انتظرنا أكثر من عشرين عاما بخيرها وشرها في أرض الله الواسعة نحمل هم هذا الوطن الواسع الممتد بكل وقاره وغباره في حدقات العيون نتطلع إلى استراحة محارب تنتظم فيها حلقات الاستقرار عبر انتخابات عامة وتدق فيها أجراس العودة إلى وطن يتسع للجميع بكل تسامح أهل السودان . لكن ما يبعث على القلق أن هناك انطباعا غالبا بين شرائح السودانيين داخل السودان وخارجه وهو أن الحزب الحاكم بعد انفراده بالسلطة المطلقة 20 عاما يريد أيضا ان ينفرد بالانتخابات على طريقة " الفول فولي زرعته وحدي وسأحصده وحدي وسآكله وحدي " وهي قصة قديمة في مطالعات أجيال ما بعد الاستقلال بعنوان " الدجاجة الصغيرة الحمراء " ولا أحسب ان من مصلحة المؤتمر الوطني أن يحذو حذو هذه الدجاجة بعد كل هذه التجارب المريرة التي خاضها الوطن مدا وجذرا فضلا عن كل التحديات القادمة التي تحيط به وبمستقبله والتي تتطلب قدرا من الوعي والتوحد ونكران الذات. فإصرار البعض من الذين تعودوا على العزف المنفرد حتى في النواحي الفنية والإجرائية من أجل تهيئة المناخ لإنجاح أول تجربة ديمقراطية جديدة منذ عام 89 قد يحيل الحلم إلى كابوس مزعج قد يعيد البلاد إلى المربع الأول وهذا ما ليس نرجوه بعد كل هذا العناء وكل هذه الغربة التي هدت حيلنا. والغريب أن هذا الكابوس بدا يتمدد في مساحات واسعة خارج حدود الوطن بين السودانيين وغيرهم من المهتمين وهو أمر ليس بالقطع في صالح السودان وحتما ليس في صالح الحزب الحاكم الذي يبحث عن تطبيع شعبي مجاني بشروطه هو لا برد حقوق الآخرين التي لن يتضير الحكومة تلبيتها إن كانت جادة في تحول ديموقراطي حقيقي يسهم في تفريغ الاحتقان السياسي . هذا الانطباع الذي نلفت إليه النظر ونحذر منه عكسه عدد من المراقبين الدوليين في عدد من المؤسسات الأميركية وفي معهد كارتر الذي يساهم في عملية مراقبة العملية الانتخابية في السودان " قالوا إن ملايين الناخبين قد لا يشاركون في أول انتخابات تجري في السودان منذ 24 عاماً بسبب تشكك المواطنين في نزاهة الحكومة وفشل السلطات في إقناع مزيد من المواطنين بتسجيل أسمائهم في القوائم الانتخابية. وأعرب مركز كارتر عن قلقه من أن نقص الدعاية للعملية الانتخابية قلص بالفعل عدد السودانيين المسجلين في قوائم الانتخاب وحذروا من أنه في بعض الولايات قد تقل أسماء الناخبين المسجلين عن نصف من يحق لهم التصويت. وخلص على انه " دون التوعية المدنية قد يحرم الملايين فعلياً من حق التصويت نتيجة مجموعة عوامل منها الجهل بالعملية الانتخابية وانعدام الثقة في السلطة المركزية ونقص الدعاية لأنشطة التسجيل. أيضا فقد أعرب السيد الأجواد سكوت غرايشن عن قلقه من العثرات التي تهدد قيام الانتخابات سواء الاقتتال القبلي في الجنوب او التعثر السياسي في الشمال . وكانت وزارة الخارجية الأميركية الأكثر وضوحا حين أعربت عن قلقها من "التطور البطىء" في تسجيل المقترعين للانتخابات الرئاسية والبرلمانية ومن الخلافات بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبية لتحرير السودان وبينها وبين القوي السياسية الأخرى بشأن الانتخابات . بل إنها حذرت من أن عدم التوصل إلى حل فوري لهذه القضايا الخلافية، فإن فرص إجراء انتخابات موثوق فيها والاستفتاء على مستقبل الجنوب يبدو ضعيفا للغاية ومحاطا بالمخاطر ". ولم ينسى بيان الخارجية أن يعبر عن الأسف من أن الأحزاب السياسية السودانية لم تبد بعد الإرادة السياسية اللازمة للوصول إلى حل بشأن هذه القضايا الحساسة والصعبة". وطبعا فإن للأحزاب أسبابها لأنها ترى أن الحزب الحاكم يريد انتخابات سبعة نجوم لصالحه فقط وهو ما يدفعها للتلويح بسلاح المقاطعة . الملاحظة الأخيرة أن الإعلام القومي لابد أن يتسع للآخرين وهذا من مصلحة الحزب الحاكم قبل مصلحة المعارضة لإقناع المشاهد والمستمع أن هناك تحولا حقيقيا على طريق الديمقراطية سيما أن هذا الإعلام لم يبخل أو يقصّر في معاضدة الحزب الحاكم لأكثر من عشرين عاما في الدعاية المباشرة وغير المباشرة له . إن تضييق حزب الحكومة على المعارضة وأحزابها رغم القصور الكبير في أداء هذه الأحزاب وفقرها ومشاكلها التنظيمية بسبب وجودها في خندق المعارضة لأكثر من عقد من السنوات يعني أن الحزب الحاكم يخشى هذه الأحزاب رغم "تمرغه في تراب الميري " لذا يريد عزلها في أضيق الطرق وهي مؤشرات ليست في صالح الحكومة وحزبها بل ليس في مصلحة استقرار الوطن وفتح صفحة جديدة بين كل أبنائه ، لا تضيعوا هذه الفرصة يرحمكم الله. Hassan Elhassan [[email protected]]