يطلق أهلنا الباكستان علي الزواج نِكاحاً.. والقرآن أسماه نكاحاً برضو، ولكن أهلنا في السودان يفضّلون علي كلمة النكاح كلمات (الزواج) (والجواز) (والعِرِس) (والصُّفاح) وهذه الآخيرة لا أعلم أصلها.. المهم أصدقاؤنا الباكستان لا يستخدمون كلمةً تدل علي التزاوج غير النّكاح، وهذا جيّد ومن فصيح القول كذلك..وهم يفضّلون الزواج المبكّر (زواج الصَّغَرَة) ولا بأس عندهم من زواج الأقارب.. إبني محمد الغانم(18 سنة) أكثر أصدقائه من الباكستان وقليلٌ من العرب..وهم دائماً ما يلتقون في المسجد لإقامة كل أنشطتهم من رياضة ومحاضرات ومذاكرة ودروس فقهية ولقاءات شبابية..وهذا جيّد ومريحٌ جداً لنا معاشر الآباء..ولكن في الفترة الآخيرة أصبح محمد من وقت لآخر يسألُني مثل هذه الأسئلة : بابا، تعرف صديقي محمد برويز؟ أقول له: نعم، طبعاً أعرفه..جاء معك إلي البيت كذا مرّة وهو من سنّك، أليس كذلك؟ يقول محمد: نعم هو (دُفعتي)..وأريد أن أذهب غداً لحضور مناسبة عقد نكاحِه في المسجد..أقول له بإندهاش: أووووه إذن محمد برويز يريد أن يتزوج!! ما شاء الله، تبارك الله ربنا يسعده..لا مانع لديْ من حضورك مناسبة عقد نكاحِه.. *** ثم بعد شهر يأتيني محمّد: بابا، تتذكّر صديقنا محمد برويز الذي حضرنا مناسبة عقد نكاحِه في المسجد قبل شهر؟ أقول: نعم أتذكّره ، مالو؟ يقول: بكرة نحنا زملاؤه عاملين ليهو حفلة هو وزوجته (صافيناز) واللي هي برضو (دُفعتنا) لأنهم حيمشوا الجامعة في ولاية بنسلفانيا المجاورة.. أقول له(بكل براءة) : ماشي يا محمد..ما في مشكلة..بالله سلّم عليهم وبلّغهم تهانينا.. *** بعد شهرين محمد يتصل عليْ ويقول لي إنه سيتأخّر شوية في الحضور للبيت فأقول له (ببراءة): ليه خير يا محمد.. في شنو؟! وأحس أنه إتبسط جداً عندما سألته هذا السؤال (الساذج) فيقول لي: بابا تتذكّر صاحبنا محمد نياز الطويل البلعب كرة سلة داك؟ أقول له: لا ما بتذكّرو والله..يقول: بابااااا.. جا معاي البيت كذا مرة..اللي قلت أبوهو شغّال معاك في نفس الشركة !!! أقول: أوووه إتذكّرتو هو دفعتك مش؟ يقول محمد: أيوة (دُفعتي).. أنحنا الليلة زملاؤه ماشين ننقُل معاهو عفشو هو وزوجته (نورعيْنِي) اللي هي برضو (دُفعتنا) لأنهم ماشين الجامعة في ولاية إلينوي الجنبنا دي..أقول لمحمد: ماشي بس ما تتأخّروا وسلّم عليهم.. *** بيني وبينكم بديت أجمّع في الخيوط..وأنحنا برضو بنفهم.. وقلت في قلبي: والله النّفِس ياها النّفِس..محمد ولدي دا ببورِح ليْ بالكلام من بعيد لبعيد كدة شكلو بدا يتحرّك..خلِّيني أسأل أصحابي (الباكستان) ديل وأعرف منهم السالفة.. *** بعد صلاة الجمعة بمسجد كانتون الكبير، وبالمصادفة، إلتقيت صديقي السيد محمد رفيق والد إبننا محمد برويز صديق إبني محمد.. مددتُ إليه يدي مصافحاً ولكنه إحتضنني مسلّماً بحرارة فائقة كعادة أهلنا الباكستان عند السلام وأبتدرني قائلاً وهو ما يزال ممسِكاً بيدي :- بروظر(brother) بشير إنتَ وين؟! أنا من زماااااان ما في شوف؟ قلتُ له: والله جري واجد واجد بروظر محمد رفيق، ومُخْ في كتير تفكير.. قال : أنا من زمااااان كلام محمد إبنك ليش بروظر بشير ما يجي عقِد نِكاح حق ولدي محمد برويز؟ بروظر بشير إنت ليش ما يجي عقِد نِكاح؟؟! قلتُ في نفسي: أيوااااااا.. خلّيني أچمچر وأشوف أهلنا الباكستان ديل بعرّسوا للأولاد الصُّغار ديل كيف !!.. قلتُ له: إن شاء الله في عقِد نكاح ولدك محمد منظور أنا إن شاء الله يجي(محمد منظور أصغر من محمد برويز).. قال لي:- لااااا لا.. مرة جاية في عقِد نِكاح لمحمد بشير..بروظر بشير إنت ليش ما يعمل عقِد نِكاح لمحمد بشير ؟؟؟!! الكلام دخل الحوش إذن..قلتُ في سِرّي: أيوااااااا.. خلّينا من ههنا نبدأ : بروظر محمد رفيق، محمد بشير لسه في صغير..هو لازم first خلّص college بعدين في عقِد نِكاح.. وحيث أنه ما يزال ممسكاً بيدي فقد أخذني علي جنب وأجلسنا علي الأرض ثم أخذ يشرح لي الحكاية من الأوّل.. *** قال لي: إنت معلوم بروظر بشير teenage دا مشكلة كبير مرّة؟!..قلت ليهو: يعني إنتَ حتقولّي..مشكلة كبيرة كَبَرَة..قالي: إنت معلوم كلو نفر في أمريكا هنا في boyfriend و girlfriend؟ طنطنت له في الكلام..ولكنه إستمر قائلاً: أحسن ولد لمّا يمشي جامعة يكون في girlfriend ولا يكون في عقِد نِكاح ؟! قلت ليهو: واللااااااهٍ.. الحق لله.. أحسن يكون في عقدِ نِكاح.. قال: وتيِّب.. سألتو: أها طيّب والأولاد ديل البصرف عليهم منو؟! قالي: صرف فلوس ما في مشكلة..كُلُّو في ترتيب..أنا يصرف علي ولدي محمد برويز ونفر تاني يصرف علي بنتو نورعيْني..كُلو في ترتيب.. *** يا حلاااااوة..يعني الأبوين يوفّقوا روسين أولادهم بالحلال وأي واحد يظل مسؤولاً عن ولدو أو بنتو تماماً كما لو إنهم غير متزوجيْن..وبدلاً من الولد مثلاً يسكن في شقة مع زميله أيام الدراسة والبنت تسكن مع زميلتها في شقة..يقوموا الإتنين(والهم معقود نكاحهما الآن) يسكنوا ليهم في شقة مع بعض ويظل أبواهما يرسلان لهما مصاريفهما كالعادة وكما لو أنهما طالبان أعزبان..وفي الإجازة كل واحد يمشي بيت أبوهو وإذا سنحت لهما الفرصة يلتقيان حسب التساهيل في منزل أيٍّ من الأبوين..أو يدبِّران حالهما كيفما إتفق..وعندما تنتهي الإجازة يرجعان إلي شقتهما في الجامعة كما السابق: طالبان وزوجان شابان سعيدان..وحلاة الدنيا عليهم.. *** والله الفكرة عجبتني بشكل.. وندمتُ أشدّ الندم وأسِفتُ أشد الأسف أنّ أهلنا ما طبَّقوها علينا زمان.. ليه مش عارف؟! وبدأتُ أتذكّر وأتحسّر.. يا لأيام (العَنَت) والعزوبية والسهر والشوق والوجد والحنين والتأوُّهات وكتابة الأشعار والجوابات ومناجاة النجوم والقمر والليل السديم..يا للدموع والأسي وحُرقة الفِراق .. يا لقسوةِ الشتاء في مصر وفي حي المساكن بالتحديد..يا للَّوعة.. ويا لضيق ذات اليد ويا لعُنفوان الشباب.. ليه يا أهلنا (الله يهداكم) ما فكّرتوا فيها بالله؟!ربما لو أن أهلنا (أو أخواننا المسؤولين مننا) فكّروا فيها وطبّقوها علينا زمان لكُنا أكلنا كمية أقل من العدس والفول والطعمية والأورديحي ومُلاحات البصارة والبوش..ولكُنا صُمنا أيام إتنين وخميس أقل.. ولكُنّا صرفنا وقتاً أكثر في الدراسة، ولكُنا أحرزنا درجات أعلي ولكُنا تفوّقنا تفوّقاً باهراً عند التخرُّج.. *** أنا شايف يا أخوانا ما دام الحكاية دي أنحنا ما حصّلناها -مأسوفاً علينا- ليه ما نخلّي أولادنا يحصّلوها؟! خلّونا (نحصّنهم) يا جماعة طالما أنّ (التطعيمات) لم تُخترع في ذلك الزمان.. أنا غايتو مستعد أصرف علي ولدي محمد دا لحدّي ما يتخرّج..ومستعد أقطع ليهو تذكرتين طيران في السنة للسودان أو (لدول الخليج)..(تذكرة الطيران لميريلاند رخيييصة..كلها مائة دولار يا نجمي) ومستعد أجي لي عندكم أحضر (عقد النّكاح)..وإذا كان عقد النكاح دا في الخليج بالمرّة الواحد يعمل ليهو عُمرة أو عَمرة، وإذا في ميريلاند بالمرة الواحد يسلّم علي الحبايب، وإذا في السودان بالمرة نشوف الحوار دا حصل عليهو شنو..أها قصّرتَ معاكم؟؟ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.