الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دكتورالكباشي.. القلب ماسِكْ زُمبارتو .. بقلم: عبيد الطيب "ودالمقدم"
نشر في سودانيل يوم 23 - 10 - 2015

شاهدتُ قبل أيَّام ، في برنامج مساء جديد، علي قناة النيل الأزرق،لقاء قصير،مع السفير الدكتور إبراهيم الشيخ البشير الكباشي،وبالرغم من أن الصور، التي تمَّ عرضها ،عن البادية ،كانت لمحات باهتة،وصور رشاش ،وجدَب ومحَل، وهذا لعمري من كسل الإعلام ،وأهل البادية تتغير عاداتهم ،مع التضاريس والجغرافيا، أو كمايقول الشاعر الرائع فضُل ودزايدالنورابي الكباشي:
الرَّيد يا البِنيَّة نوافِل
فِكرِي مَعَاكِي في سنين المَحَل ديل قافِل
مابتتطارَد الجَايِِحْ عليها السَّافِل
بلا نِعلاة شَبَط وعزَبَن مكلَّق وحافِل
*العزب المكلَّق زحافِل، هو الجمل القوي
إلاَّ أن دكتور إبراهيم ، تحدَّث عن البادية ، حديث العارف، حيث نشأ ،وترعرع هنالك،و"نشغ وشوقر"،وشاهد بعض تاريخها،وسمع من معمريها، حيث جده "علي التريح" ، راوي كتاب "فرسان كنجرت " لبروفسير عبدالله علي إبراهيم ،ثم قرأ بعض تاريخها، وهو الأكادِيمي الحصيف،ولأن تضاريس قلب سفيرنا الكريم، كانت مابين حنين النوق،وطنَّة البلاّس، و"لود الزُّمبارة"، وأغاني الحُداة، وهسيس الجراري، لفت إنتباهي دكتور إبراهيم عندما قال:
(أستمعت للكثير من الموسيقي..وحتي لبيتهوفِن، ولكنني مازلتُ مشدودا إلي عزف الزُّمبارة).
والإتكاءة علي لود الزُّمبارة،حرَّكت معالق، قلب دكتور إبراهيم،فأيظ الشَّاب الذي كان،فدكتور إبراهيم مخموش، من "سِنبل" البادية و"مهبابها"، وعبق "اللَّوندي" وعبس الإبل ، ورائحة طين الجروف ونفل الخزامي والصّيليان والقيصوم، ومعطون في سماحة البادية،و في خندريس أهل الجناب الرفيع ،فما بين سرياني ود أحمد "ودنفيسة"الشهير، الذي دوَّخ شيخ شعراء السودان،عبدالله الشيخ البشير،
"زولك معشوق فيهو الرِّقة
وجاكْ ب السَّيْ سَيْ وحَدَق دقَّة "
وبين نمَّة ،بخيت ودعبدالمولي، العطوي الكباشي ، وينابيع الشَّجن التي تتفجر من حنجرة ودعبيد الله الكباشي ، وشوارد الدوبيت الطافِرة من خاله، مُحمَّد ودإبراهيم ودابودرق، النورابي الكباشي "أبوكريشتَن غِني"
اللَّغفال بكيرات البنادِي العاني
أم سيداً يوت بِكِسْر الحَد علي الرَّطَّانِي
بي سافْل الزِّرَد مُشهاد ضعنهِن جاني
وعطَّافهِن تبلدِي الزَّرْنَخ الصعْداني
***********************
أخضر بيض غِراب يا كُومر البوليس
نُوتيتك حرير لافِنُّو في قِريطيس
تعنِّج في رقبتَك سوط وسيدو عَريس
وخبَّك شفتُو بتزاقْحُو التِّميسة رقيص
ومابين ميعة الصّبا والطفولة، وهو صغيرا، داخل هودج جدته بت ودأبودرق، يلاعب "الشلايل وإيد الفايقة" ،ويفرح من قلبه،عندما تعزف، أجراس الهوادج ، لحنا شجيَّا ،مع حركة القود، وبين الشباب وبهاءه، وهويمتطي ، بعيره "الرَّغني"،الذي عُرف سنامه كالحرير، وهو يرقلُ ، مع رهطٌ من خؤولته نوراب الكبابيش،وهويبحث لنعمه،عن أعشاب السَّعدان والخشين والشَّري ، ومابين السِّتون التي يحبو إليها سفيرنا الدكتور، وهو يمتطي فارهات اليابان، وهو داخل القاعات، يُحاضرطُلابه، كان قلب سفيرنا، "يناطِر" الدَّو والقناف، يرحل مع الظاعنين يوما، والمقيمين يوما،أوكمايقول الشاعر الراحل المُجيدالنورشيخ إدريس العوني الكباشي:
الوادِي المِنيِّل وفرعُو سايِق روبُو
أهل البادية رحلوا وقالوا بتنايوبُو
الصاوَل رفيقو وهاج منسِّم دوبُو
الهِدَب أُم شلايِل كاشه في عَرقُوبو
وي كأنِّي بالسفير،عندما حركته الذكري، وبرق بارقٌ ،من هاتيك النجوع،يخرج مهرولا، ويطلع تلال قرية الكباشي، و"ينشغ" بروحه، حيث
"يتشرَّف"، لمرابع الصِّبا، ويشيم البروق،فيتمني أن يكون،الهَطْلُ من مُزْنها، فوق تلال جبل "الدِّقناوي، والمخرَّق وأبو قَوْ"،فتتراءي له ، ظعائن الأهل والعشيرة ، فتكسو ملامح وجه الرِّضا، فيردِّد من قلبه، مع البدوية الكباشية:
الغرب إتلامَعْ كُلَُو
وجاب نسَّاماً حُلُّو
قوم يا رابِح طُلُّو
فوق الزَّاوَل ضُلُّو
والأخ السفير إبراهيم الكباشي، جُبل علي الوفاء، ولأن البادية أهدته الكثير الكثير، فهو يتنفسها عِزَّا وحبَّا، لقد شاشا قلبه،للبادية، حتي صار يُرهف السَّمع ، ويصنتُ بأُذين عقله الباطني لصوت الزُّمبارة،و"لود" الزُّمبارة، كثيرا مايكون بلغة التلويح ،وهو ماعُرف بالمجازات الخفية، التي لا يُدركها، إلاَّ أهل الخندريس، الذين يترجمون أنين النَّاي، إلي الإيحاء بالمعاني، وحال سفيرنا، صورتها لنا،بدوية من الكبابيش ومن فخذ الرِّبيقات،وهم من أفصح أهل السودان، تتذكر وحيدها الذي هاجر إلي دولة ليبيا، فقالت من هسيس الجراري:
البِدِّيني بِشارْتُو
يِضُوق الحَج ؤزيارْتُو
حَد النَّاس مايِدارتُو
القَلب بِمْسِك زُمْيارتُو..!
إدهاش من البحر القصير، عند وقت "الدَّرت"، أهل البادية يعودون لمدامرهم، والدَّرت هو فصل أفراحهم،"عُرس، طهور، رحولة"، لذا في الأفراح دائما، يتذكر الحبيب حبيبه البعيد، والوالد إبنه الغائب،وما أروعها حين قالت:"حَد النَّاس مايِدارتو"، ومع الذكري يكون الحُزن الرَّزين، فحد الدهشة عندما قالت:"القلب بِمْسِك زُمبارتو"
والزُّمبارة هي ألة الشَّجن البدويّ ،والبَدْو يتفننون في"ضربِها" عزفها، ولكل معزوفة إسم ،وقصة عزف، وذكري دفينة،بل أنَّ عزف الزُّمبارة، له طعم خاص،وبُعد إجتماعي، وفي لحنها تضاريس ،وجغرافيا وتاريخ ،لأهل البادية، ولقد أرَّخوا، بعزفها، لنجوعهم،ويقيني أن الدكتور، سمع لمعزوفة "حِس بت بلَّة":
هَبَر بي الهايلُو أمْ جَقَر
قطع ردِّيت البقَرْ
أيضا أظن أن السفير، سمع لمعزوفة، "يادهيس أوْطينا"و"دهيس" إسم بقرة، قيل أن صاحبها، قبضت عليه الجهدية، وصادرت ابقاره، وأدخلتها في حظيرة، وقيل أن هذا الرجل، لما رأي ان الجهدية، لم تلتفت له،وأسدل الليل ستره، ورنا بطرفه للحراس، فعرفه أنهم يغطّون في نومٍ عميق، ففكَّ وثاقه، وأخذ "زمبارته" وذهب بعيدا، وعزف معزوفة
يادَهِيس أوْطينا ..
من المجر أوطينا
لي بِت أُم بحر أوطينا
*أوطينا من الموطي، وتعني الرجوع من رحلة "النشوغ/النشوق" إلي المدامِر،لذا نجد دكتور إبراهيم، شاشا ، بل إتكأعلي نفل ،"الزُّمبارة "، فتذكر إبراهيم ، الذي كان بعُرفه رديفا ،علي ظهر بعير والده، وودالشيخ البشير "الصَّبي"، وهو يمتطي بعيرا، يبحث لنعمه عن مراح جديد ،فالبادية أهدت سفيرنا كل شئ فهو يتنفسها عزا وجمالا وسماحة، لذا كل ماتنفس الصبح، أوعسس الليل،أو "حَدْ الناس مايدارتو كما تقول البدوية:
القلب ماسِك زُمبارتو....!
فسفيرنا ودشيخ البشير، دخل خلوة وجدان،وشاهِد مسبحته، كان من شَدو البدويَّات الرعابيب:
مُو أبو كليباً نبَّح
علي جارو ما أتقبَّحْ
حلب في فواقها إتصبَّح
وصادْ في عقصة إتربَّح
أن تُقابل أخاكَ بوجهٍ طلق،والجميل أن يكون جارك، وإن ينسي..لا ينسي سفيرنا،بدويَّا مهرولا نحوه، وهو يحمل"كبروساً"، من صافي حليب الصبوح،أوالغبوق، وهو ينادي بأريحية، هشاشا باشا:
قول بيضة...قول بيضة..قول عديلي....!
*الفواق هو حليب النوق،إن كان غبوق أو صبوح،وعقصة بالكاء، نوع من بقر الوحش"الخلا"، ومفردة " عقص"، من الفصحي القديمة، وسمي بقر الوحش ب عقص، نسبة لإلتواء قرنيه، الممتدة إلي بعد الأُذنين، يقول إمرئ القيس:
غدائره مستشزراتٌ إلي العلا تضلُّ العقاص في مثني ومُرسلِ.
ومعزوفات الشَّجن للزُّمبارة، أكثرها اللَّود،واللَّود من العزف العجمي أي لا يسمون موسيقاه، بل يتركونه إلي براعة أُذن المستمع!
القلب ماسِك زمبارتو.....!.
ولود الزُّمبارة، عميق جدا ،في حياة البدو، بل عندهم من الرقائق،وكثيرا ما اصلوا به لحياتهم وحركتهم ، مثلا معزوفة "الواوايْ" ، أو معزوفة
عبدالبقادر لي جملنا...
من الهيل لي جملنا
وحتي أفراحهم وأتراحهم ، وفي أشواقهم ،وغزلهم العذري الشفيف
بنات الرَّيل جفَلَن
من المقيل جفلن
وكثيرا ما وصفوا، حركة أيدي جمالهم، وهي تُرقل بهم، نحو فرقان المحبوبة ، ب"لود" عزف الزُّمبارة، وما أروع هذا الشاعر الرائع، وهو يصف، زفيف بعيره وإيخافه، وهو مسرعا، حتي تتبع ،وظيف رجله، وظيف يده، يصفه "بلود الزُّمبارة":
جوالْسَك لي المكاكا بقَامَرنْ
إيديكا بخلفَنْ اللّودْ والشراريب يآمْرَن
أوكْت إتهَزْهَزَتْ وأبت القلوب مايدامْرَن
أقطع ليَّة الوادِي العجايزو بسامْرَن
"وردت ايضا خطَّة الوادي"
*شبَّه حركة أيدي البعير، بلود الزَّمبارة،فمع سرعتها، ايضا فيها طَرب،ولأنه "مشيوم"، ففي "لودها" وعزفها شجن، ثم شبه حركة مشفرالجمل"الشراريب"، مع إرقاله ومواهقة عنقه، كأنها تلوِّح وتدُلُّ صوب الإتجاه، ومدهش هذا الشاعر البدويُّ، عندما إهتز عقله، أن شبَّه حالة القلب، بين الوله والهيام، بحركة أهل البادية ، بين "النشوغ"، والدَّمر، ثم يخاطب بعيره قائلا: إذا أسرع، حتي تعبر، مُنحني"ليَّة" الوادي،لأن به فرقان بدو، عجائزهُن يسمرن إلي الهزيع الأخير من الليل.
وبالرجوع إلي شعر العذاري، وهسيس الجراري، حزنت جدا ،عندما شاهدت أُغنية مصورة قُدِّمت في نفس الحلقة،لفنانة صوتها جميل تقول فيها:
"ألبِل عملا جوطة"
ولعمري هذا قولٌ ،ينافي نافلة، أهل البادية، ويندر جدا، بل فيه "شتارة"،لأن اهل البادية الإبل عندهم ، لها معزة، فلا يقولون، لحنينها جوطة..! بل هم يعتبرونه، من البخت ،والسَّعَد، "سرايح"، وأُنس معزة، كما يقول الشاعر المطعون السليماني الكباشي:
عاليبة أم سناماً مايِح
عرقوبِك بنِز منُّو اللَّوندِي الفايح
حشَّاوك مسك دَوْ القموق جي رايح
سيدِك ونَّسُو الجرقومو كلو سرايح
وعندهم حنين الإبل، من طرب المنعة والرفعة، كما يقول فضل ودزايد، عن الدليل أمْحُمَّد علي ودحمد الدِّويحي:
عيِّط يا الرَّشيد قول عوك
واوي ولايم الجدعت حُوار باروك
حِس تقلية المو خميلي في الحاروك
واردة الليلة سهريج ناس حسين مَدروك
وإن كثر حنين الإبل، ودل علي الفراق ،يقولون "قرواح" ،كماتقول المغنية، ومن هسيس الجراري:
حِسْ قرواحْتُو تنودِرْ
بكسر الحَدْ مابدودِرْ
بلدو الفيها مِصوقِرْ
في الصّيف قوزها مشوقِرْ
غنا الجراري، أو شدو العذاري ،من السهل الممتنع ، وبالبادية مُجلدات بل أجزم هو كتاب تاريخ للبادية ، نشوقها وتضاريسها وأفراحها وأحزانها ، كل قصة أو حكاية أومعركة أومناسبة مدونة فيه.
إنظروا لهذه البدوية ، وعزَّة نفسها، وكيف تفتخر بأولادها وبناتها:
عندي صِقور لي الحومي
وعندي دِيوف ل السَّومي
مستورة حال من يومي
إن أتبشتنت وااالومي
شعر غاية الجزالة،وعال القيمة، وصفت أبناءها بالصقور، لقوتهم وشجاعتهم، وترفعهم عن الصغائر ، حيث يحلقون عاليا، في الذُّراري والقُنن، ووصفت بناتها،" بالدِّيوف" ، جمع "ديفة" وهي صغيرة الغزال، أهل البادية يقولون للجدي الذكر"الدَّيف"، وللأُنثي "الدَّيفة"، والدَّيف بتشديد الدال، هو الجدي الذي بزغ قرنه لتوه"مِدايف"
تقول شاعرة كباشية من الربيقات، تتذكر وحيدتها، الذي تزوجها، إبن عمها،وسافر بها بعيدا، في شرق السودان، حيث أهله، بقرية الفاو،ومن المحال، أن تسافر للسلام عليها، بالدواب الصغيرة، إلا بالسيارات أو الجمال فقالت، من غنا الجراري:
بلد ديفة النَّوَّاشا
لي أقروب مابتتماشا
يا الحَلْ بي اللَّمباشا
يا اللّيدو هبَّاشا
*اللُّمباشا أي الأمباشي، وقديما كانت السيارات بالبادية قليلة،وتكثُر كوامر الشرطة.
وغنا الجراري ، من الفنون الصوتية، اي يُسمع،لأنه بالرغم من حلاوة موسيقاه، وأناقة مفردته،لا تكتمل الحواس لسماعه، إلا شدواً ، ومن حنجرة البدويَّات، وهنُّ في السِّدور، عند دوداب الوِرود،أو في أفراح البادية، وما يعجبني في هسيس الجراري، أن البدوية تعتزُّ،بحياة التِّرحال، وتفتخُر ببيت الشِّقاق، فهي كميسون الصَّاحبيّ، الأمير معاوية ،رضي الله عنه، قالت شاعرة من الرِّبيقات تفتخر، بزوجها ومعزته لها، وطريقة نشوقه ونجوعه وترحاله،وتعتزُّ ببيت الشِّقاق:
من فوقي ماتعوَّس
شعَّابي ماسوَّس
طبق الرَّحلي وروَّس
نامت المجحوم عوَّص
وقولها :"شعَّابي ما سوَّس" كناية بليغة جدا ، أي أنَّها ، لا تمكُث في المدامِر طويلا ،وقديما قيل الرَّحيل عِز العرب،وتثبيتا لهذا القول ، أنظروا للشاعرة الرائعة بِت الشايب ودعبيد "حيدوب"، من بني جرار ، تخاطب عمَّها، الذي ترك النشوغ مع إبله، وزرع له "بلاد"
حيدوب شاف الصَّبَن
جدَع حشَّاشتو إنغبَنْ
أهل أم رقَّن وبَنْ
هسَّاع في العِز واللَّبنْ
ما أروعها، عندما ربطت، الغُبن ب"الصبن..صبنة" وهو توقف نزول الأمطار،وعكسها "عينة/عِيَن"، وربطها للعِِز، ب"النشوغ" والخريف وخيراته
قولها :"نامْت المجحوم عوَّص"، كناية عن المُرحال الطويل،وأهل البادية، للمُرحال الطويل، يقولون:"الرَّحيل العوَّص الكلب"
يقول الشاعر الرائع والشَّاب الخلوق الصديق الهندي ودخيرالله الكباشي:
عرب المِنَّهُن قلب العشوق ماحوَّص
عَقروا التَّوُّو شبَّع لي الدِّقاق..مابوَّص
دانُو النايبُو لا لوبة وسنامُو مغوَّص
رحلوا وقفُّوا باكرية وجريوْهُن عوَّص
أيضا بالزُّمبارة، نجد أهل البادية، أطَّروا لمصطلحاتهم الإجتماعية، التي بها الكثير الكثير، من النَّفل السِّمِح، وهي مصطلحات، تضاهي المصطلحات، الإجتماعية والإنسانية، التي ينادي بها المجتمع الدولي، وإذا طبقناها، في رأيي المتواضع، سوف تنتهي، هذه النعرات القبيلة، التي زرعها "مقطوعين الطاري"، مثلا مصطلح "الرَّباعة"، الذي يعزفونه "يضربونه"، في لود الزُّمبارة
البلَّول حيل البلَّة...
زولا ربيع البلَّة
وبفرج الضيق البلَّة
وقيل أنَّ المعزوفة، ألَّفها وعزفها، بدويُّ،عندما إفترقا هو و"ربيعه" رفيقه، بعد إنتهاء رحلة "النشوغ"، حيث ذهب كل واحد منهم إلي مدامِرأهله.
أهل البادية في نجوعهم ونشوقهم ودمرهم ، يطلقون مفردة "الرَّبيع" ، بالراء المرققة ،علي الرجل ،الغير من فخذ قبيلتك ،أو لم يكن من منطقتك، ولكن جاورك بنعمه إن كانت إبل او غنم، أو جوارك وجاورته ببيتك، ومن جمال "الرِّبعة" ،تتطورإلي صداقة صادقة ،وعميقة جدا، ومفردة "الرَّبيع أو الرّباعة" من مصطلحات البادية ذات المدلول الإجتماعي العميق، يقول الشاعر الباقر ود أبوزهرة الكباشي ، يرثي صديقه، "مُحمَّد ودمدوقة" العِدوسي الكباشي، وقد رابعه سنينا، بمنطقة "دونكي الختيماية"، والباقر كباشي من فخذ "أولاد سليمان"، ومدامِر فرقانه"بأبو سفيان،و"نشوغهم "بوادي هور، ووادي هورمنقطقة ذات حضارة قديمة، زارها الشاعر المُجيد حقا، الشيخ محمد سعيد العباسي، وخلدها في شعره، يقول ودأبوزهره يرثي "ربيعه" رفيقه:
ربيعي الفنجري الفارقتو عيل ب الزَّيني
أوكت جابو خبر النّوم غرز من عيني
غرَّارة العبوس عندك نفيلةً شيني
شلت الرَّاجِل البفدوهو بي زوليني
رثاء صادق ومن القلب، كناه "بالفنجري"، وهي في مقام السماحة، أوتفوقها، ثم أنهم أفترقا ، علي المحبة و"الزينة"، ايضا يقول:
فقدنَّك بناتَن بي الرَّماد إنعجَّن
وفقدنَّك بِكاراً فوق سُفافْهِن قجَّن
فقدوك الرِّجال أوكت البنادِق رجَّن
وفقدنَّك بنات عَنتار بعد مادجَّن
يبذل "الرَّبيع"، الغالي والنفيس "لربيعه"، ويساعده في كل شئٍ، بل تمتد هذه الصداقة إلي سنين عددا ، أو إلي الأحفاد وسائر فخوذ القبائل، فأهل البادية، إستقوا أعرافهم الجميلة، وقيمهم النبيلة، من سماحتهم وتداخلهم ، في حِلهم وترحالهم، وأجزم إذا طبَّق السياسيون، وأهل الأحزاب، والحكومة "المجيبقة"،هذا المصطلح،البدويُّ الوهيط،وأعني مصطلح "الرباعة"، لكان حال السودان غير، ولكان الجو العام للسياسة ،من السماحة بمكان.....!
*مفردة "نشوغ"، الأستاذ الأديب الراحل، حسن نجيله، كتبها بالغين
عبيد الطيب "ودالمقدم" بوادي الكبابيش
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.