بيان من وزارة الثقافة والإعلام والسياحة حول إيقاف "لينا يعقوب" مديرة مكتب قناتي "العربية" و"الحدث" في السودان    يرافقه وزير الصحة.. إبراهيم جابر يشهد احتفالات جامعة العلوم الصحية بعودة الدراسة واستقبال الطلاب الجدد    المريخ يكسب تجربة البوليس بثلاثية و يتعاقد مع الملغاشي نيكولاس    حسين خوجلي يكتب: السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    البرهان يصدر قراراً بتعيين مساعد أول للنائب العام لجمهورية السودان    راشفورد يهدي الفوز لبرشلونة    ((سانت لوبوبو وذكريات التمهيدي يامريخاب))    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    نوارة أبو محمد تقف على الأوضاع الأمنية بولاية سنار وتزور جامعة سنار    قبائل وأحزاب سياسية خسرت بإتباع مشروع آل دقلو    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    ما حقيقة وصول الميليشيا محيط القيادة العامة بالفاشر؟..مصدر عسكري يوضّح    "المصباح" يكشف عن تطوّر مثير بشأن قيادات الميليشيا    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفكرتي: وادي سيدنا الثانوية (3): اول مقابلة صحفية مع خواجه واشنطن: محمد علي صالح
نشر في سودانيل يوم 05 - 01 - 2017

في سنة 1960، وانا في السنة الثالثة في مدرسة وادي سيدنا الثانوية، بدات كتابة مذكرات يومية. لم تكن منتظمة، وكانت تتوقف شهورا. واحيانا سنوات.
لكن، تستمر حتى اليوم. بعون من الله. يوجد بعضها في مفكرات مكتبية، وبعضها في مفكرات جيب، وبعضها، مؤخرا، في الكمبيوتر.
ليست هذه اشياء شخصية، بقدر ما هي مواضيع وقضايا وطنية واجتماعية (مع اضافات، وبتصرف):
اولا: سنوات وادي سيدنا الثانوية (قروى في المدينة. مدرسون بريطانيون. مظاهرات ضد دكتاتورية عبود).
ثانيا: سنوات جامعة الخرطوم (اسلاميون وشيوعيون واشتراكيون. ثورة اكتوبر. نفاق الصفوة).
ثالثا: سنوات صحيفة "الصحافة" (عرب او افارقة؟ مع الشرق او مع الغرب؟ تقليديون او علمانيون؟ مدنيون او عسكريون؟ رجال او نساء؟ شماليون او جنوبيون؟ حرية او لا حرية؟ المجئ الى امريكا).
-------------------
18-1-1960
الخواجه والشيخ:
انتصرت، مرة ثانية خلال اسبوع، داخلية "عبد الرحمن الداخل" على داخلية "ود البدوى." هذه المرة في كرة السلة. كنا انتصرنا في كرة القدم. وكان النصران مفاجئين، لان "الداخل" كانت في اخر القائمة الرياضية للداخليات.
قاد مشجعى "الداخل" البريطاني بوثويل، استاذ الرياضيات، والمشرف على الداخلية. وقاد مشجعي "ود البدوى" الشيخ احمد المصطفى، استاذ الدين، والمشرف على الداخلية.
كان الخواجه هادئا في التشجيع، لكن، كان الشيخ متحمسا لدرجة التوتر.
قبل بداية المباراة، جمع الشيح فريق "ود البدوى"، وقدم له نصائح دينية، وكانه في حصة دين. وختمها بالدعاء، وقراءة سورة الفاتحة.
في الجانب الاخر، قال بوثويل كلمات تشجيع قليلة لفريق "الداخل." تحدث بالانجليزية، واستعمل عبارات عربية قليلة، مثل: "يلا، نجيب الكأس" و "شدى حيلك." وختمها قائلا: "قود لاك"(حظا سعيدا).
عندما انهزم فريق احمد المصطفى، غضب غضبا شديدا:
اولا، اتجه نحو الحكم، وصاح: "تنحاز للخواجه الكافر ضد المسلمين؟ انت مش مسلم؟ انت ما تخاف الله؟"
ثانيا: اتجه نحو بوثويل، وصاح: "يا خواجه، يا كافر، يا نصراني، يا حطب النار."
صار وجه بوثويل احمرا. ربما لكثرة غضب احمد المصطفى. وربما خوفا من ان يهجم عليه. وكاد احمد المصطفى يفعل ذلك، لولا تدخل بعض الطلبة.
غضب احمد المصطفى لسببين: الهزيمة، وهتاف "هيب هيب هوراي" الانجليزى الذي ردده بوثويل معنا. حسب الطريقة البريطانية، هتف بوثويل: " هيب، هيب"، وهتفنا نحن: "هوراي." وكررنا الهتاف مرات كثيرة، وزاد ذلك غضب احمد المصطفى.
قال ان الهتاف "هتاف كفار." ويردده "الكفار" عندما يسكرون حتى الثمالة. ويختلط فيه الرجال والنساء "المنحلين اخلاقيا."
يبدو انه، وهو مدرس الدين، احس بوجود "هجمة مسيحية" عليه. وصار المكان وكانه بداية حرب دينية.
----------------------
"هيب هيب":
في اليوم التالي، في حصة الرياضيات، سال بوثويل الطلاب من داخليتى"الداخل" و "المختار" عن سبب هيجان احمد المصطفى.
وقلت انا ان السبب هو هتاف "هيب هيب هواري" البريطاني. وان احمد المصطفى، وهو متدين جدا، نعم، احس بوجود "هجمة مسيحية" عليه.
استغرب بوثويل، ودافع عن الهتاف. وقدم خلفية تاريخية له:
قال انه "انجليزى عريق" (القرن 18). تعنى كلمة "هيب" كلمة "انتبه"، مثلا، اثناء حديث، او نقاش. ثم اضيفت كلمة "هوراي" (القرن 19). وتعنى "انتصرنا." كان الهتاف يردد في الحانات والبارات، ثم انتقل الى الميادين الرياضية.
اثناء النقاش في الفصل، تدخل محمد الحسن، شايقى متدين. ودافع عن احمد المصطفى. قال انه كان محقا عندما وصف الهتاف بانه "هتاف خواجات عندما يسكرون."
(في الاسبوع الماضي، بحثت عن هتاف "هيب هيب هوراي" في الانترنت. ووجدت انه، نعم "انجليزى عريق."
ووجدت، ايضا، خلفية دينية لا اتذكر ان بوثويل قالها لنا. بدا الهتاف وسط المسيحيين في اروبا مع بداية الحروب الصليبية (القرن 12). كان اصل الهتاف هو: "هيروسليما يست بيرديتا" باللغة اللاتينية. ويرمز له بالاحرف الثلاث: "ه" و "ي" و ب." ومعناه: "القدس ضاعت منا"، اشارة الى سيطرة الخلافة التركية على القدس في ذلك الوقت).
هل كان احمد المصطفى يعرف ذلك؟
----------------------
22-1:
مقابلة صحفية:
طلب منى المسئولون عن صحيفة الحائط في داخلية "الداخل" اجراء مقابلة صحفية مع بوثويل. لانه المشرف على الداخلية، وبمناسبة الانتصارين على داخلية "ود البدوى."
كانت تلك اول مقابلة صحافية اجريها مع خواجه.
بعد فترة، عاد بوثويل الى بريطانيا. وجاء البريطاني هارفي، استاذ اللغة الانجليزية، وصار مشرفا على داخلية "الداخل." واجريت معه، ايضا، مقابلة صحفية لصحيفة الحائط.
كان بوثويل كبيرا فى السن، ومتشددا، ومن حزب المحافظين. وكان هارفي شابا، ومنفتحا، ومن حزب العمال.
في الحالتين، لم اصدق نفسى وانا اتكلم مع خواجه في موضوع غير الدراسة. احسست بمزيج من الانبهار (مقابلة خواجه)، ومن الخوف (بسبب لغتى الانجليزية الضعيفة، وبسبب الهالة، والعظمة، والقوة، والجبروت، الذي كان يحيط بالخواجات في ذلك الزمان، وفي ذلك المكان).
ولم يساعدني زملاء في غرفتى في الداخلية:
قال عثمان الدنقلاوى: "امشى كسر راس الخواجه بالانجليزى حقك المكسر."
وقال حسن الشايقي: "يا بختك، تمشى تشوف الخواجيه."
وقال عبد المنعم، الامدرماني الراقي: "خلى بالك، ما تتاخر. مواعيد الخواجات ما زى مواعيد السودانيين."
----------------------
27-1
"بنكشواليتى":
يا ليتنى نفذت نصيحة عبد المنعم.
عندما اقتربت من منزل بوثويل (كانت مدارس المدرسين البريطانيين على ربوة عالية تطل على الميادين الرياضية، ونهر النيل)، كنت متاخرا. ثم تذكرت انى احضرت الكراسة، لكن، نسيت القلم. وعدت الى الداخلية.
عندما وصلت، اخيرا، الى منزل الخواجه، كان يجلس مع زوجته في فناء المنزل، ويشربان شاى العصر. ودخلت انا في مزيج من التوتر، والتلعثم، والتخبط.
رحبا بى في هدوء، وبكلمات محدودة، وكانهما حسباها حسابا.
لكن، اعطاني الخواجه درسا في "بنكشواليتي" (الالتزام بالمواعيد). بدا، وشرح معنى الكلمة، بعد ان احس بانى لا اعرف ماذا يقصد. وعلمنى كلمة اخرى: "تاردينيس" (عدم الالتزام بالمواعيد).
كانت الكلمتان اول ما كتبت في الكراسة، قبل كتابة المقابلة الصحافية. تابعنى وانا اكتب الكلمتين، وساعدني في تهجئة كل كلمة.
الحمد لله، لم يطلب منى ان اكتب كل كلمة 100 مرة.
ثم قال: "نهتم نحن، كل البريطانيين ، بالمواعيد. لكن، انا من اسكتلندا، ويهتم الاسكتلنديون بالمواعيد اكثر من بقية البريطانيين."
وقال: "يقول مثل انجليزى: الالتزام بالمواعيد ادب الملوك، وواجب الرعية."
وشرح انواع الالتزام بالمواعيد:
اولا: اذا حفل استقبال مستمر، تاتي في اي وقت.
ثانيا: اذا مسرحية، تأتي قبل الوقت المحدد.
ثالثا: اذا وجبة، او شاي، تأتي في الوقت المحدد تماما (حتى لا يبرد الطعام، او الشاي).
----------------
"افترنون تي" (شاي العصر):
اول مرة، شاهدت عادة "افترنون تي" (شاى العصر) عند البريطانيين في قريتى، على نهر النيل (وادي حاج، قرب ارقو، الولاية الشمالية).
عندما ترسو باخرة تحمل مفتشا بريطانيا، نجلس نحن الاطفال على التراب قرب الباخرة. ونتامل الخواجه والخواجيه من بعيد، فوق سطح الباخرة، مع غروب الشمس، يشربان الشاي. ويخدمونهما الخدم السودانيون. ويرفرف فوقهما العلم البريطانى.
لحسن حظى، كان شقيق جدتي (التى ربتنى) شاويشا يرافق المفتشين البريطانيين. احيانا، عندما ترسو باخرة المفتش امام منزل جدتي (على بعد خطوات من نهر النيل)، كانت تكرم شقيقها بعشاء تذبح فيه دجاجة.
وكان يكرمها ببسكويت من الباخرة، في علبة صغيرة، مرسومة عليها حافلة لونها احمر ومن طابقين (بسكويت "ووكرز").
حتى بعد رحيل البريطانيين، صار "افترنون تي" عادة في منزلنا، وفى منازل اخرى. وصار، مع غروب الشمس، عشاء (مع بسكويت بلدى، او خبز جاف).
لكن، بعد 10 سنوات تقريبا، في منزل بوثويل، كان "افترنون تي" حقيقيا. كان انواعا مختلفة من البسكويت، والكيك، والكعك، والساندوتشات الصغيرة.
عندما لاحظ بوثويل دهشتى، شرح لى انواعها. وعندما قال: "هذا بسكويت ووكرز"، دق جرس في راسي: هذا هو بسكويت الباخرة البريطانية!
وافتخر بوثويل الاسكتلندي بان البسكويت اسكتلندي. وسارعت زوجته (الاسكتلندية ايضا) الى المطبخ. واحضرت علبة مرسومة عليها حافلة لونها احمر، ومن طابقين. ومرة اخرى، دق جراس في راسي: هذه هى العلبة!
قلت له، في مزيج من الاعتذار والخجل: "بسبب الفقر في قريتى، حل شاي العصر محل وجبة العشاء." وقال هو ان البريطانيين يسمون شاي العصر "تى ميل" (وجبة الشاي). وهي "وجبة خفيفة"، بين الغداء والعشاء.
ولم اقل اي شئ.
لم يكن الشائ جزءا من مقابلتى الصحفية. لكن، تطوع بوثويل، والقى على محاضرة قصيرة عن العلاقة القوية بين البريطانيين والشاي. قال ان المكتشفين البرتغاليين اكتشفوا الهند (القرن 16)، ووجدوا الشاي، ونقلوه الى اروبا، واحبه البريطانيون كثيرا. وكان دليلا على الحياة الارستقراطية. وكان من اسباب استعمار بريطانيا للهند، بداية بشركة "الهند الشرقية البريطانية" (القرن 17).
وقال بوثويل انه اشترى الشاي من متجر "توايننق" في لندن (تاسس في القرن 18). وتباهي بان كثيرا من البريطانيين في السودان يشترونه من متاجر في الخرطوم، وهي "ربما لا تبيع الشاي الاصلى."
-----------------------
بعد 50 سنة:
قبل 3 سنوات، زرت بريطانيا لاول مرة، مع سياح امريكيين. وفي جولة في لندن، مرت الحافلة باماكن تاريخية. مثل: قصر باكينقهام، والمتحف البريطاني، ومتحف فكتوريا والبرت، ومتجر "توايننق" لبيع الشاى. وقصت المرشدة السياحية البريطانية قصة المتجر (تاسس في القرن 18). وتذكرت ما قال لى بوثويل قبل 50 سنة تقريبا.
رتبت المرشدة السياحية البريطانية "افترنون تي" (شاي العصر) في "تي روم" (مطعم شاي) في لندن. ووزعت علينا ارشادات عن اتيكيت شراب الشاي. (واحدة من محاولات البريطانيين للاستعلاء على الامريكيين).
هذه بعض الارشادات:
اولا: لا تشرب الشاي بدون لبن (سيكرهك البريطانيون!).
اولا: لا تصب اللبن في الكوب، ثم تصب الشاى (افعل العكس).
ثانيا: لا تترك الملعقة في كوب الشاي (ضعها في صحن الكوب).
ثالثا: لا تحدث صوتا وانت تشرب الشاى (تمهل).
رابعا: لا تغمس البسكويت في الشاي ...
قرا سائح امريكي هذه النصيحة الاخيرة. وضحك، وقال للمرشدة السياحية البريطانية: "عندما تزورين امريكا، سادعوك الى مقهى "دنكان دونتز." (يعنى الاسم: "اللقيمات التي تغمس" في القهوة، او في الشاي).
----------------------------
المقابلة الصحافية:
سالت الخواجه اسئلة ودية عن اصله وفصله.
درس في جامعة اكسفورد، وعمل استاذا في نيجريا (مستعمرة بريطانية). ثم نقل الى السودان. ويعتقد انه اما سينقل الى يوغندا (مستعمرة بريطانية)، او الى وزارة التربية في بريطانيا، وانه ينوى التقاعد مبكرا.
عندهما ولد وبنت، كبرا في السن، فارسلاهما الى بريطانيا للدراسة.
كانت هذه المقابلة الصحفية بعد اربع سنوات من استقلال السودان. قل كثيرا عدد البريطانيين العاملين في السودان، بما في ذلك اساتذة مدرسة وادي سيدنا الثانوية. لهذا، ربما خوفا، او احتراما، تحاشيت الاسئلة السياسية، والاسئلة عن الاستعمار البريطاني. وسالته اسئلة عامة عن رايه في السودانيين.
مما قال:
اولا: انتم السودانيون بدويون ورعيون في خلفيتكم الثقافية. ويؤثر هذا كثيرا عليكم، سلبا وايجابا:
في جانب، لا تقدرون اهمية الوقت. ولا تلتزمون بالجدية في التصرفات والمعاملات. (لم يستعمل كلمة "كسالى").
وفي الجانب الاخر، تحرصون على العلاقات الانسانية والعائلية القوية جدا. لكن، يكون هذا، في حالات كثيرة، على حساب الوقت، والعمل.
ثانيا: انتم الطلاب السودانيون هنا في وداي سيدنا الثانوية صفوة المجتمع السوداني. نسبتكم قليلة جدا بالمقارنة مع الذين في اعماركم، ويعملون في الرعي والزراعة، ولا يعرفون حتى القراءة والكتابة. ويزيد هذا من المسئولية الوطنية عليكم. لانكم ستكونون الصفوة الحاكمة.
ثالثا: عندما اعود الى بريطانيا نهائيا، ساتذكر سنواتي هنا معكم. وساتابع كيف تسيرون، وانتم شعب حديث عهد بالاستقلال. وربما ساكتب كتابا عنكم.
(فى الاسبوع الماضي، بحثت عنه في الانترنت. وعرفت انه اسكتلندى. لكن، لم اجد ما يدل على انه كتب كتابا).
-------------------
"كيو" (الصف):
بعد ايام قليلة من المقابلة الصحفية، شاهدت بوثويل يقدم درسا اخرا عن التقاليد البريطانية:
كان الطلبة يذهبون الى مكتب امين المدرسة لاستعمال التلفون الوحيد (القديم) الذي يسمح به امين المدرسة. وفقط يومي الخميس والجمعة.
كنا واقفين في صف طويل، كل واحد ينتظر دوره. وجاء بوثويل ليتحدث فى التلفون، وتراجعنا كلنا، ودعوناه ليتكلم قبلنا. رفض، وذهب ووقف في نهاية الصف. لكن، عندما الححنا عليه، قال: "اعدكم بانى ساتكلم دقيقة واحدة فقط."
تحدث مع شخص في الخرطوم عن لقاء في الاسبوع القادم. وانهى الحديث في دقيقة، وربما اقل من دقيقة.
وغمز بعين، وقال لنا: "لو تكلم كل واحد منكم دقيقة واحدة، ما كان هذا الصف طويلا." ثم ضحك، وقال: "لكن، لا باس عليكم، تحافظون على "الكيو" (الوقوف في صف).
ثم القى علينا محاضرة قصيرة عن "الكيو" (يسميه الامريكيون "لاين"). قال ان البريطانيين اول من "اخترعه." في منطقة "ويمبلدون" في لندن (القرن 19): في ميدان التدريب على اطلاق النار، ثم في محطة السكة الحديد، عندما وصل اول قطار مسافرين الى لندن. ثم في ملعب التنس.
وتحدث، وهو استاذ الرياضيات، عن نظريات ولوغريثمات عن الصف: انواعه، سراعته، اتجاهاته، زواياه، الخ ... لكن، يبدو انه احس بعدم اهتمامنا باللوغريثمات و "ويمبلدون"، فودعنا، وانصرف.
(قبل 3 سنوات، عندما زرت بريطانيا لاول مرة، مع سياح امريكيين، طافت بنا الحافلة احياء لندن. ووقفت قليلا امام ملعب التنس في "ويملبدون"، حيث تقام منافسات سنوية هي الاشهر في العالم. وتحدثت المرشدة السياحية البريطانية عن تاريخ الملعب. وتذكرت ما قال لنا بوثويل في مدرسة وادي سيدنا الثانوية قبل 50 سنة تقريبا).
=================
الحلقة القادمة: مقابلة صحفية مع الشيخ احمد المصطفى "الهيولة"
================
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
MohammadAliSalih.com
Facebook/Mohammad Ali Salih


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.