنه عاصفة/ هدوء، وفي صمته الكاظم من غيظه/ قنبلة ناسفة/ هدوء يبركن يغلي / يؤكد أن الطواغيت وهم/ وأن دم الأبرياء حرام).
وخاطب الاحتفال كذلك الدكتور حسن إمام مساعد الأمينة العامة للشئون الخارجية الذي حيا ذكرى الانتفاضة ، كما خاطب الاحتفال الأستاذ موسى النعيم الذي كان عضوا باتحاد جامعة أم درمان الإسلامية الذي فجر شرارة الانتفاضة، وسرد موسى نضالهم داخل الجامعة لتحرير الاتحاد من طلبة الاتجاه الإسلامي الذين كانوا يلعبون دورا قذراً لعرقلة مقاومة النظام داخل الجامعات، وقال إن الاتحاد كان في قبضتهم منذ الستينات ولكن قائمة التضامن الإسلامي التي كانت تضمهم في الطلاب الأنصار حزب الأمة متحالفين مع التنظيمات الطالبية المعارضة الأخرى، أفلحت في تحرير الاتحاد من الاتجاه الإسلامي، وذلك بفوز قائمة التضامن الاسلامي في اكتوبر 1984، قائلا: (فزنا على الاتجاه الاسلامي في الاتحاد بقيادة محمد احمد سلامة، وشرعنا في التحضير لمقاومة النظام، وكان تصاعد الغضب الشعبي على الدكتاتور خاصة بعد خطاب النميري الشهير الذي اساء فيه لمختلف قطاعات الشعب وتحدث عن النساء والموص ذلك الخطاب الشهير الذي بلغ بالناس قمة من الاستفزاز والغضب، دعونا كل الطلاب يوم 25 مارس لتظاهرة وكنا واعين للدور الواجب علينا القيام به وكان هناك ضغط علينا من طلاب الاتجاه الاسلامي كان معظمهم من الأمن يريدون اقفال الجامعة وكنا نريد المحافظة على الاتحاد والمنبر)، وتحدث النعيم عن تسيير المظاهرة التي شكلت شرارة الثورة وكيف خاطب رئيس الاتحاد محمد أحمد سلامة الجميع حاثا على الخروج وقال إنهم كانوا متحسبين لاعتقالهم وكان هو رئيس اتحاد الظل. واختتم حديثه بالقول (نحن توحدنا في ذلك الزمان واستعطنا ان نسقط نظام نميري رجائي للحركة الطلابية والشباب في الجامعات ان يتوحدوا ليسقطوا هذا النظام).
وتحدثت الأستاذة نعمات مالك القيادية الحزب الشيوعي السوداني وقالت: (واهم من يعتقد انه يستطيع ان يتجاوز حزب الامة في الساحة السودانية. ارحب بكم بمناسبة اكتوبر ثم ابريل والثالثة جاية والتالتة تابتة). وطالبت بالتمسك والسير في حملة ارحل ومقاومة الانتخابات، وقالت مهما احتمى عمر البشير بالرتب العسكرية فسوف لن تحميه وقالت (الزوغة بتاعة الاحتماء بالخليج وعاصفة الحزم هي كلها امور عملها للخروج من ازمات كثيرة ولكنه واهم ولن تجديه).
وذكرت الدمار والمعاناة التي صنعها النظام على مدى 25 عاما وقالت (هؤلاء الفاسدون الحرامية وصلوا اي زول في كل اصقاع السودان واذوه ويوم الحساب بجي وعفا الله عما سلف لن تنفع هذه المرة لنكسر الحلقة الشريرة)، وأضافت (في هذه الوقف الخاصة بابريل والحريات لا بد من مناشدة كل الناس للعمل على اطلاق سراح الاستاذ فاروق ابو عيسى وامين مكي مدني الذين اعتقلوا لتوقيعهم على وثيقة وقعت عليها كل قوى المعارضة فهم معتقلي فكر ورايهم صائب ولا بد من الاصرار على اطلاق سراحهم).
وبشرت الجمع بأن إسقاط هذا النظام قريب وعلى الناس أن يكونوا جاهزين لما بعده. وقالت مشيرة للنظام وجماعته إنهم يريدون ارجاع النساء لعصر الحريم والتضييق على الشباب، ولكن النساء استطعن كسر قيودهم ، قالت (موضوع الشباب هم المستقبل، من المهم في جميع الاحزاب السياسية مساعدة الشباب ليمسكوا بالقيادة، الشباب مغيبين لفترتين عن ممارسة النشاط السياسي والاجتماعي وهم مبشرين تماما والنساء ما عايزين توصية. النساء هذاالنظام الفاشي الفاسد عايزين يرجعنا لعصر الحريم المراة السودانية كسرت ليه الدش في يده ولن ترجع للوراء اصلا). مؤكدة على ضرورة الوعي والجراة الوعي معا لتقدم الصفوف، وفي النهاية قالت (اختم بان اوصيكم خيرا بنداء السودان وان موضوع ارحل يكون هم كل زول كل زول في حدود امكاناته وقناعاته ممكن يشارك في اسقاط هذا النظام. وعاش نضال الشعب السوداني وعاش نضال المراة السودانية).
وفي نهاية الاحتفال تحدث اللواء فضل الله برمة ناصر نائب رئيس الحزب الذي قال إنه يتحدث عن انتفاضة ابريل وهو من المشاركين في احداثها والمنفذين لميثاقها و(لا يمكن ان ننسى موكب الاطباء ووقوفهم في يوم 3 ابريل في شارع القصر وحينما داهمتهم الشرطة جلسوا على الارض وانضمت اليهم الجماهير، ولا ننسى مسيرة الردع الهزيلة وكان مشهدا أعطانا في القوات المسلحة الدليل ان ثورة مايو فقدت شرعيتها ولن ننسى حرق جمعية ود نميري ولن ننسى انحياز القوات المسلحة للشعب). ثم تلى كلمته المكتوبة التي تنشر (حريات) نصها أدناه، وشكر فيها موقف المملكة العربية السعودية في دعم سودان الديمقراطية راجيا أن تدعم السعودية السوداني الديمقراطي وألا تساهم في دعم الديتكاتورية، قائلا: (لا بد من وقفة شكر وتقدير وعرفان للمملكة العربية السعودية التي مدت الشعب السوداني بالبترول طيلة فترة الانتفاضة والشعب السوداني لن ينسى لها وقفتها تلك نرجو ان تكون واقفة راعية للديمقراطية وليست مع الحكم الديكتاتوري والملك حينها قال يا ليت كل الأموال التي اعطيناها للديكتاتورية ذهبت للشعب السوداني)، وانتقد في النهاية انتخابات 15 أبريل 2015م ناعتا اياها بانتخابت الحزب الواحد المغيبة للارادة الشعبية وانها لن تحل مشاكل السودان بل تزيدها تعقيدا وكل من تاتي بهم غير شرعيين.
أدناه النصان الكاملان لكلمة الإمام الصادق المهدي وكلمة نائبه اللواء فضل الله برمة
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرى انتفاضة رجب/ أبريل 1985م
درس في الجهاد المدني
الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي
6 أبريل 2015م
أخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي،
السلام عليكم ورحمة الله،
غبت عنكم جسداً ولكني معكم روحياً ومعنوياً، ويسرني أن أشارككم هذا الاحتفال بذكرى انتفاضة أبريل 1985م، بعد طول غياب حسي لا ينفي الوصال المعنوي بيننا، بل إذا أحصينا منافعه أدركنا أنه يزيد قوة الوصال المعنوي على نحو ما قال العقاد:
لئن أنا أحمدت اللقاء فإنني لأحمد حينا للفراق أياديا
وحتى نستفيد من ذكرى انتفاضة رجب/ أبريل العظيمة أعدد فيما يلي معالمها:
استولت فئة عسكرية بدعم فصائل يسارية على حكم البلاد، واستخدمت في حكمها شعارات يسارية هوجاء أممت بموجبها مصالح المواطنين بصورة عشوائية، وصبغت الإعلام بصبغة معادية للدين، وانتمت للمعسكر الشرقي بدل الحياد الايجابي الذي كان عليه اتجاه السودان. تحالفت القوى الوطنية، والإسلامية ضد هذا التسلط فكانت هبة الجزيرة أبا وهبة ودنوباوي في مارس 1970م.
قمع الحكم المتسلط الهبة مستعيناً بقوى حلف طرابلس الخارجية، فانقض هو وحلفاؤه بالطيران، والمدفعية، على جماعات مدنية وحقق أهدافه القمعية، أخذته بعد ذلك العزة بالنصر الزائف المدعوم من الخارج. يومئذٍ واستنكاراً للظلم هاجرت جماعات فدائية من الأنصار للجارة أثيوبيا وهناك اتصلت بهم الجبهة الوطنية المكونة لمواجهة الطغيان.
القاعدة الدائمة المفسرة لكثير من الأحداث أن من أعان ظالماً على ظلمه سلطه الله عليه.
فاليساريون الذين قاد فكرهم وبعض كوادرهم تلك المغامرة في مراحلها الأولى، طمعوا في الاستيلاء الكامل على السلطة رافعين شعار: "كل السلطة في يد الجبهة"، فدبروا انقلاب يوليو 1971م الذي أدت شعاراته الحمراء إلى انقلاب مضاد أعاد قيادة الانقلاب الأولى إلى السلطة فانقضت هذه القيادة على حلفاء الأمس بقهر دموي وإعدامات جماعية بلا قانون إلا قانون الوحوش في الغابة وحققوا لهم عكس شعارهم أي "كل الجبهة في يد السلطة".
بعد ذلك تمترس النظام في خندق استلهمه من التجربة الناصرية بصورة صبيانية، تجربة النظام هذه ارتكبت كثيراً من الإخفاقات وصدت كثيراً من الذين أعانوا التجربة صدوداً جعلهم يصدرون على التجربة أقسى عبارات الإدانة – مثلاً: منصور خالد وحديثه عن الفجر الكاذب، ومرتضى أحمد إبراهيم وقوله: ألا لعن الله النميري ومن أعانه وأنا منهم، وعبد الكريم ميرغني الذي قال لي في عام 1982م هذا النظام إلى زوال فعندما يزال أرجوكم اشنقوا المثقفين الذين أعانوا هذا النظام في أعلى الأعمدة لأنهم – وأنا منهم – هم الذين زينوا لهؤلاء الضباط أباطيلهم، ومحمد التوم التجاني الذي قال لي: "اعفوا لنا يا سيدي فقد ظلمناكم واتبعنا هؤلاء الصعاليك".
النظام المايوي، بعد أن فتك بالحزب الشيوعي لاعتباره مهندساً لانقلاب يوليو 1971 وجد ترحيباً من المعسكر الغربي فساعده الإمبراطور هيلاسلاسي والكنيسة والغرب على إبرام اتفاقية السلام مع حركة أنيانيا الأولى، اتفاقية أسسها النظام على تحضيرات النظام الديمقراطي السابق للانقلاب عبر مؤتمر المائدة المستديرة 1965، ولجنة الاثني عشر، ومؤتمر الأحزاب السودانية 1966م، كما شهد بذلك الأستاذ محمد عمر بشير أحد مهندسي اتفاقية سلام 1972م.
اتفاقية 1972م أجبرت النظام على إتاحة بعض الحريات ومنع الاعتقال التحفظي، ما أدى لإطلاق سراحي من السجن للمرة الأولى في عام 1973م، وبعد إطلاق سراحي تعاون حزبنا مع جبهة الميثاق الإسلامي، فقدنا هبة شعبان في سبتمبر (1973م)، وكادت الهبة تطيح بالطغيان، لم اعتقل مباشرة بعد قمع الهبة ولكن بعد حين اعتقلت للمرة الثانية عقاباً لي على اتفاقية الجبهة الوطنية في الخارج مع القيادة الليبية. كانت الجبهة الوطنية مكونة من الأمة، والاتحادي جناح الشريف حسين الهندي، وجبهة الميثاق الإسلامي، وبعد 3 أشهر من ذلك الاعتقال أطلق سراحي لأن طبيباً وطنياً هو د. أحمد عبد العزيز رحمه الله، قال بعد الكشف أنني احتاج لعلاج في الخارج، وبعد ذلك سافرت إلى الخارج وهناك مع الزملاء قمنا بالإعداد للهبة الثالثة ضد نظام مايو وقد كانت هذه المرة هبة مسلحة شاركت فيها كل عناصر الجبهة الوطنية، ولكن كان النصيب الأكبر فيها للأنصار الذين أغضبهم الظلم الذي وقع على البلاد وعليهم بعد حوادث الجزيرة أبا وودنوباوي واستشهاد عدد كبير منا على رأسهم الإمام الشهيد الهادي المهدي وصحبه، والأخ محمد صالح عمر، وأعداد كبيرة أصابهم الطغاة بالطيران والدبابات في الجزيرة أبا ودفنوا بعضهم أحياء وأصابوا عدداً من المدنيين بالدبابات والمدافع في أم درمان: (قتلوا حفاظ القرآن وصلوهم جاحم نيران) على حد تعبير شاعر الوطنية مختار محمد مختار، كان ما ارتكبوه جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، تستحق المساءلة بمقياس المحكمة الجنائية الدولية التي لم تكن قد أقيمت بعد.
تلك المظالم أدت للهجرة التاريخية إلى أثيوبيا، وأمكننا في الخارج من الترتيب لأكبر انتفاضة مسلحة ضد النظام المايوي. تسرب الفدائيون إلى الداخل في عملية عسكرية فريدة، وكان الترتيب أن يساعدهم يوم التحرك فصيل من القوات المسلحة، وأن يصحب ذلك تحركٌ شعبيٌ واسع، وأن ينضم لهم بعد ذلك حاملون أسلحة ثقيلة لحسم الموقف في العاصمة. هذه الانتفاضة في 2 يوليو 1976م كادت أن تطيح بالنظام لولا تخلف بعض المساهمين عن دورهم.
قاد الشهيد محمد نور سعد تلك الانتفاضة، واستبسلت كوادر الأنصار وجبهة الميثاق ضاربين أروع المثل في الانضباط والإقدام، وكان واضحاً أن الانتفاضة وطنية بلا تدخل من أية جبهة أجنبية كما شهد بذلك العقيد معمر القذافي أمام الرئيس المصري السابق أنور السادات عندما وصفهم بالمرتزقة، فقال له العقيد: أشهد الله أن هؤلاء أكثر الناس صدقاً ووطنية، عرفناهم. وعندما عرضت عليهم المشاركة معهم في حسم الأمر رفضوا ذلك وقالوا هذه قضيتنا ولا ينبغي أن يضحي من أجلها غيرنا. ولكن النظام المايوي استعان علينا مرة أخرى بجهات أجنبية وأبرم مباشرة بعد ذلك اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر السادات.
أدرك نظام الطغيان المايوي بعد انتفاضة يوليو 1976م أن أوهامه بالقضاء على معارضيه باطلة، فاتجه نحو المصالحة الوطنية التي توسط فيها السيد فتح الرحمن البشير، فأبرمت المصالحة الوطنية في 7/7/1977م.
النظام المايوي – كعهد الطغاة – تنصل عن بنود المصالحة الوطنية إلا بندين هما إطلاق سراح المعتقلين، وإتاحة هامش محدود للحرية.
عدنا بعد ذلك للبلاد، واستطعنا أن نقوم بنشاط فكري وتعبوي في مجالات مختلفة رغم عدم وفاء النظام بكل شروط المصالحة. ساهم في التعبئة الشعبية ضد النظام تدهور الحالة الاقتصادية فعندما وقع الانقلاب كان الدولار جزءاً من الجنيه السوداني ولكن صار الجنيه السوداني جزءا من الدولار، ونتيجة لتدهور الحالة الاقتصادية دخل النظام في نزاع مع الحركة النقابية. وحاول النظام ترويض الهيئة القضائية الحريصة على استقلال القضاء، واحتال لتدجين الهيئة القضائية بما سماه الثورة التشريعية وهي خطة لاستخدام الإسلام وسيلة للهيمنة على أجهزة الدولة باسم الشريعة ولاستخدام أحكام الإسلام العقابية لترويع المواطنين.
هكذا أصدر النظام قوانين سبتمبر سيئة الصيت في سبتمبر 1983م. كنا أوضح وأقوى من عارض هذا التلاعب بالدين فاعتقلنا النظام بالعشرات لمدة 18 شهراً من سبتمبر 1983 إلى ديسمبر 1984م، اعتقل النظام كذلك كل من عارض قوانين سبتمبر مثل قيادة الحزب الجمهوري، وفي السجن دخلنا في حوار مع الجمهوريين. قلنا لهم: أنتم دعاة حقوق الإنسان ولكن منذ قيام نظام نميري ما برحتم تؤيدون طاغية وتؤيدون بطشه ضدنا بحجة القضاء على الطائفية! هل حقوق الإنسان تتجزأ؟ ها هو الطاغية لم يعبأ بتأييدكم له وجمعنا معاً في القهر. اعترفوا بأنهم ينبغي أن يراعوا حقوق الإنسان لكافة الناس.
تابعنا أن النظام قد ضاق ذرعاً بموقفنا، ودبر لنا فخاً عن طريق ترتيبات معينة في محكمة أم درمان الجنائية، وقرر إطلاق سراحنا لنعلن مرة أخرى معارضة القوانين المسماة إسلامية، وقوانينه تساوي بين معارضتها والردة، وفي أحكامه الردة تعاقب بالإعدام.
قبل الخروج من السجن قلت لزملائي التزام الصمت بعد الإفراج في ديسمبر 1984م لكيلا نقع في فخ النظام ونكتفي بما قلناه قبل ذلك، واجتمعت بأعضاء الحزب الجمهوري الذين زاملناهم في السجن وقلت لهم: سيطلق سراحكم كما أطلق سراحنا لنواجه فخاً نصبه النظام فلا تعطوا النظام فرصة بتصريحات جديدة، قالوا لنا: لا نحن نعتقد أن النظام قد اكتشف خطأه بالتحالف مع الأخوان المسلمين وسوف يطلق سراحنا لنقوم بحملة ضدهم وضد نظرتهم للإسلام، فخرجوا من السجن وأصدروا تصريحات أوقعتهم في فخ النظام ما أدى لمحاكمات جائرة أعدم نتيجة لها الأستاذ محمود محمد طه.
كانت المحاكمة مطبوخة وكان الإعدام جائراً وهو ما قلناه في وقته وما زلنا نقول إنه شنق مظلوماً.
وبعد إطلاق سراحنا استؤنفت التعبئة المضادة للنظام واحتد سوء الحالة الاقتصادية واشتدت المعارضة لقوانين سبتمبر الجائرة واستطاعت اتحادات طلابية أن تتكون ديمقراطياً، وكذلك تكونت نقابات مهنيين ديمقراطياً في أوساط الأطباء، والمهندسين، والقضاة، والصيارفة، والمحاسبين، والأساتذة، وغيرهم فتكون من هؤلاء التجمع النقابي.
كانت الاتحادات الطلابية رأس الرمح في التوجه نحو انتفاضة رجب/ أبريل، اتحاد طلاب الجامعة الإسلامية بأم درمان وبقيادة طلبة الأمة والأنصار أطلقوا السهم الأول.
تلى ذلك بعد مناوشات مع النظام إعلان التجمع النقابي موقفاً موحداً لوقفة علنية ضد النظام تطورت لإعلان الإضراب العام. موقف وجد تأييداً شعبياً عريضاً، وكنا على اتصال بقيادة التجمع لتأكيد ومشاركة شعبية، وفي اتصال بيننا عبر الأستاذ أمين مكي مدني اقترحنا أن نوقع جميعاً على ميثاق وطني كتبت صيغته يحدد المطلب الشعبي، وقد كان.
وفي ليل ذات اليوم جرى اتصال بيننا وبين قيادة القوات المسلحة أذكر منهم المرحوم توفيق خليل وناشدناهم ألا تسخر القوات المسلحة ضد الشعب ووعدوا بذلك، وأوفوا بالوعد.
قيادة الطغيان سيرت موكباً شعبياً لدعم النظام، كان الموكب هزيلاً وفي غيبة رئيس النظام في الخارج قاد المشهد نائبه.
وفي السادس من أبريل 1985م إزاء الموقف السياسي الحاد والرفض الشعبي للنظام قررت القوات المسلحة عزل رئيس النظام وحل حزبه وتكوين مجلس عسكري وحكومة مدنية لإدارة البلاد لفترة عام ثم إجراء انتخابات عامة.
السلطة الانتقالية التزمت ببنود الميثاق ولكن أخلت ببعضها مثل: إلغاء قوانين سبتمبر، وإقامة محكمة القصاص الشعبي لمحاكمة سدنة النظام المباد.
هذه هي حيثيات الانتفاضة التي سوف يسجلها التاريخ لا الحيثيات الوهمية التي يدعيها بعض الناس.
النظام المايوي أبرم اتفاقية السلام في عام 1972م وسمح فيها ببعض الاستحقاقات للجنوب يمارسها المجلس التنفيذي الأعلى كما أصدر دستوراً كفل فيه بعض الحريات، ولكن النظام بطبيعته لم يحتمل ممارسة تلك الاستحقاقات فنقضها من جانب واحد مما أدى لقيام الحركة الشعبية لتحرير السودان في 1982م لمقاومة النظام بالقوة، إن سياسيات النظام أعطت الحركة الشعبية فرصا نادرة ووفرت له دعماً كنسياً ودولياً وإنسانياً كبيراً، انحياز النظام للمعسكر الغربي أعطى الحركة الشعبية فرصة الاستفادة من الانحياز للمعسكر الشرقي وانتماء النميري لدفاع مشترك مع مصر السادات تحت المعسكر الغربي أدى إلى تكوين حلف عدن المضاد الذي تبنى الحركة الشعبية منذ بدايتها ومدها بالسلاح والتدريب والمال والدعم الدبلوماسي والسياسي.
واعتدى النظام على الحريات بموجب قوانين القمع والتي أعطاها قدسية في شكل قوانين سبتمبر التي جعلت الإسلام مجرد مؤسسة عقابية، فأدى ذلك إلى تصعيد المعارضة النقابية والشعبية ممهدة الطريق للانتفاضة الشعبية المجيدة في أبريل 1985م.
الدرس المستفاد من هذه التجربة هو:
أولاً: نظم الطغيان ترفع الشعارات بصورة انتهازية تقول اشتراكية، أو ديمقراطية، أو إسلام، وفي كل الأحوال لا تلتزم بالشعارات ولا تطبق برامج محددة فالشعارات إعلانات مضللة للحصول على شرعية زائفة.
ثانياً: كل نظم الطغيان في الظروف الحديثة تمارس شكليات ديمقراطية لأن هذا هو ما تتطلبه حقوق الإنسان الدولية كإجراء انتخابات والسماح بنقابات، وبالتعددية الحزبية، وبتكوين منظمات المجتمع المدني، وغيرها من أشكال الدولة الحديثة ولكنها تجرد تلك الأشكال من أية صلاحيات حقيقية بل حتى حزب السلطة نفسه هيكل فارغ من أية مشاركة حقيقية. إن الموجه لكل النشاط العام في هذه النظم الخاضعة لحكم الفرد هو جهاز الأمن. والقوانين المطبقة هي وسائل لتقنين الطغيان، إنه نظام حكم يقوم على إلغاء كافة أسس حقوق الإنسان المتفرعة من خمسة أصول: الكرامة، والحرية، والعدالة، السلام، والمساواة. ومثلما ضاق العقلاء ذرعاً بهذا النهج الأمنجي فاتخذوا دروباً شتى كما فعل الذين خرجوا من المؤتمر الوطني محتجين على غياب المشاركة الحقيقية، خرج من المؤتمر الوطني احتجاجاُ على غياب المشاركة وقفل أبواب الإصلاح عشر جماعات حتى الآن، وآخرون مثل سائحون جهروا بآراء إصلاحية.
يطيب لي أن أذكر أن بعض المسؤولين يتمتعون بضمائر حية فلا يقبلون التعليمات الأمنجية الغاشمة كما جرى أخيراً من مجلس الأحزاب.
ثالثاً: الطغيان يسخر علاقات البلاد الخارجية لدعم استبداده فالنظام المايوي اتجه نحو المعسكر الشرقي ثم تحول للغرب وفق المصالح السلطوية.
رابعاً: بعد قضاء النظام على هبة الجزيرة أبا وودنوباوي في 1970م، وعلى الانقلاب اليساري في 1971م وعلى هبة شعبان في 1973م وعلى انتفاضة يوليو 1976م، توهم النظام أن الأمور قد استتبت له فكان ما توهم الهدوء الذي يسبق العاصفة.
أخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي:
ما أشبه الليلة بالبارحة!
استطاع النظام الانقلابي الثالث الاستعانة بكل حيل التقلب للاستمرار أكثر من ربع قرن من الزمان وأكثر في هذا الأثناء من الخطايا والأخطاء فاستحق الوصف الشرعي للشقاء: الشقاء هو طول العمر مع سوء العمل.
إن كل الأوصاف التي انطبقت على طغيان مايو تنطبق وزيادة على طغيان يونيو فالطغيان ملة واحدة والتقلب غير المبدئي من سمات تلك الملة.
وفي آخر تقلبات الطغيان المتحكم في السودان اليوم أنه المتحالف مع إيران، وفي فجر ليبيا مع الأخوان قفز إلى النقيض متبرئاً من الأخوان ومكفراً للحوثيين، الحوثيون يا هذا زيدية وهم يوصفون بسنة الشيعة وتكفير الشيعة نفسهم لا يجوز لمسلم، هل لمثل هذه التقلبات مصداقية؟
هذا التقلب غير المبدئي ليس غريباً على الطغاة فالحفاظ على الكرسي هو المبدأ الطاغي على كل مبدأ.
النظام قمع الهبات ضده وكان آخرها في سبتمبر 2013م وبعدها توهم أن الأمر قد استتب له ليفعل ما يشاء، ولكن حاصرته الحروب والتدهور الاقتصادي فلجأ إلى خدعة جديدة بإعلان وثبة الحوار الوطني في يناير 2014م، وثبة رحبنا بها إلى أن اكتشفنا أنها وثبة بلا استحقاقات فالحوار برئاسة النظام أي أنه هو الخصم والحكم، والحريات للمحاورين معدومة فلا يجوز لهم إلا حالة: لا أريكم إلا ما أرى. هكذا أجهض النظام وثبته فتخلينا عنها وتخلى عنها كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
إن للنظام علاقات خاصة بألمانيا وعندما نشطت ألمانيا الحوار عن طريق الآلية الأفريقية الرفيعة استجاب النظام لفكرة عقد لقاء بين كافة الأطراف السودانية في الأسبوع الأخير من مارس عام 2015م في أديس أبابا.
عندما وافق النظام على هذه الإجراءات كان يعلم أنه منخرط في انتخابات لا يقره عليها أحد وطنياً ولا دولياً فلا يستطيع التحجج بالانتخابات الزائفة لعدم حضور اجتماع تمهيدي وافق عليه بل وأرسل لنا مندوباً في القاهرة يؤكد حضورهم للقاء أديس أبابا وهو على أية حالة لقاء تمهيدي وبلا أية شروط مسبقة.
ولكن في الأسبوع الأخير من مارس انطلقت عاصفة الحزم، وتوهم النظام أنه قد لاحت له فرصة أن يسلخ جلده الأخواني الإيراني، وأن يوظف نفسه لحرب اليمن ما يتيح له الحصول على دعم يمكنه من قمع معارضيه بالقوة، اختار مقاطعة اجتماع الحوار التمهيدي لأنه تصور فرصته الجديدة تغنيه عن الحوار مطبقاً لمثل سوداني نعدله وفق الحالة: "شافت الصك "الشيك" طلقت راجلها". ولكن هيهات! إنه بهذا التقلب قد خسر الاتحاد الأفريقي، والأسرة الدولية وعقلاء المعارضة، هؤلاء جميعاً اصطفوا لدعم الطريق السلمي للسلام العادل الشامل، والتحول الديمقراطي الكامل.
وحتى تحالف عاصفة الحزم فيه عقلاء لن يفرطوا في علاقاتهم بالشعب السوداني، ولا بالأسرة الأفريقية، ولا بالأسرة الدولية من أجل الانحياز لنظام معزول شعبياً ويخوض حروباً لا يمكن أن تحسم قتالياً.
النظام بموقفه هذا لم يترك لنا من خيار إلا التعبئة في حملة ارحل لميلاد الانتفاضة الثالثة ضد الطغيان في السودان.
ومع كسبنا لثقة الاتحاد الأفريقي والأسرة الدولية لن نألو جهداً في مخاطبة الجامعة العربية، والمملكة العربية السعودية، ودول الخليج، ومصر، لكيلا يزجهم النظام السوداني في دعم موقف دكتاتوري حربي يائس وهم الذين طالب إعلان باريس في أغسطس 2014م بأن يكون لهم دور في حل أزمات السودان بالحكمة والموعظة الحسنة. الجامعة العربية أهل أن يكون دورها في الشأن السوداني مثل دور الاتحاد الأفريقي، ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات المتحدة وقطر أهل أن يكون دورهم منحازاً للسلام العادل الشامل في السودان وللاستقرار الديمقراطي لا أن يساهموا مع نظام الخرطوم في دق طبول الحرب وغرس أوتاد الدكتاتورية.
إن موقفنا من حملة ارحل في اتجاه الانتفاضة الجواب المشروع للانتخابات الزائفة وللإعراض عن استحقاقات الحوار الوطني وهو موقف تعززه ذكرى 6 أبريل.
وسوف يدرك النظام ربما بعد فوات الأوان أن الانتخابات الزائفة جعجعة بلا طحن لن تمنحه شرعية ولن تحميه من الملاحقة الجنائية التي لا سبيل للحماية منها إلا وفاق وطني يرتضيه أهل السودان.
صحيح أن وهم الهدوء النسبي الحالي ربما منع النظام من أن يرى ما في خلل الرماد.. حالة من الوهم والرضا عن الذات دون وجه حق وصفها بجدارة الشاعر السوداني المبدع في ملأ من الناس قائلاً:
هدوء ولكنه عاصفة
هدوء، وفي صمته الكاظم من غيظه
قنبلة ناسفة
هدوء يبركن يغلي
يؤكد أن الطواغيت وهم
وأن دم الأبرياء حرام.
…………………………
كلمة اللواء فضل الله برمة
بسم الله الرحمن الرحيم
احتفال حزب الأمة القومي بذكرى
انتفاضة مارس/ أبريل 1985م
1. نحتفل اليوم بالذكرى الثلاثين لانتفاضة مارس/ أبريل 1985م التي فجرها الشعب السوداني بكل فصائله الحية، وسيذكر التاريخ نضال ومجاهدات وتضحيات القوى السياسية، والطلابية، و المهنية من أطباء ومهندسين ومحامين وقضاه وأساتذة جامعات ومصارف وأيضا سيسجل التاريخ بمداد من نور انحياز القوات المسلحة السودانية لشعبها يوم السادس من أبريل فجاء ذلك تتويجا لتلاحم الشعب من أجل الخلاص من حكم الفرد.
2. اليوم يحق لنا أن نقول ما أشبه الليلة بالبارحة من خلال مقارنة الواقع الذي يعيشه السودان والظروف التي أدت إلى تفجير انتفاضة أبريل المجيدة كما جاء في ميثاقها الذي كان ترجمه حقيقية لتطلعات الشعب السودان للتخلص من الدكتاتورية التي جسمت على صدره ستة عشر عاماً.
انتفض الشعب السوداني في أبريل 1985م من أجل الحرية والكرامة والعدل والمساواة والأمن والاستقرار وحكم القانون والعيش الكريم في وطن يسع الجميع، في وطن من المفروض أن يكون سلة غذاء العالم ولكن رغم ذلك كانت مجاعة 85 التي راح ضحيتها المئات من أبناء الشعب السوداني.
3. سأذكركم اليوم بخمسة بنود من ميثاق انتفاضة أبريل من أجل المقارنة بين يومنا وأمسنا بعد مرور خمسة وعشرون عاما من حكم الإنقاذ البغيض… وأقول إن الأحوال اليوم صارت أسوأ من الحالة التي أدت إلى الانتفاضة.
البند الأول من الميثاق: يتعلق بالتصدي للمجاعة وتوفير العيش الكريم للإنسان السوداني.
يعاني الشعب السوداني اليوم الفقر والجوع والمرض ونقص الخدمات الضرورية من علاج وتعليم ويقف شاهداً على ذلك انقطاع الماء لفترات طويلة من كثير من أحياء العاصمة وكذلك الكهرباء وهذا المشهد يذكرنا بما كان يردده المواطنون (الموية جات جيبوا الباقات قبل الكهربا ما تقطع) والقائمة تطول مما يعانيه الإنسان السوداني الذي يتناول وجبة واحدة في اليوم إن تيسر ذلك.
البند الثاني: وقف التدهور الاقتصادي: من أكثر بنود الصرف التي كان يعاني منها الاقتصاد السوداني بند الصرف على البترول وهنا لا بد من وقفة شكر وتقدير وعرفان للمملكة العربية السعودية التي وقفت مع الشعب السوداني وقامت بتزويدنا بالوقود الذي يحتاجه السودان طيلة الفترة الانتقالية.
ولم يدفع بنك السودان مليماً من احتياجاته للوقود.. فالشعب السوداني لا ينسى لها وقفتها تلك وأرجو أن تكون دائماً سنداً للشعب السوداني راعية لتطلعاته في تحقيق السلام والتحول الديمقراطي.
البند الثالث: إيقاف الحرب وتحقيق السلام والمحافظة على وحدة البلاد: وما أشبه الليلة بالبارحة- اشتعلت الحرب عام 1983م مرة أخرى في الجنوب بعد اتفاقية 1972م والتي استمرت لعشرة أعوام نال فيها الجنوب قدراً من الاستقرار – إيقاف الحرب كان من الأسباب الرئيسية لقيام الانتفاضة- وعليه كان أول القرارات التي اتخذت بعد نجاح الانتفاضة إيقاف الحرب من جانب واحد وتوجيه الدعوة للراحل قرنق للجلوس للتفاوض لإيقاف الحرب وتحقيق السلام ولكن كان رد قرنق مخيبا للآمال حيث وصف المجلس العسكري ب "May 2″ ورفض الاستجابة للوعد وأضاع الفرصة للسلام المبكر كما رفض جماعة الإنقاذ حضور الملتقى التحضيري بأديس أبابا فأضاعوا فرصة السلام وهذا يعني بأنهم فضلوا خيار الحرب على خيار السلام وأن النتيجة الحتمية لهذا الخيار المزيد من الموت والدمار والخراب وزهق أرواح أبناء السودان والسعي لتفكيك الوطن الواحد كما فعلوا بجنوب السودان ودخلت لأول مرة الطائرات في الحرب على الاحتجاجات السلمية مما استدعى تدخل مجلس الأمن وإصدار قرارات بالحظر.
البند الرابع من الميثاق: إزالة آثار مايو: ومن أكبر آثار مايو السالبة "قوانين سبتمبر" التي وصفها السيد الصادق المهدي بأنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به..أما الإنقاذ بدأت مسيرتها الظالمة بمشروعها الحضاري لتغيير طبيعة الإنسان السوداني، والتمكين قضت على كل مكتسبات وانجازات الدولة الحديثة – دمرت الخدمة المدنية المحايدة والقوات المسلحة القومية والقوات النظامية الأخرى كما دمرت القضاء والجامعات المستقلة ودمرت البنيات التحية وفي مقدمتها مشروع الجزيرة، السكر جديد، الخطوط الجوية، والبحرية، كما مكنت منسوبيها من السلطة والمال باستيلائهم على مقدرات دولة المشروع الحضاري بكل أنواع الفساد المحمي بالسلطة والفتوى، وجعلت معظم أهل السودان يعيشون البطالة والعطالة وهجرة العقول.
الوضع الآن في السودان في أسوأ حالاته بعد التنكر لخطاب الوثبة والدعوة للحوار، وإجراء التعديلات الدستورية وخوض الانتخابات الأمر الذي يهدد باشتعال القتال في المناطق الملتهبة.
البند الخامس الميثاق: إجراء انتخابات حرة ونزيهة انتخابات 1968م: انتخابات الانتفاضة تمت بإشراف سلطة محايدة ودولة قومية غير منحازة لأي حزب من الأحزاب المشاركة في الانتخابات وتحت رقابة منظمات دولية معترف بكفاءتها وخبرتها وتجاربها. أما انتخابات 12/ أبريل 2015م لم يتوفر لها أي عنصر من عناصر النزاهة.. السلطة هي المهيمنة على مؤسسات الدولة والسلطة والدولة هما المشرفان على كل مراحل الانتخابات مع غياب الرقابة الدولية وبالتالي فإن الانتخابات القادمة هي انتخابات الحزب الواحد المغيبة للإرادة الشعبية فهي لن تحل مشاكل السودان بل تزيدها تعقيداً.. فمقاطعتها واجب وطني وكل الذين تأتي بهم غير شرعيين لتولي زمام الأمر في السودان.
التحية والتقدير لصناع أبريل وهم يناشدون جيل الحاضر وكل الفعاليات السودانية بأن يبقوا عشرة على الوطن وهو أمانة في أعناقهم.
لواء (م) أ. ج فضل ا لله برمة ناصر
رئيس حزب الأمة بالإنابة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.