دارُ خرابٌ، وحوضٌ يبابٌ لا ماءَ فيه.. صورة تراجيدية شاخصة تختزل أحداثاً محزنة ونتيجة مؤسفة للصراع القبلي في دارفور الذي تتحمل وزره حكومة الخرطوم الغارقة في خضم الفشل السياسي.. داحس وغبراء جاهلية العرب قصة جديدة يدور رحاها في القرن الواحد والعشرين بين قبيلتي الرزيقات والمعاليا في شرق دارفور الجريحة.. مئات القتلى والجرحى في آخر معارك القبيلتين.. معركة استخدمت فيها يا للهول، صواريخ الكاتيوشا وقذائف (آر بي جى).. معركة كاملة الدسم لم ينقصها إلا استخدام الطائرات.. وحكومة الخرطوم لم تكتف بالفرجة بل لم تدخر وسعا في نمنمة وتصغير الكارثة.. دارت المعركة رغم زعم الحكومة أنها كانت ترصد التحركات والتحرشات. بيد السياسية لا بيد شماعة الإرث القبلي التاريخي طرقتْ الفتنة القبلية خيمةَ النسيج الاجتماعي وأحالتها لخيمة من البؤساء.. العبث السياسي ألبس أبناء القبائل الوادعة شيعا يذيق بعضهم بأس بعض، وأمسى بياض القلوب في لون السواد وتحجر الدمع في مآقي الأرمل والثكالى وهن يتوشّحن سواد الليل حدادا. لقد خلف الصراع الدائر بين القبيلتين حتى اليوم أكثر من 600 قتيل بالإضافة إلى إصابة نحو 900 جريح بين الطرفين، فضلا عن نزوح أكثر من 55 ألف نسمة. من عجائب تطورات الصراع بين القبيلتين أصدرت مجموعة من أبناء إحداهما منشورا تم توزيعه في الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور موطن الصراع يعلن تهجير جميع أبناء القبيلة الأخرى المقيمين بالمدينة على أساس انتقائي عنصري وعرقي وهدد المنشور بقتل كل أبناء القبيلة الأخرى الذين لا يغادرون مدينة الضعين خلال (24) ساعة كمهلة. وفي ظل ممارسة الحكومة المركزية لدور المتفرج أعلنت إحدى القبيلتين في وقت سابق سحب جميع أبنائها من حكومة ولاية شرق دارفور في السلطة التنفيذية والبرلمان المحلي وأعلنت انفصالها سياسيا، إداريا، واجتماعيا وأصبحت في وضع أشبه بالعصيان المدني. وقال أعيان القبيلة حينها إنهم توصلوا إلى استحالة التعايش مع الآخرين في إشارة واضحة لشركائهم في الولاية من القبيلة الأخرى، وتم تقديم رؤية خلصت إلى ثلاثة خيارات هي إيجاد وضع إداري خاص لثلاث مناطق تتواجد فيها تلك القبيلة تحت رئاسة الجمهورية مباشرة في وضع أشبه بمنطقة أبيي المتنازع عليها بين الخرطوم وجوبا، أما الخيار الثاني فيتمثل في إنشاء ولاية جديدة باسم شمال شرق دارفور، أو اتباع منطقة تلك القبيلة لولاية شمال دارفور. وكما قال الشاعر: إذا كان ربُ البيتِ بالدفِ ضارباً *** فشيمة أهل البيت كلهم الرقصُ فقادة السلطة الإقليمية لدارفور رب بيت بالدف ضارب، فقد انفجرت خلافات حادة بينهم قبل بضعة أشهر خاصة بين رئيس حركة التحرير والعدالة التيجاني سيسي (رئيس السلطة الإقليمية لدارفور) وأمينها العام بحر إدريس أبوقردة (وزير الصحة) وهي الحركة الرئيسية من بين الحركات الموقعة على اتفاقية الدوحة لسلام دارفور.. القياديان تبادلا عنفا لفظيا غير مسبوق، وفي خطوة عبثية محيرة اتخذ كل منهما قرارا بإقالة الآخر.. أخطر ما في الأمر أن البعض لا يعزو الخلاف إلى مسألة تنظيمية بل يشير إلى أبعاد إثنية فهو يأتي حسب رأيهم في إطار صراع النفوذ القبلي القائم في دارفور، فأبو قردة يمثل قبيلة بعينها في السلطة الإقليمية، بينما يمثل السيسي قبيلة أخرى. لهذا فإن رد فعل تيجاني السيسي باعتباره رئيسا للسلطة الإقليمية لدارفور، حول آخر معارك القبيلتين، لن يجد بالضرورة آذانا صاغية حين طالب بضرورة ضبط النفس والتحلي بالحكمة، ووضع خريطة لنزع السلاح المتوفر بكثافة لدى المواطنين، ونشر قوات أمنية تفصل بين القبيلتين معتبرا النزاع المسلح يقوّض السلم الاجتماعي والأمن الإقليمي. التساؤل المرير الذي لا يجد غير بيداء الصمت، كيف لدولة منوط بها إيجاد الأمن للناس، أن تسمح بوجود السلاح الثقيل الذي لا تمتلكه إلا الجيوش، في أيدي القبائل مهما كانت الظروف، ومهما كانت المبررات؟. كما أن الحكومة المركزية كانت تعلم بحشود القبيلتين قبل الاشتباكات الدامية.. وكيف يتسنى لحكم ضعيف إدارة دولة بها تنوع ثقافي وإثني ومناخي جعله يحتضن معظم المجموعات العرقية الموجودة في قارة إفريقيا، فهو يضم 518 مجموعة قبلية تتحدث بأكثر من 119 لغة؟ ومعلوم أن الدولة أي دولة مسؤولة مسؤولية قانونية وأخلاقية عن المحافظة على حقوق جميع أفرادها، وعدم انتهاكها، ويعتبر الحق في الحياة أهم هذه الحقوق، ويليه حق الأفراد في المحافظة على أموالهم وممتلكاتهم وحقهم في اللجوء إلى القضاء، إحدى مؤسسات الدولة، لفض النزاعات بينهم. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. //////////