بينما سجل أبناؤنا، وبناتنا، أروع صور البطولة، ورفعوا رأس السودان عالياً بين شعوبالأرض، ومهروا الثورة الفتية، بدمائهم الزكية، وكتبوا سطراً جديداً، من العزةوالخلود، في تاريخ هذا الشعب الأبي، نرى ايضاً على الساحة السودانية، صوراً بغيضة،من التخاذل المخزي، والتهاون المزري، ومناصرة القتلة، والدفاع عن من سفكوا دماءالابرياء !! لقد استمعنا للإستاذ علي السيد، ممثلاً للحزب الاتحادي الأصل، فيقناة ال (آي. ان. ان) فقال ان لجنة الحزب قررت بالاجماع الخروج من النظام، لأنه قتلالشعب السوداني، ولأنه أخلف العهود التي قطعها مع حزبهم، حين رضوا بمشاركته فيالسلطة .. ورغم ان اللجنة العليا التي تتكون من حوالي ثلاثين عضواً، قد اتخذت هذاالقرار بالإجماع، إلا أنهم لن يستطيعوا الخروج من الحكومة، ما لم يوافق رئيس الحزبالسيد محمد عثمان الميرغني !! وهم منذ ان رفعوا قرارهم لسيادته، ينتظرون رده، ولميجئ ذلك الرد، الذي ينتظره الشعب السوداني أيضاً بما فيه أسر الشهداء !! والسيدمحمد عثمان الميرغني لا يجيب لجنة حزبه، ويتلكأ في الرد عليهم، وينظر الى المظاهراتفي الشارع، من موقعه خارج البلاد.. فإذا إزدادت، وعمت جميع المدن، وشعر بعجز النظامعن ايقافها، ودنوه من الزوال، وافق على انسحاب حزبه من الحكومة !! أما اذا نجحالقتل المتطرف، وانتصر الاخوان المسلمون، واسكتوا صوت المعارضة، لم ينسحب منالحكومة، واقنع اتباعه، بأن الوضع كما هو فلا داعي للانسحاب !! والسؤال الذي يواجهالاستاذ علي السيد، وامثاله من المثقفين في الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، هوماذا لو رفض السيد محمد عثمان الميرغني الخروج من النظام ؟! هل سيصمتوا على ما جرىمن تقتيل، واهدار لدماء هؤلاء الشباب، ويستمروا في مشاركة القتلة في الحكم؟! أما السيد الصادق المهدي، فموقفه اسوأ، لأنه اتسم بالمخادعة والتذبذب، فهو لميشارك بحزبه في حكومة الاخوان المسلمين، ولكنه شارك بما هو أعز عليه من حزبه، شاركبولديه !! ثم رفض مطالبة الجبهة الثورية باسقاط النظام، ودعا بدلاً عن ذلك إلىاصلاحه !! وحين اشتدت المظاهرات، وشارك فيها شباب حزب الأمة، دعاهم لتهدأة الوضع !! وحاول تصفية الثورة، بطرحه لما أسماه المقاومة السلمية، عن طريق فكرة "تذكرة" اسقاطالنظام بالتوقيعات !! ثم زعم أنه سيدعو الى الإعتصام بالميادين في المستقبل !! وكانهدفه من كل هذه المراوغة، أن يقدم خدمة جليلة لحكومة الاخوان المسلمين، ويشارك معإبنه في مساعدة رئيس الجمهورية !! ويظل في نفس الوقت، زعيماً للمعارضة، مستعداًللحكم، متى ما قدم الشباب عدداً من الشهداء كافياً لإسقاط حكومة الاخوان المسلمين !! لماذا لم يقد السيد الصادق المهدي المظاهرات، التي خرجت من مسجد السيد عبدالرحمن المهدي ؟! لماذا لم يدع ولديه للخروج من النظام، الذي قتل أكثر من 200سوداني في أربعة أيام، وأعتقل وعذب أكثر من 2000 من المواطنين، من ضمنهم بعض شبابحزب الأمة ؟! إن كلا الميرغني والمهدي، ينتظران هؤلاء الشباب ليضحوا بأرواحهم،ويطيحوا بالنظام، وحين يسقط النظام، يهرعا ليحكموا باسم الجماهير، التي خذلواثورتها !! ولو حكموا لمارسوا الفشل الذي أدمنوه، وكان السبب الرئيسي في مجئالدكتاتوريات العسكرية. ومهما تكن دوافع الاصلاحيين من الاخوان المسلمين، فقدسجل شباب "السائحون" موقفاً مشرفاً بإدانة القتل، والوقوف مع ثورة الشعب.. كما فعلذلك د. غازي صلاح الدين، ومن رفعوا معه مذكرة للرئيس، تدين ما حدث من قتل لأبناءهذا الشعب، الأمر الذي عجز عنه ابن الميرغني وابن المهدي!! ما الذي يجعل أيسوداني، يرضى بان ينكسر بالطمع والخوف ؟! كم سيعطونه وماذا سيعطونه ليبيع ضميره،ورأيه، وموقفه بهذه الصورة ؟! بماذا يرهبونه للحد الذي يجبرونه ان يقف ضد أهله، وضدشعبه، وضد الانسانية، ليقتل الأطفال والشباب، ويعتدي على النساء والشابات بهذهالبشاعة ؟! هل رتبة أو ترقية في جهاز الأمن أو الشرطة تستحق كل هذا ؟! هل اطاعتالتعليمات بقتل العزل بالرصاص، من شرف العسكرية أو من دواعي الأمن ؟! هل أوامرالقادة مقدمة على نداء ضمائركم ودماء ابنائكم وأهلكم ؟! هل ضرب النساء، وإهانتهن،والتحرش بهن، والإساءة إليهن، بالألفاظ النابية، التى يندى لها جبين الرجل الكريم،مكرمة يستوجبها شرف الجندية أم إنه إنكسار الرجال ؟! لم تفعل الصيدلية سمرميرغني، أكثر من محاولة تصوير مظاهرة في بحري، وهي تقف امام بيتها.. وفي تلكاللحظة، ضرب شاب بالرصاص، فصورت سمر المشهد، فهجم عليها رجال الشرطة، واوسوعهاضرباً، واختطفوها عنوة، الى مركز الشرطة، حيث واصلوا ضربها، وتعذيبها بصورة وحشية،ظهرت حين كشفت سمر الشجاعة، ما تستطيع ان تكشف من جسدها، لقناة العربية .. ورغم هذهالجريمة النكراء، التي قام بها رجال منكسرون، فقدوا رجولتهم، فستأسدوا على فتاة،رقيقة، مسالمة، وبطشوا بها دون رحمة، لعلهم يرضون حكومة الاخوان المسلمين، التيفارقت اخلاق الإسلام، لتحافظ على كراسي السلطة، قدموا سمر الى محاكمة، ولما لميجدوا لها جريرة، لفقوا لها تهمة من عندهم !! جاء عن ذلك ( وقال الأستاذ نبيل أديبمحامي الدفاع ان سمر بعد ان ألقي القبض عليها تعرضت للضرب وللتحرش " سمر تعرضتلتعذيب وتحرش جنسي وتهديد بالاغتصاب وهذه جرائم كلها خطيرة، صحيح نحن ليست لديناجريمة تحرش جنسي لكن في القانون هناك جريمة الأعمال الفاحشة وهذه قائمة في حقهموالمشكلة انه ليست لدى النيابة نية للتعامل معها، هذه مسألة في منتهى الخطورة اذاكانت النيابة لا تحميني" ، وأضاف " البنت قالت لا اطمئن يكون جنبي واحد من الشرطةبعد الحصل لي هذا كله منهم، والنيابة لا تحرك ساكنا، هذه قضية تحتاج لأن يصعدهاالناس لأعلى درجة لنتبين هل البلد فيها حكم قانون ولا ما فيها"... واوضح نبيلملابسات المحاكمة المفترضة اليوم واصفا إياها بالكيدية ومضيفاً بأنها تأديبيةقائلاً: "بالنسبة لهم لكي يخوفوها وجدوا في الموبايل صور بنات، فقالوا هذه صورة خليعة، ورفعوا ضدها بلاغ بموجب المادة 155 حيازة مواد مخلة بالآداب ... إنه بلاغ كيدي أو في الحقيقة الغرض منه التأديب )(حريات 6/10/2013م). لقد كان هدف نظام الاخوان المسلمين، من القهر والبطش بالرجال وبالنساء، هو ارهاب الشعب، وكانوا يظنونأنهم بضرب سمر، سيرهبون اسرتها، وجميع أهلها .. ولكن والد سمر البروفسير ميرغني أبنعوف، ألقمهم حجراً، حين قال أمام محكمة بحري ( إنتوا إفتكرتوا إني ممكن "أدسها" في البيت وأخجل منها .. لكن لو "دقيتووها" شرف وعز لينا .. ولو كنتوا "قتلتوها" شرفوعز لينا وفداء للوطن.. وأمها التي وضعت يدها في "جبص" فخر وكرامة لنا .. وأشاربسبابته لمحكمة بحري : لا أنتظر عدلاً هنا .. ولكن ليكون توثيق لكذبكم وجرائمكم .. وحتماً سوف تأتي ساعة العقاب)(حريات 7/10/2013م). هذا رجل سوداني يواجه المنكسرين معبراً عن عزة وكرامة الشعب السوداني. أي قضاة هؤلاء الذين يحاكمون الضحية ويتركون الجلاد ؟! إذا كانت الحكومة قد امرت الشرطة بضرب المتظاهرين بالرصاص، هلي عتقل المتظاهرون بحجة انهم خربوا او كسروا ؟! لماذا لا يأمر القضاة باطلاق سراح المعتقلين، ما دامت الحكومة قد امرت الشرطة بقتلهم ؟! فقد جاء (اعترف الرقيب شرطةحافظ محمد عبد الله بتلقيهم اوامر باطلاق الذخيرة الحية على المتظاهرين، وذلك امام محكمة الحاج يوسف اول أمس الخميس. وكانت المحكمة انعقدت لمحاكمة "35" وجهت لهم تهم تتعلق باثارة الشغب والاتلاف، واجلت المحكمة الى الاحد، واطلق المتهمون بعد دفع كفالة "20" مليون جنيه. وكشف محامى الدفاع عن المتهمين الاستاذ معتصم الحاج فىتصريح ل"راديو دبنقا" بانه اثناء استجواب الشاكين – الشرطة – اعترف الرقيب شرطة بمباحث الحاج يوسف حافظ محمد عبد الله بانهم تلقوا اوامر من رئاسة الشرطة باستخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين) (حريات 5/10/2013م). لماذا لا يرفض القضاة محاكمة منشاركوا في المظاهرات، بحجة ان الحكومة وجهت الشرطة لضربهم بالرصاص؟! وذلك لأنه إذاكان إتلاف الممتلكات جريمة، فالقتل جريمة أكبر منها، ولا يجوز للمجرم الكبير،معاقبة المجرم الصغير، في شرعة العدل. إن القضاة المتواطئين مع حكومة الأخوانالمسلمين، وهي تنتهك الدستور، وتصادر الحريات، وتعتدي على حقوق الإنسان، إنما هم قضاة تالفون، منكسرون، أذلهم الطمع والخوف، فتنكروا لحرمة القضاء المستقل، واصبحوافي ركاب السلطة، أداة في يدها لتعذيب، وإهانة الشعب الحر. ومن صور الإنكسارالمؤسف بعض ضباط الجيش.. فقد جاء (نشر نشطاء كلمة اللواء السر بشير حسين قائدالقوات المسلحة بنيالا أثناء اندلاع التظاهرات بالمدينة 19 سبتمبر. ويقول في كلمتهللضباط والجنود " .. المظاهرات البتتخابر مع الحركات وتقول ليهم طالعين وتعالواخاشين نيالا دي ما مظاهرة دي عمل عدائي ديل بضربوهم بالذخيرة ما بضربوهمبالسوط...)(حريات 7/10/2013م). كيف وصل هذا الرجل الجاهل الى رتبة لواء ؟! هل كل منخرج في مظاهرة سببها الغلاء، هو متخابر مع الحركات المسلحة ؟! وهل مجرد التخابر معالحركات المسلحة، جريمة عقوبتها الاعدام الفوري، في الشارع، دون محاكمة ودون تحري؟! وهل اطلاق الرصاص على مظاهرة سلمية، وما ينتج عنه من موت عشوائي، بحجة ان فيهامتخابرين مع الحركات المسلحة، عمل قانوني، أو اخلاقي، أو ديني ؟! ومن أبشعنماذج الإنكسار المنكرة، إنكسار المثقفين، الذي يعبر عنه نموذج د. عبد الله علي ابراهيم .. فهو قد كتب يدافع عن الأخوان المسلمين المصريين، يتزلف بذلك للاخوانالمسلمين الحاكمين في السودان !! وكتب مقالاً عنوانه "كلنا اخوان مسلمين" مع أنزعماء الاخوان المسلمين المصريين حين اعتقلوا انكروا انهم اخوان مسلمين !! على أنالأسوأ هو ان يظل يدافع عنهم، بعد ما فعلوه بالشعب السوداني، فقد كتب بعد اشتعالثورة سبتمبر بالسودان (وسيتعين على القوى الليبرويسارية أن تفيق من سكرة تخوينالأخوان إلى تسوية الحقل السياسي تسوية تعلو بها الإرادة المدنية على ما عداها. وسيجدون، ربما لدهشتهم، أن الجماعة قد سبقتهم إلى هذا المعنى الرهيب ودفعت المقدمثمناً ذكياً له في رابعة والنهضة. )( الجزيرة نت 1/10/2013م ). لقد بدأ د. عبد الله علي ابراهيم سقوطه هذا منذ فترة بعيدة .. ولقدسبق لي شرف التنبيه الى ذلك، قبلثلاثة سنوات، إذ كتبت (لقد دخل عبد الله علي ابراهيم في بداية حياته في الحزب الشيوعي، وخرج منه كما دخل، إذ لم تعلق بعقله أي فكرة .. وهو لهذا يكتب عن تلكالفترة، فلا يتحدث عن مفهوم، وإنما ذكريات يدعي فيها صداقة، وصلة مع المرحوم عبدالخالق محجوب، شعر كثيرون أنها تقلل من تاريخ زعيم الحزب المناضل، حتى أضطر رجلمتابع مثل المرحوم الخاتم عدلان ان يصحح ذلك الإفتراء، بمقالات مشهودة .. ثم حينعاد من إغترابه، وبدلاً من ان يقاوم نظام الإنقاذ الدكتاتوري الغاشم، أخذ يهادنه،ويهاجم المعارضة، ثم يفاجئ الناس بان يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية، وبدلاً من انيقدم برنامجه، أخذ يقدم "قرعته" يطلب من الحاضرين التبرع، حتى يستطيع ان يوفرالرسوم الكبيرة للترشيح، بدلاً من ان ينقد القانون الذي يفرض تلك الرسوم الباهظة،ولو دفعه ذلك للإنسحاب .. ثم يمنع من إقامة ندوة ضمن حملته الإنتخابية، ثم تزورالإنتخابات، فلا يدين ما حدث ضده أو ضد الشعب !! ثم هاهو يختم هذا السجل المخزي منالتخبط و" الإنبطاح" ، بالدفاع عن مخطط المؤتمر الوطني في استغلال المسيرية في حربضد دينكا نقوك، بغض النظر عن ما سوف تسفر عنه هذه الحرب من إزهاق الارواح ودمارالمنطقة .. لقد نسب الى لينين قوله " أن الشيوعي إذا سقط يسقط عمودياً والى القاع " فمتى يصل هذا "المثقف" المتهافت الى القاع، الذي ظل لسنوات يسقط نحوه سريعاً، حتى يريح نفسه، ويريح الناس من هذه الغثاثة ؟!) (الصحافة : نوفمبر 2010م). والآن بصمت د. عبد الله علي ابراهيم عن جرائم الاخوان المسلمين، وقتلهم للمتظاهرين العزل، وضربهمللنساء السودانيات، والتحرش بهن، وثناؤه عليهم، ومطالبته بعدم عزلهم في مصر، أو فيالسودان، فإنه قد وصل الى قاع السقوط والإنكسار الذي ظل يهوي نحوه من سنوات.