حذرت جهات عدة من خطر تجدد الحرب بين الشمال والجنوب حال عدم الاسراع في حل الخلافات القائمة بين شريكى نيفاشا . ففي سبتمبر قال مسؤول رفيع في الاممالمتحدة ان خطر الحرب قائماً بالفعل ، ومؤخراً صدر تقرير مجموعة الازمات الدولية مؤكداً ان تجدد الحرب بين الشمال والجنوب وتصاعد الحرب في دار فور امر وشيك الوقوع ما لم يوفر المجتمع الدولي الضمانات اللازمة لانفاذ الاتفاق . وبغض النظر عن مدي دقة هذه التوقعات ونصيبها من الصحة في قراءة واقع السودان الراهن ، يبدو ان اطراف دولية عديدة تصدق او تريد ان تصدق ان هذا واقع الحال في السودان وتتهيأ للتعاطى مع هذا الواقع الجديد . ولعل القضية الهامة التى سكتت عنها كل هذه التصريحات بما في ذلك تقرير مجموعة الازمات الدولية هى شكل الحرب القادمة ، طبيعتها ، اطرافها ، واثرها على اهل السودان . وهى قضية في ظنى ينبغى ان تحظى باهتمام خاص بالنظر لفداحة الثمن الباهظ الذى ينتظر اهل السودان حال تجدد الحرب ولنبدأ بهذه النقطة الاخيرة تم ننتقل بعدها لموقف القوى الدولية التى تتهيأ بل تهيئ المجتمع الدولي لهذا الواقع . بادئ ذى بدء ، واهمٌ من يظن ان حرب جديدة ستكون حدث اقليمي محدود الأثر ، فمنذ توقيع نيفاشا وبطبيعة بنود الاتفاق نفسها ينتفى ، حال الفشل ، تعريف الحرب القادمة بانها حرب أهلية ، ليدخل اى اندلاع مجدد للحرب في ذمة العلاقات الدولية والصدام بين دول كاملة السيادة . ويستتبع ذلك بطبيعة الحال تكوين الاحلاف بتفاصيله المختلفة من مصادر التسليح الى الصراع في المؤسسات الدولية ، من الاستخبارات الى الصراع حول الرأى العالمي والاقليمي . والامر الذى لا مراء فيه ان المنطقة باسرها ستتأثر بهذا الواقع الجديد الى حد لا يمكن التكهن به الان . اما عن مدى الحرب داخل السودان الحالى فان اندلاع الحرب بين جيشين نظاميين سيحطم الى الابد صورة العمليات العسكرية التقليدية التى سيطرت على مجريات الحرب الاهلية والتى كانت تعتمد على تحول الفصول مداً وجزراً . وهل ستقف الحرب على التخوم الجنوبية والشمالية للدولتين الجديدتين ؟ ولاى مدى سيؤثر استعمال اسلحة كسلاح الجو مثلاً في خارطة الحرب الجديدة ؟ هذه اسئلة أكره ، كما يكره اي سوداني ، مجرد التفكير في الاجابة عليها المزعج في الامر ان اتجاهاً قوياً بين بعض الدول ، خاصة في فرنسا وامريكا ، وفي داخل المنظمة الدولية بات يهيئ العالم لهذه الحرب القادمة . ففى اوائل سبتمبر الماضى اصدرت وزارة الدفاع الفرنسية تصريحاً حول اطلاقها للقمر الصناعي هليوس 2 بي المخصص للتجسس العسكري ليساعد في ترسيم مناطق غير مرسمة في اقليم دار فور وشاد والعراق وافغانستان . وصرح ناطق باسم الوزارة قائلاً انه في ظل اجواء دولية يشوبها عدم اليقين فانه لزم على فرنسا ان تتمكن من فهم المناخ الاستراتيجي الذى تتحرك فيه وأن تتوقع التهديدات . اما في الولاياتالمتحدة فقد بدأت ومنذ ثلاث اشهر حركة منظمة بين نواب الكونغرس تركز على الطابع العسكري للأزمة السودانية وتضغط على البيت الابيض والخارجية الامريكية لإتخاذ خطوات اكثر تشدداً تجاه الخرطوم . ففي منتصف نوفمبر طالب 44 من نواب الكونغرس ، بقيادة النواب فرانك وولف وجورج ميلر و استيفن روثمان ، الرئيس اوباما بالضغط على الرئيس الصيني هو جينتاو لوقف دعم السودان عسكرياً . ومؤخراً جداً ، في منتصف ديسمبر الجارى ، وقع 27 نائباً ، بقيادة روس فيتقولد وجون ماكين ، مذكرة موجهة لوزيرة الخارجية هيلارى كلينتون طالبوا فيها ببدء المفاوضات في مجلس الامن حال تجدد القتال . اما في دائرة المنظمات الدولية فيجري تركيز موازى ، وفي نفس الفترة تقريباً ، على الطابع العسكري للازمة السودانية . فقد نشرت ما يعرف بلجنة الخبراء في الاممالمتحدة تقريراً يقع في 94 صفحة يزعم ان السودان اشتري تكنولوجيا تصوير استخدمت في طائرات بلا طيار فوق اجواء دار فور في مناطق محظورة بموجب قرارات الاممالمتحدة . هذا بالاضافة لتقارير مجموعة الازمات وتقرير مركز أبحاث الاسلحة الضغيرة والعشرات من مجموعات البحوث الصغيرة والكبيرة التى تعيد انتاج هذه التقارير بصورة او باخرى . العبرة في ظنى ليس بمدى دقة التقارير من عدمها وانما بفعلها في الرأى العام في الاتحاد الاوروبي وامريكا الشمالية . فالحرب تبذر بذورها من حولنا ، بافعالنا وعجز النظام السياسي الذى ترتب على اتفاقية السلام ، وبقصد وتخطيط من قبل بعض متوهمى صياغة النظام العالمي الجديد واهمٌ من يظن ان نظرية التدخل الدولي لاسباب انسانية قد سقطت بذهاب جورج بوش . واقع الامر ، يظن بعض المتنفذين في حقل العلاقات الدولية ان جورح بوش قد قطع الطريق على التطور الطبيعي لنظرية التدخل الدولي لاسباب انسانية حيث عاشت عصرها الذهبى في عقد التسعينات مع عمليات الناتو في البوسنة وصربيا وكوسفو مع المباركة الصامتة للمنظمة الدولية . يجب الا نعرض السودان لمحنة الحرب مرة اخرى ولتجّرب الحرب الانسانية بعيداً عن وطننا . ولا سبيل لذك الا بانفاذ اتفاقية السلام كاملة غير منقوصة والايقاف الفورى للحرب في دار فور