الاختلاف هو التباين في الرأي والمغايرة في الطرح وقد ورد فعل الاختلاف كثيراً في القرآن الكريم قال تعالى:{ فاختلف الأحزاب من بينهم ....الآية} (مريم الآية 37)، وقال تعالى:{... يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون }(البقرة الآية 113)، وقال تعالى:{ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (البقرة الأية213)، وغيرها من الآيات. وقال (ص):( وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً .) "السلسلة الصحيحة"رقم الحديث [2735]. ففي أي موضوع يكون النقاش فيه بين أثنين أو أكثر تجد هناك خلاف قد يطول أو يقصر على حسب نقطة الخلاف والمختلفين أنفسهم ودرجة تعصب كل منهم في الإصرار على رأيه، حتى يصل الخلاف في كثير من الأحيان إلى مشادات ومهاترات كلامية وكتابية قد تؤدي في كثير من الأحوال إلى ما لا يحمد عقباه سوى كان هذا الخلاف من الناحية الشرعية أو الأخلاقية والمهنية والفكرية، وقد يؤدي هذا الخلاف في بعض الأحيان إلى طمس الحقائق والإساءة إلى الأمم والعقائد وتدليسها إذا لم يتحلى المختلفين حوله بآداب الحوار، والاختلاف ظاهرة لا يمكن تحاشيها باعتبارها مظهراً من مظاهر الإرادة التي ركبت في الإنسان لذا يؤدي ذلك إلى وقوع الاختلاف والتفاوت في الرأي، والاختلاف بين أهل الحق سائغ وواقع لا محال، وما دام في حدود الشريعة وضوابطها فإنه لا يكون مذموماً بل يكون ممدوحاً ومصدراً من مصادر الإثراء الفكري ووسيلة للوصول إلى القرار الصائب، وما مبدأ الشورى الذي قرره الإسلام إلا تشريعاً لهذا الاختلاف الحميد فقال تعالى: ) فبما رحمه من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ) (الآية 159 آل عمران)، وبعده وفاته عليه الصلاة والسلام كانت بين أصحابه اختلافات حسمت أحيانا كثيرة بالاتفاق كما في اختلافهم حول قتال مانعي الزكاة وحول جمع القرآن الكريم وكثيراً من الأحيان يرجع أحد المختلفين إلى رأي الطرف الأخر وتارة يبقى الطرفان على موقفهما وهما في غاية الاحترام لبعضهما البعض. وقال العلامة ابن القيم عندما يقول : "وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه لتفاوت أغراضهم وفهمهم وقوة إدراكهم ولكن المذموم بغي بغضهم على بغض وعدوانه" ( إعلام الموقعين) فإن الشقاق يمكن تفاديه بالحوار الذي من شأنه أن يقدم البدائل العديدة لتجنب مأزق الاصطدام في الشقاق وقد يكون أحد المختلفين يعلم دليل لا يعلمه الطرف الآخر، كما يمكن أن يكون أسباب الخلاف هو النسيان لبعض النصوص والأدلة التي قد ينساها أحد الأطراف. وهنا أريد أن أشير إلى نقطة مهمة ألا وهي الأخطاء الإملائية واللغوية الناتجة من بعض الأطراف المختلفة سوى من التسرع أو عدم المراجعة للمواضيع، فقد تكون تلك الأخطاء صغيرة ومغتفرة وقد تكون كبيرة حسب حجمها وقد تكون جارحة في بعض الأحيان وقد تكون مقصودة لتدليس أمر ما أو تحدث نتيجة للغضب والتسرع في الرد على المختلف معه فيقع أحدنا في الأخطاء الإملائية التي تؤدي إلى تغيير الحقائق كلها، ولكن أن تكون تلك الأخطاء الإملائية تصل لدرجة الخطأ في الآيات القرآنية فهذا ما يجب أن نقف عنده كثيراً وأن لا يعمينا غضبنا وتعصبنا ضد المختلف معه بأن نخطي في كتابة الآيات القرآنية، فما ورد من أخطاء في الآيات الواردة في الموضوع المنشور بموقع سودانيز أون لاين من قبل ما تسمى نفسها (هيئة علماء التحرير) رداً منها على الفتوى التي أصدرتها (هيئة علماء السودان بعد المسيرة التي سيرتها الحركة الشعبية وبعض أحزاب المعارضة) فيجب أن نقف عندها كثيراً، وأن لا نتسرع في الرد حتى نتأكد من أن موضوعنا خالي من الأخطاء وإن كانت الأخطاء واقعة لا محالة فيجب على الأقل أن نتأكد من كتابة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بصورة صحيحة فنرجو من الجميع الانتباه لمثل هذه الأشياء، فالآية (78) من سورة آل عمران والآية (3) من سورة الأنعام والآية (10) من سورة آل عمران والتي وردة بالموضوع نجدها وردت وبها أخطاء فادحة فإذا كانت من جهل فهذه مصيبة وأن كانت ناتجة عن استعجال وتسرح في الرد فحدث الخطأ مطبيعياً فهذا موضوع يسأل عنه أهل العلم والفقه وعن مدى فداحته، فيجب أن لا نضع أية حتى نتأكد من صحتها وما أكثر المصادر القرآنية من مصاحف موجودة عبر شبكة الإنترنت فابسط الأشياء أن نكلف نفسنا عنا النسخ وبصورة صحيحة، فنرجو من الأخوة الانتباه لمثل هذه الأخطاء والتي تحسب علينا كلنا، كما أدعو القائمين على الموقع التحقق من الآيات الواردة بالمواضيع بقدر الإمكان حتى لا تحسب عليهم، وفي كثير من نقاط الخلاف بين الكتاب نجد الكثير من المهاترات الكلامية والألفاظ البذيئة التي ترد في الرد على من خالفنا الرأي، وهذا كله ناتج من تسرعنا وغضبنا ووجود الشيطان لنا بالمرصاد وأياً كان الخلاف سوى ديني أو علمي أو إدراكي فيجب التحلي بآداب الخلاف والتي نذكر منها ما يلي: أولاً: فقبل أن تصدر أحكامك على المخالف، واجب عليك: أن تحاوره وتسمع رأيه وحجته. ثانياً: إيراد الدليل: لأن التهويل والكلام لوحده لا يكفي ولا يجدي. قال تعالى: ((قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا... الآية)) [الأنعام:148] ، ويقول: ((قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)) ] البقرة 111[، وعند ابن عدي وبعض الحفاظ أنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى الشمس وقال لرجل: (على مثلها فاشهد أو دع)، فلا بد أن يكون عندك دليل، ووثائق، وبراهين تدمغ بها خصمك وتُظهر حجتك ورأيك. ثالثاً: الهدوء في الرد، بأن لا تصل المسألة إلى رفع الصوت(إذا كان الحوار نقاشاً)؛ لأنه لا يكون إلا في الخطب والمواعظ التي تستلزم ذلك، وصاحب الباطل دائماً يرفع صوته، حتى يُظهر للناس أنه محق، وصاحب الحق متزن يوصل كلمته في تمكن واطمئنان؛ لأنه واثق من نفسه. رابعاً: التواضع في الرد، فتظهر نفسك في البداية: أنك لست جازماً بالحق؛ لتستدرج المخالف فتقول: أنا رأيي - وقد يكون رأيي خطأً- أن الموضوع كذا وكذا، فإنه حينئذٍ سيستأنس المخاطب، ويدلي بحجته، ويتأمل حجتك! لعلها أن تكون صائبة. خامساً: تحديد محل الخلاف، فبعض الناس يهيج ويغضب على غير مبدأ، وعلى غير نقطة خلاف. فهو لا يعلم لماذا اختلف مع زميله، يقول أهل العلم: لا بد من تحديد نقطة الخلاف حتى تتكلم أنت وإياه على شيء محدد، فيضبط كل واحد كلماته ويختارها بعناية، وهذا هو منهج القرآن، الذي يحدد مثلاً الخلاف مع الكفار في اليوم الآخر، ثم يبدأ يحاورهم فيه. سادساً: التحاكم إلى صاحب أهلية في الحكم، فمثلاً التحاكم في المسائل الدينية لعلماء الدين وفي المسائل الطبية لعلماء الطب وغيرها من المجالات. سابعاً: الرد إلى الله ورسوله في مسائل الشريعة، قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)) ]النساء 59[، والرد إلى الله يكون بالرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يكون بالرد إلى سنته المطهرة. ثامناًً: تجنب النيل من الشخص والتشفي من عرضه، وهذا ما نراه كثيراً من خلال الردود التي تحدث فيما بين المختلفين. كان ابن قدامة صاحب المغني : إذا أراد أن يناظر أحداً تبسم في وجهه، فيقول أحد العلماء: هذا والله يقتل الناس بتبسمه. يقول المتنبي : وما قتل الأحرار كالعفو عنهم ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا والمعنى: أن التبسم، والأريحية، والهدوء يقتل الخصم؛ لأن الخصم يريد منك أن تتفاعل وأن تتأثر، وأن تحترق بداخلك فإذا أظهرت له أنك لا تتأثر وأنك هادئ احترقت أعصابه. تاسعاً: أن تحدد نوع الاختلاف، هل هو خلاف تضاد، أم خلاف تنوع؟ لأن خلاف التضاد، لا يُعذر صاحبه عند أهل السنة . وهذا ونسأله الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وان يهدي الجميع إلى ما فيه الخير للأمة والبلاد وان يجنبا الخلافات الهدامة فهو ولي ذلك والقادر عليه. عبد الماجد محمد عيسى (إيد الوليد) adelmaged elboshra [[email protected]]