عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. إذا كان شاعرنا الكبير ود بادي قد قال في شأن الحالة السودانية أبياته المشهورة: حال هذا البلد بكاني ما سكتني ريدتن فيها كيف مالكاني كيف ملكتني نار فيها كيف ماكلاني كيف لهبتني والسودان لا يعاني إلا من نقص دقيق الخبز وندرة وغلاء غاز الطبخ وارتفاع أسعار الدواء والكساء، وتلوث المياه وزيادة تعرفتها في منطقة تحيط بها ثلاثة من أطول أنهار العالم، وقليل من الاضطرابات وحالات معدودة من الفساد المالي لا تتجاوز تريليونات تعد على أصابع اليد، وتردي الخدمة المدنية وتفشي القبلية والجهوية والمحسوبية، فماذا عسى ود بادي أن يقول إذا نظر إلى حال دول الجوار من ليبيا غرباً إلى الشام والعراق شرقاً واليمن في جنوب الجزيرة العربية، فقد سالت الدماء في الشوارع وترملت العرائس وتيتم الأطفال وانفرط حبل الأمن حتى لم يعد أحد يأمن على نفسه وماله وعرضه! وقديماً عندما كنا نردد قصيدة محمود غنيم التي يقول فيها: مالي وللنجم يرعاني وأرعاه أمسى كلانا يعافُ الغمضَ جفناه لي فيك يا ليل آهاتٌ أرددها أُواه لو أجدت المحزون أُواه لا تحسبني محباً أشتكي وصبًا أهون بما في سبيل الحب ألقاه إني تذكرت والذكرى مؤرقةٌ مجدًا تليدًا بأيدينا أضعناه ويْح العروبة كان الكون مسرحها فأصبحت تتوارى في زواياه أنَّى اتجهت إلى الإسلام في بلدٍ تجده كالطير مقصوصًا جناحاه كم صرّفتنا يدٌ كنا نُصرّفها وبات يحكمنا شعب ملكناه كنا نظن في ذلك الوقت أن الشاعر إنما يعبر عن حالة وجدانية خيالية لا تمت بصلة لحال الأمة العربية إلا أننا في السنوات الأخيرة قد رأينا بأم أعيننا وشهدنا ما آلت إليه الأوضاع في الوطن العربي من قتل ودمار وتشريد وضياع. والقاسم المشترك في كل هذه الأحوال هو محاولة أناس كنا نحسبهم إخوة لنا في العقيدة ولكنهم ظهروا الآن على حقيقتهم وبدت لنا كل سوءاتهم وانكشف المستور؛ فهم لا يرغبون في عربي ولا سني إلا ولا ذمة، بل يريدون استئصال شأفتنا من الوجود تماماً. وفي سبيل ذلك، لا مانع لديهم من التعاون مع شياطين الإنس والجن من دول الاستكبار وشذاذ الآفاق من طلاب السلطة والمغامرين الذي لا يبالون البتة بسفك الدماء وترويع الآمنين! فهذه صنعاء يعوس فيها الحوثي فساداً بالتعاون مع العريف المخلوع علي عبد الله صالح. أما عاصمة الخلافة الإسلامية دمشق فقد ظل النصيري بشار الأسد وطائفته العلوية يدنسون مسجدها الأموي ليل نهار ويشردون حرائر الشام وأطفاله حتى شبعت منهم حيتان البحار وهم في طريقهم إلى ما يعتقدون أنها ملاذات آمنة في أوروبا وغيرها من بلاد الله الواسعة بعد أن اسودت الدنيا في وجوههم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت؛ جراء الظلم والتعسف والإبادة الجماعية التي تمارسها الترسانة الروسية على حلب والقوطة وغيرها من مدن الشام وكأنها لم تكن يوماً قد شهدت عزة الإنسان العربي الذي أرسى دعائم العدل ونشر صحيح العقيدة في تلك الديار الطاهرة. وكلما مررت على قصيدة علي بن زريق التي يقول فيها: والدهر يعطي الفتى من حيث يمنعه عفوا ويمنعه من حيث يطعمه أستودع الله في بغداد لي قمرا بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه ودعته وبودي لو يودعني صفو الحياة وإني لا أودعه وكم تشفع بي ألا أفارقه وللضرورات حال لا تشفعه وكم تشبث بي خوف الفراق ضحى وأدمعي مستهلات وأدمعه سالت مني دمعة حرى على بغداد التي هي عاصمة الخلافة العباسية ومدينة الإسلام ودار الحكمة وموئل الأدب والفن والحضارة، التي لم تعد آمنة، إذ أنها الآن ترزح تحت وطأة الفوضى والخراب الذي جرته علينا طائفة بعينها تحاول السيطرة على زمام الأمر سعياً لإبادة أهل السنة واخراجهم من ديارهم ظلماً وعدواناً. أما بلد عمر المختار، ذلكم الفارس والمجاهد العربي، فقد دنستها عصابات المهووس القذافي بعد أن دمر اقتصادها وعبث بأموال شعبها ولم يرحل إلا وهي مرتع لمجرمي "داعش" وغيرهم من لوردات الحرب الذين يعيشون على فوهات بنادقهم ومدافعهم. وباختصار، تعيش الأمة العربية أسوأ الأوضاع وأقسى الظروف، في وقتنا الراهن، وهذا الواقع المرير يمتد ليشمل كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والمجتمعية والتعليمية والاعلامية والصحية والأدبية والفنية، فأمتنا تعيش منذ فترة طويلة بكل شعوبها وأوطانها حالة مزرية من السقوط المهين والفشل المتكرر فمن مجازر ووحشية الصهاينة إلى نيران المحارق الشيعية ومذابح التطرف التي حالت دون تحقيق طموحات الشعوب العربية في النهضة والاستقرار والتنمية، والعيش الكريم والازدهار والرفاهية المعقولة. بكل صراحة المشهد في المنطقة العربية كلها لا يسر، فهنالك دمار وموت، ولكن ثمة أمل معقود في التحالفات التي تقودها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، أطال الله عمره، وسدد على طريق الخير خطاه، فهي تمثل الشعاع الوحيد في آخر هذا النفق المظلم بعد أن تكالبت علينا الأمم، وصار واقع الأمة العربية يُبكي من لا قلب له!