يصادف هذا العام الذي اكتب فيه هذا المقال زيادة اهتمام عالمي للإعلام المتخصص في العلوم بالنظرية النسبية العامة وذلك لمناسبة مرور مائة عام على اكتشافها .و لا أريد هنا أن أخوض في تاريخ ظهور وتطور هذه النظرية أو شرحها لأن ذلك متيسر الان جدا ويكفي فقط الاطلاع علي "الويكيبيديا " أو للبعيدين عن مجال الفيزياء والرياضيات أي من كتب تبسيط العلوم لغير المتخصصين وهي كثيرة جدا , لكن المقصود تقديم اشارات عامة عن النظرية لتمهد لفهم موضوع مشكلة الثابت الكوني وحلها المقترح المستهدف في هذا المقال . تتميز هذه النظرية التي يراها كثير من الفيزيائيين أكبر إنجاز فكري في مجال العلوم الطبيعية في التاريخ كلهبميزتين هامتين وهما ، البساطة : حيث أن جميع محتوى النظرية يتلخص في معادلة قصيرة جدا تتكون من ثلاثة عناصر فقط وجميع ما هو مكتوب حول هذه النظرية غير هذه المعادلة ما هو الا شرح وتطبيقات ونتائج لهذه المعادلة.ولحسن الحظ فان المعنى العام لهذه المعادلة مما يمكن شرحه بغير لغة الرياضيات المنفرة لأكثر القراء لكن المعنى الرياضي الدقيق لها يعتمد علي قسم صعب جدا في الرياضيات يعرف بالهندسة التفاضلية الى درجة أنه قد ذكر أن مكتشف النظرية نفسه استعان بأصدقائه المتميزين في الرياضيات في مرحلة استكشافه للصورة النهائية للمعادلة الرياضية التي تلخص النظرية. والميزة الثانية الهامة للنسبية العامة هي أنها نظرية كونية : بمعني أنها يمكن أن تطبق علي الكون كله بوصفه وحدة واحدة وهي ميزة نادرة جدا لا تكاد توجد الا في هذه النظرية و بعض النظريات في مجال اخر يعرف بالديناميكا الحرارية ولذلك تقرأ في نتائج تطبيق النسبية العامة كلاما عن اشياء تنسب للكون كله مثل كثافة المادة في الكون و سرعة تمدد حجم الكون وهكذا وليس كباقي النظريات حيث تجد الكلام عن الذرة أو مكوناتها الاصغر أو الكواكب أو المجموعة الشمسية غير أنه من المهم أن اذكر هنا أن النظرية النسبية لا تنحصر في الكونيات بل تقبل التطبيق أيضا في دراسات متعلقة بأجزاء محددة من الكون مثل حركة كواكب المجموعة الشمسية وهذا يعرف بالتطبيق المحلي للنسبية العامة وهي في ذلك تزاحم نظرية نيوتن للجاذبية و تتفوق عليها وتغني عنها. يمكن شرح النظرية النسبية العامة بأنها علاقة تربط بين مفهومين أحدهما غريب و مجرد والاخر واضح و محسوس ، فالأول هو انحناء الفراغ و المشكلة في تصور هذا المفهوم هو أن تصور الفراغ نفسه لا يخلو من غموض فتكون نسبة الانحناء اليه أكثر غرابة و بعدا عن الحس و لكن وعلي كل حال لم يكن مفهوم انحناء الفراغ من ابداعالنظرية النسبية بل كان مجال دراسات و بحوث تعود الي النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي و لكنه حينها كان يعتبر من مجالات الرياضيات البحتة التي لا تهتم بأن يكون لها تطبيق في الواقع . والمفهوم الثاني الذي ربطته النسبية العامة بانحناء الفراغ هو حركة المادة وكثافتها و يمكن ان نشرح ذلك بمثال بسيط فاذا أخذنا مكعب من الرصاص و اخر مماثل له في الحجم من الخشب فإن كل منهما يشغل نفس الحجم من الفراغ الا انه و بحسب النسبية العامة فان الفراغ الذي يشغله مكعب الرصاص يكون أكثر انحناء من ذلك الذي يشغله مكعب الخشب لأن كثافة المادة في الرصاص أعلى منها في الخشب وليس كثافة المادة وحدها بل حركتها أيضا هو المؤثر علي انحناء الفراغ لكن هذا المثال يكفي لنبين أنه توجد علاقة بين خواص الفراغ وخواص المادة التي تشغل هذا الفراغ. ان المعادلة التي تربط بين هذين المفهومين تحتوي علي مقدار يعبر عن انحناء الفرغ ومقدار اخر يعبر عن كثافة المادة وحركتها وهي تحتوي مع ذلك على مقدار ثالث ليس هو انحناء الفراغ ولا كثافة المادة ولا يعرف له معني محدد حتي الان و لكنه ادخل في المعادلة حتي تكون النظرية متفقة مع مشاهدات المراصد الفلكية وهذا المقدار يعرف بالثابت الكوني . لقد حل ادخال هذا الثابت في المعادلة الأساسية للنسبية العامة مشكلة تضارب مشاهدات المراصد الفلكية مع هذه المعادلة لكنه تسبب في مشكلة اخرى أتت من مجال اخر غير مرتبط حتى الان بالنظرية النسبية العامة وهو مجال ميكانيكا الكم اذ أن ميكانيكا الكم هذه تتنبأ بقيمة معينةلكثافة طاقة الفراغ مما يؤدي لقيمة معينة لهذا الثابت الكوني تختلف كثيرا جدا عن قيمته التي تحل مشكلة التوافق مع المشاهدات الفلكية وهذه الحقيقة تعرف الان بمشكلة الثابت الكوني . لقد قدمت مقترحات كثيرة ولا تزال تقدم لحل هذا التضاربومن المدهش حقا أن هذه المشكلة يمكن أن تحل ببساطة بإضافة ثابت أخر للمعادلة ليس هو الا متوسط كثافة المادة وحركتها في الكون حيث أن اضافة هذا المقدار لا يؤثر علي التطبيق المحلي للنظرية لأن متوسط كثافة المادة وحركتها الحالي للكون يعتبر مقدارا ضئيلا جدا بالنسبة لأي منطقة مأهولة بالنجوم أو حتى الكواكب الا أن هذا الثابت الإضافي له تأثير مهم جدا على تطبيق معادلة النسبية العامة علي الكون بوصفه وحدة واحدة لأنه يؤدي إلى استقلال انحناء الفراغ للكون عن متوسط كثافة مادته التي تتوزع بانتظام في كل الكون لأن أي مقدار من المادة او الطاقة يتوزع علي الكون بانتظام سيدخل أولا الي أحد طرفي المعادلة مضافا الي المقدار الذي يعبر عن كثافة المادة وحركتها ثم يدخل ثانيا في الطرف الاخر مضافا الي الثابت الكوني المعبر عن متوسط طاقة الكون فلا يكون له أي تأثيرلأنه من مبادئ الحساب البسيط أن أضافة نفس القيمة الي طرفي معادلة لا يؤثر في شيء . وبما أن المقدار الكبير الذي تتنبأ به ميكانيكا الكم يعتبر من هذا النوع الموزع بانتظام على كل الكون فلا يكون له أي تأثير علي المعادلة الاساسية وبهذا تحل مشاكل كثيرة أهما مشكلة الثابت الكوني . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.