عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. في مقال سابق كنت قد تناولت قيمة النظافة و أهميتها في سلوك الأفراد و من ثم المجتمعات. انتقدت وقتها السلوك العام غير المسؤول و اللامبالاة في التعامل مع المرافق العامة و إستباحتها برمى الأوساخ و المخلفات و تناولت بحزن إهتمام الناس بجمال و نظافة ممتلكاتهم الخاصة ثم رميهم مخلفاتهم في الطرقات. لم أتعرض وقتها للمسؤولين أو الحكومات و المحليات فقد كان يعنيني في ذلك المقال سلوك أفراد المجتمع تجاه العام. اليوم أكتب عن نظافة الخرطوم من زاوية أخرى بعيداً عن كل ما سبق. أكتب و أنا أكثر حسرة و غضب و حيرة. شاهدت في الأسبوع الماضي صوراً لعدد كبير من الوزراء من أعلى المستويات في الدولة وبحضور ممثلي رئاسة الجمهورية يجلسون في غرفة إجتماعات كبري اتدرون لماذا؟! ليناقشوا إحتفالات عيد الإستقلال و التي غالباً ما تنحصر في عروض عسكرية، خطابات، أغاني، بعض التكريمات و كثير من المنصرفات و التي تشمل نثريات الإجتماع الأول وحتى يوم الإحتفال بالإضافة الى المأكولات و الرفاهيات و هذا على أقل إنفاق. ما دعاني للحسرة، أنه بينما يجلس كبار رجالات الدولة للتجهيز للخطب و الأغاني، في دولة أخرى في قارتنا الأفريقية ذاتها و تحديداً تنزانيا، يقوم رئيسها جون ماغوفولي بإلغاء الإحتفا?ت بذات المناسبة العظيمة و التي كان مقرراً لها يوم 9 ديسمبر. ألغى إحتفال الخطب و الأناشيد لكنه احتفل بطريقة أكثر بهاءًا و وطنية حيث حول الإحتفال إلى يوم وطني للنظافة بل وانضم بنفسه إلى الآلاف من أبناء شعبه في حملة لتنظيف الشوارع. الرئيس نفسَه قام بتخفيض %90 من ميزانية إحتفال يقام عند إفتتاح البرلمان وأمر بإنفاق المبلغ الذي بلغ 100 ألف دولار في شراء أسرة لأكبر مستشفى في تنزانيا! بل أمر بتقييد سفر المسؤولين للدول الأجنبية ومنع شراء تذاكر طيران على الدرجة الأولى ولو للرئيس و نائبه. نحن حينما نورد المقارنة لا نطالب رئيس الدولة أو أياً من المسؤولين في ذلك الإجتماع بحمل المكانس و أكياس القمامة كما فعل الآخرون لكننا نطالبهم بقليل من التقشف و لا نأمل في الكثير. إن ما يُنفق على مثل هذه الإحتفالات و ما يسبقها من إجتماعات و تجهيزات قادر على غسل شوارع الخرطوم و تلميعها أسوة بنظيرتها دار السلام . الخرطوم مدينة تنام بين تلال من القاذورات و تصحو على دندنة الذباب. شوارعها ملونة بأكياس البلاستيك المتراصة و الملتصقة بالطين و التراب و المعلقة بالأشجار كما الأوراق بل و الأسوء أنه حينما تتنسم السماء، تتطاير القاذورات بدلاً عن العصافير و الفراشات. نأمل أن تستغل مثل هذه المنصرفات في نظافة الخرطوم و لن نكثر من الأماني و الأحلام و لن نرفع سقف التوقعات. لن نحلم بمسؤولين من عالم القدوة الحسنة يحملون مكانسهم في الطرقات و لكن من حقنا أن نحلم بمدينة جميلة نظيفة أسوة بجميع مدن العالم التي لا يسكنها الباعوض و الذباب و لا يحوم بين أزقتها الكلاب ولا تزين شوارعها القارورات الفارغة أو النفايات. من حقنا أن نقارن و نتأمل في جدوى إقامة الإحتفالات القومية بشكلها الحالي. و أتساءل ياتري أين ستذهب مخلفات الإحتفال؟ نأمل الا تساهم في مضاعفة أكوام القمامة في الخرطوم!
Up-pointing red triangle نقطة ضوء: من الوطنية أن نجعل من أعيادنا القومية مناسبة لإبتداع طرق عملية تساهم في بناء الوطن. أميرة عمر بخيت نافذة للضوء