عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. في السيرة الماركسية استمتعتُ بالسياحة في مكتوب عثمان جعفر النصيري المنشور في موقع سودانايل بعنوان "كارل ماركس ياعزيزي .." بتاريخ 2 أغسطس 2016. وهو ابحار ممتع في السيرة الماركسية. وقصدت تسميتها "السيرة الماركسية" حيث لا يجوز إطلاق لفظ "الماركسية" حاف كده. كأن يقول أحدنا "المهدية" فلا نعرف ما المقصود بالظبط، أهي السيرة المهدية، الدعوة، الدولة، أم النظرية؟ فيما بين التعرض لماركس المفكر في تفاصيل حياته الانسانية بمعاناته وكفاحه، حرصه على بنته ومستقبل زواجها، إلى حزنه الممض على فقد ابنه "أودغار"، فإن تسليط النصيري الأضواء على أجزاء مهمة من "السيرة الماركسية"، في تقديري، لايمكن المرور عليها دون الخروج منها بملاحظتين في غاية الأهمية، الأولي خاصة بزمانية النصّ وعدم اطلاقه، والثانية متعلقة بجوهر التغيير الذي أنجزته الثورة الاشتراكية في روسيا وفي الصين. الملاحظة الأولى بخصوص زمانية النصّ نجدها مبثوثة في مقاطع النصوص التالية: ["رأس المال "، الذي يشهد اقتصاديون عديدون بأنه عمل عبقري ، ناقص ومبعثر في آن وكان ماركس يعد لخروجه في ستة مجلدات متخصصة. ووفقاً لانجلز فالعمل برمته " كان مسودة باستثناء فصلين اثنين : هناك استشهادات من عدة مصادر بلا ترتيب – أكوام منها متراكمة تم جمعها بهدف واحد هو الإستفادة منها لاحقاً. ذلك يعني ان" رأس المال " ليس كتاباً مقدساً وماركس نفسه لم يطالب بأن يكون هو من بين الثالوث المقدس أو حتى مجرد ولي من أولياء الله.] وعن كتاب رأس المال: [فالكتاب اقتضى انصرام عشرين عاماً ليكتمل مجلده الأول ما يعني صعوبة كتابة أية أطروحة بتناسق متماسك على مثل ذلك المدى الزمني الطويل : كتب لناشره الالماني عام 1846، والكتاب فات أوان تشره : " لن أسمح بنشره قبل مراجعته مجدداً ؛ قالكاتب الذي يعمل بلا انقطاع لا يمكنه في نهاية أشهر ستة نشر ما كان كتبه قبل ستة أشهر بشكل حرفي " . وكان على الناشر انتظار اثني عشر عاماً قبل إرسال المجلد الأول الى المطبعة". وأضاف ماركس : " العمل يتقدم ببطء لأنه ما أن يشرع الواحد في إكمال اللمسات الأخيرة على موضوع أنفق في دراسته السنوات الطوال حتى تشرع تلك الموضوعات في التكشف عن جوانب تستدعي المزيد من إعمال الفكر" . ذلك قد يعني عندي أن الماركسية متجددة حتى في منابعها الأصيلة. ] كما تم التأكيد مرة ثالثة على أن.. [كارل ماركس كان يغترف من ثقاقات الأزمنة كافة : تعلم من أدم سميث وريكاردو كما أخذ من هيغيل وفيوبارخ وداروين من دون انقياد الى أحد.. ] وفي ذلك اشارة واضحة ودعوة للاقتداء بماركس في كفاحه المعرفي وعدم الانقياد إلى أحد أو التقيد بمدرسة واحدة.. بما فيها ماركس أو الماركسية! الملاحظة الثانية المتعلقة ب التغيير الذي أنجزته الثورة الاشتراكية في روسيا وفي الصين، نجدها مبثوثة في مقاطع النصوص التالية: [كنت وجدت في عد\د يناير العام 88 لقاء للمسرحي الأمريكي آرثر ميللر مع المؤرخ الماركسي ايريك هوبسبوم قال فيه: "على أية حال فان المشروع الماركسي برمته اتخذ منحى مختلفاً عندي حيث أن البلدان من ا الصين الى روسيا الى اوربا الشرقية باشتثناءآت نادرة – كانت بلداناً إقطاعية.." إلى قوله " .. وهكذا جاز لي أن أتساءل عما إذا كان ماركس يتفاعل دون أن يدري بمرحلة ما قبل الراسمالية"] تساؤل النصيري في محله تماماً وينفذ إلى قلب سؤال تقييم التجربة الاشتراكية من الاتحاد السوفيتي إلى الصين مروراً بيوغسلافيا ورومانيا وكوبا وفيتنام وكوريا الشمالية. فالقاسم المشترك بين كل تلك التجارب أنها حدثت في بلاد كانت تعيش في مرحلة الانتقال من الاقطاع إلى الرأسمالية، أي أن الرأسمالية فيها كانت "ما تزال طفلاً يحبو" بحسب التعبير الذي استلفه النصيري من لغة حفلات العرس في السودان، قبل الانقاذ طبعاً. وفي الحقيقة أن ما تمّ في تلك البلاد هو قطع التطور الرأسمالي القائم على حرية رأس المال وإستبداله بتطور رأسمالي آخر قائم على رأسمالية الدولة الاحتكارية كما أسماها الاشتراكي البريطاني توني كليف منتصف القرن الماضي. وهي في تقديري تسمية تعبر عن واقع الحال حيث أن ملكية وسائل الانتاج تحولت من أيدي الأفراد إلى جهاز الدولة البيروقراطي الذي استخدم جهاز الدولة لقمع كل الأصوات المناوئة بل حتى قمع النقابات العمالية كما تابعناها في بولندا والآن في الصين التي حزبها الشيوعي "يتيح للمناجزات الرأسمالية الوافدة عمالة رخيصة حتى تتدنى الأسعار فيما العمال محرومون من حق التنظيم" النصيري في استعراضه، يذكرنا عثمان جعفر النصيري بجيل الشيوعيين الأوائل "يوسف عبد المجيد وَكامل محجوب والحاج سليمان وإبراهيم حاج عمر وآخرين.." وتفانيهم في نشر الوعي والتنظيم وسط فئات مجتمعنا الأقل حظاً في التعليم، فئات المزارعين والعمال الزراعيين، في مآثرهم ونمو معارفهم العضوي الذي يمزج النظرية بالعمل وينزل بالخيال الثوري الحالم لأرض الواقع القاسي. وأجزم أن النصيري يعرف مآثر بناة التنظيمات النقابية وسط العمال الشفيع أحمد الشيخ وقاسم أمين والحاج عبدالرحمن وآخرين، لكن ربما لم يتسع له المجال للتطرق إليهم أو أن تجاربه جُلها مرتبطة بحركة المزارعين، وذلك لا ينقص من جهده شيئاً بل ربما يستدعى الكتابة من آخرين. عدلان أحمد عبدالعزيز