معلومٌ انّ دارفور في مرحلة من المراحل إبان فترة حكم الدولة المهدية وبسبب استنفار الناس للهجرة واللحاق بالمهدية ثم الوباء الذي لحق بجيش عثمان جانو في دافور اضافة للقحط الذي ضرب الإقليم ثم ظهور ارهاصات الغزو الانجليزي وما استدعى ذلك من حشد للجيوش في ام درمان استعداد اً لملاقاة الغزاة ، كل ذلك انسحب سلباً على السلطة المركزية في الفاشر العاصمة بل أصبحت خواء ولم تعد هناك سلطة قابضة تجمع شتات اهل دارفور ولم يَعُد هناك من يأتمر الناس بأمره . قيل ان السلطان ( أب ريشه ) سمع عن الحال التي آلت اليها دارفور وان الامر قد ازعجه ( يُذكر انّ السلطان آبو الخيرات بن ابراهيم قرض وأتباعه وفيهم علي دينار قد مكثوا في ديار السلطان ( اب ريشه ) زهاء ثماني سنوات وكانوا قد وصلوا الى هناك رفضاً ومقاومةً للمهدية والتي كانوا ينظرون اليها كاحتلالٍ آخر حل محل الحكم التركي المصري الذي اسقط سلطنتهم ) لذا بعث السلطان ( اب ريشه ) من يستقصي الحال والوضع في عموم دارفور فتأكد له ما آلت اليه من خراب خصوصا انه علم من قبل بمقتل السلطان ابي الخيرات كما علم بالتحاق السلطان علي دينار بالمهدية . ومن ثم فقد حرص( اب ريشه ) لإيجاد شخص مناسب ينتمي لأسرة سلاطين الفور لتقديم العون والمساعدة له للقيام بإدارة شئون دارفور فقيل انه جمع بعضاً من رعايا دارفور الموجودين في دياره في ذلك الوقت مستفسرًا اياهم ان كان من بينهم من يمت بصلة لسلاطين الفور لإسناد المهمة له ، فبرز حسين ابو كوده ذاكرا انّ جدته لامه هي ابنة السلطان تيراب وفي تلكم الجلسه بُوركت له المُهمة ثم تهيأ للتوجه الى الفاشر .عند تحركه ووصوله الى نواحي ( كاس ) و ( حامية رو توكي ) أحيط السلطان ابو كوده علما بوجود مجموعه كبيره من الكيرا في منطقة كيلا فخشي القدوم اليها في طريقه آلى الفاشر ، لذا ارسل مندوبا له يُدعى ( تُلي كوي ) لمقابلة اهل وأعيان كيلا لإبلاغهم بموضوع قدومه بحيث اذا قبلوا الفكرة فسيقدم اليهم لإتمام الامر والا فإنه سيرجع . وبالفعل فقد وصل المندوب الى كيلا وعُقدت مشورة ضمت كلاً من عبدالرسول علي ، وإسماعيل ابو سده ، ومحد دُرل وبعض القيادات من مناطق اخرى مثل العمدة مُسبت من ( ام لساكت ) ، وود كُتيه من ( جينانك ) ، وصابون وخليل ... وآخرين ووافقوا على قدوم ابو كوده والذي قدم اليهم في كيلا وكان نُزله في المكان المعروف ب (بوباية ) ابو كوده على الشمال الغربي من قرية كيلا الحالية وأبلغوه قبولهم له للقيام بالمهمة لكن اشترطوا عليه ان يكون نائبه من اهل كيلا واختاروا لذلك اسماعيل أبو سده ( جد العمدة رشيد ادم اسماعيل ) وجلس ابو كوده وجماعته ايام قليله في كيلا تحرك بعدها صوب الفاشر وتقّلد فيها المهام . غير انهم لم يمكثوا فيها سوى واحد وأربعون يوما حتى وصلهم نبأ قدوم السلطان علي دينار من ام درمان ووصول موكبه الى( جبل حله ) . هنا يُقال انّ الكيرا قد نكثوا بيعتهم للسلطان حسين ابو كوده ونائبه اسماعيل ابو سده ، فأرسلوا محمود ( جد فضل ابو سونجا ) ليُبّلغ السلطان علي دينار ببيعتهم له وإبلاغه بأنّ ثبات الامر له لن يتحقق ما لم يقضِ على اسماعيل ابو سدّه وبالفعل فقد ذهب محمود وقابل السلطان علي دينار وقضى عنده بضع ايام ثم عاد الى الفاشر . لم يمضِ وقت طويل بعد عودة محمود حتى سُمع في احدى الصبحيات صوت النحاس الى الشرق من الفاشر فعلم الناس بمقدم السلطان وأصيب الكثيرون بالذعر فخرجوا من الفاشر صوب ( القيزان ) . اما ابو كوده فقيل انه سعى لتحريض الكيرا لمقاومة ومقاتلة السلطان علي دينار الا انهم رفضوا وقالوا له : أنّ الرجل منا وولّينا فكيف نقاتله ، فلم يجد أبو كوده سبيلا سوى الهرب في اثنين من اتباعه هو ثالثهما . في هذا الظرف المشحون تحدث اسماعيل ابو سده وأبدى رغبته في الذهاب لملاقاة السلطان علي دينار رُغم انّ عبدالرسول علي حذّره قائلاً له ما معناه : ليس من الحكمة ملاقاة -رأس الحربه - ( كناية عن نذر الشر ) . قال له : لا تذهب لملاقاة السلطان علي في هذا الظرف المشحون ولكن دعونا نذهب وننزل في ( شالا ) ، وحالما يصل السلطان علي ويستجم نذهب لملاقاته في اليوم التالي حسب تقديرنا للظرف . إلا ان اسماعيل ابو سده ومعه الشرتاي ودكُتّيه ( شرتاية جينانك ) أبديا الرغبة للمضي لملاقاة السلطان فاقتطع اسماعيل غصناً اخضر حمله في يده واقتاد حصانه وتوجها وزميله قاصدين ملاقاة السلطان علي ، غير أنّ ( ود كُتيه ) رجع في منتصف الطريق فلم يُكمل وواصل ابو سده السير الى ان اشرف على الموكب والذي ترآى له من بعيد مكتظاً بالجند والدواب وتعلوه الرايات ، وقبل ان يبلغ موقع الحشد أمسك به شخصان تجاذبا معه أطراف الحديث ، ثم قدم شخص ثالث يُسمى (بروس) ، فما أن علم بروس بأنّ القادم هو اسماعيل ابو سده حتى قال : انت ابو سده خال السلطان فأطلق عليه النار فأرداه قتيلاً ، فلما علم السلطان علي دينار بالواقعة امر على الفور بقتل بروس . هكذا وقع ما كان يحذر عبدالرسول علي ، اما اثر هذه الواقعه فقد كان كالصاعقة على أعيان ومواطني كيلا الذين هرعوا الى الجبال المحيطة خوفا من ان يلحق بهم بطش السلطان علي دينار والذي أُشيع انه قتل أب سده . لذلك وبعد ان لاحظ السلطان غياب اهل كيلا عن المشهد خصوصا أنه على علم بأنّ عددا من أعيانهم كانوا في الفاشر حتى قُبيل وصوله اليها ، انتدب وزيره الاول المقدوم ادم رجال بعد عشرة ايام من وصوله الى الفاشر ، انتدبه للتوجه الى كيلا لمقابلة أعيانها واهلها وإفهامهم أنه لا صلة له بمقتل ( أب سدّه ) وأنه قد قام بقتل القاتل وبالتالي فهو يدعوهم للذهاب الى الفاشر لإقامة مناسبة ( كرامه ) ودعاء ( لأب سده ) .قِيل انّ المقدوم ادم رجال ذهب الى كيلا في اثنتي عشرة حصاناً فلم يجد اَهلها باِدئ الامر الا من خلال تتبع آثار لاحظوها في مورد ماءٍ كانوا يرتادونه . وبالفعل فقد قادتهم تلك الآثار الى بعضٍ منهم وكان السلطان قد املى المقدوم ادم رجال اسماءً للسؤال عنها والإتيان بها الى الفاشر كان من بين هؤلاء الميرم ام دريس (والدة العمدة ادم مكي ) ، الميرم شرفية ، الميرم مريم جبجب ، عبدالرسول علي ، محمد دُرل ، سليمان ابو فايقه ، محمد دورانج ... وآخرين . ذهب هؤلاء في رفقة المقدوم ادم رجال بعد ان تهيأوا وقابلوا السلطان علي دينار فأكرم وفادتهم ورجعوا الى كيلا بعد ان أقاموا (الكرامة ) والدعاء (لاب سده) - رحمهم الله جميعاً . وقد وعد السلطان علي بزيارتهم في كيلا والتي زارها بالفعل بعد شهر من وصوله الى الفاشر . في هذه الزيارة الاولى أمر السلطان علي ببناء قبة والدته في قرية ( اب جلدي ) - شمال شرق الملم ، ثم ذهب الى شاواية فامر ببناء منزل له في الموضع الذي وُلد فيه كما امر الإتيان بثمانية مشايخ من مشيخات البرقد لاعمار منطقة شاواية والتي أمّها الكثيرون طول حقبة السلطان على دينار وكانت بمثابة منتجع وعاصمة ثانية يقصدها السلطان علي دينار بانتظام في كل عام ولو قُدِّر للسلطنة التي آثرت الوقوف الى جانب دولة الخلافة الاسلامية في تركيا إبان الحرب العالمية الاولى ان تستمر ، لكان لقرية ( شاواية ) اليوم شأنٌ عظيم . هذا وقد بنى فيها السلطان علي دينار مسجداً كبيرا اسمه (مسجد القمير ) اوفد اليه العلماء والمشايخ لتعليم الناس شئون دينهم ولا تزال آثار هذا المسجد باقية آلى يومنا هذا ، ونتمنى ان تُولى الدولة وكذلك احفاد السلطان وعلى رأسهم السلطان احمد دينار ، هذه الآثار الأهمية بتوفير الدعم المالي لصيانتها وترميمها خصوصا أنّه تجري هذه الايام احتفائيات بمئوية السلطان علي دينار ، لذا فمن الوفاء الاهتمام بتلكم الآثار والتي قد تكون لها صور ومشاهد في دور الوثائق التركية يمكن ان تساعد في عملية ترميمها . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.