لم يمنع إلقاء القبض على سيدة إثيوبية زوجها من الاحتفاظ برضيعها وطفلها الأكبر الذي لا يتجاوز سنتين، إذ غادرت هذه السيدة الأسبوع الماضي البلاد. حاول زوجها الهرب بطفليه قاطعا رحلة من جدة (غرب السعودية) وحتى جازان (أقصى جنوب غربي السعودية)، ليلقى القبض عليه من قبل حرس الحدود. هذه القصة واحدة من قصص كثيرة أخرى لمخالفين حاولوا الهروب منذ بداية حملة التفتيش التي أعقبت مهلة تصحيح العمالة مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، وكانت الجهات الأمنية السعودية على الحدود مع اليمن بالمرصاد. وكشف العميد عبد الله بن محفوظ وهو المتحدث باسم حرس الحدود في جازان ل«الشرق الأوسط» أمس عن تصدي حرس الحدود لنحو 33 ألف شخص حاولوا الهروب بعيدا عن المنافذ الحدودية الرسمية. وقال المتحدث إن غالبية المحاولين من الجنسية اليمنية، «وأعيد كافة الداخلين بطريقة مخالفة إلى أقرب نقطة حدودية مع الدولة المجاورة (يقصد اليمن)، بينما يعاد كافة المخالفين لنظام العمرة إلى مديرية الجوازات ومنها إلى الترحيل وفقا لأنظمة البلاد». في غضون ذلك، استيقظ سكان جدة أمس على وقائع صور ومقاطع فيديو تناقلوها بأن جموعا من المخالفين سدوا طريقا. وعلى الفور، أصدرت شرطة جدة بيانا أكدت فيه أن «مجموعة من المخالفين تجمعوا أمام مبنى الترحيل بأعداد كبيرة أعاقت الحركة المرورية»، وقبضت الشرطة على 20 إثيوبيا قالت إنهم كانوا يحرضون «ويحاولون إعاقة رجال الأمن عند مباشرتهم للحالة منذ البداية، وجرى تسليمهم لمركز شرطة الكندرة تمهيدا لإحالتهم لهيئة التحقيق والادعاء العام للتحقيق معهم فيما نُسب إليهم، كما جرى ضبط جميع المخالفين المتجمعين ونقلهم إلى دار الإيواء لحين انتهاء إجراءات سفرهم». وقال الملازم أول نواف البوق ل«الشرق الأوسط» إن عدد المخالفين الذين جرى ضبطهم منذ بداية حملة التفتيش على المنشآت المخالفة التي أعقبت مهلة تصحيحية لمخالفي أنظمة العمل والإقامة، بلغ 12 ألف شخص. وتناقل السعوديون أمس مقاطع الفيديو للتجمع الذي حصل الساعة الثامنة صباحا في طريق الملك فهد وهو أحد المحاور الرئيسة في جدة، وتقول الشرطة إن التجمع استغرق 20 دقيقة، وجرى فض التجمع من قبل فروع الأمن العام بعدد كافٍ من الدوريات التي باشرت الموقع على وجه السرعة وفرقت المتجمعين. وشهدت السعودية خلال الأيام الماضية محاولات من قبل مخالفين لزرع الفوضى في أماكن تجمعهم، بيد أن السلطات الأمنية تعاملت مع الأوضاع بشكل يحفظ الأمن إلى جانب التعامل مع المخربين بطريقة أمثل. وكان المخربون تسببوا في وفاة شاب سوداني قبل يومين، وذلك في حي منفوحة العشوائي بالعاصمة الرياض. وسيطرت مشاغبة الإثيوبيين على الصفحات الأولى من الصحف المحلية ومواقع الأخبار، وعلى النقاشات النخبوية والشعبية على مواقع التواصل الاجتماعي أيضا. لكن سؤالا ظل يراود مخيلة المراقبين والمهتمين بالشأن السعودي بشكل عام. وهو «لماذا الإثيوبيون هم من يتسببون بالفوضى رغم وجود جاليات من جنسيات أخرى أكثر عددا». أجاب عن هذا السؤال خبيران سعوديان لخصوا الحاصل بأنهم «يجتمعون في أحياء عشوائية، ولديهم تنظيم اجتماعي»، كما أنهم يعدون من الجنسيات التي تغامر كثيرا للوصول إلى السعودية. يقول الدكتور فهد العنزي عضو مجلس الشورى السعودي إن عوامل أثرت على تصرفهم بهذا الشكل، أهمها أنهم يتفقون في الكثير من المزايا «مخالفون للأنظمة، يقطنون إلى جنب بعضهم البعض في أحياء عشوائية، لديهم عنف جماعي يطغى على كثرتهم وبالتالي يعطيهم نوعا من الشجاعة، فضلا عن تاريخ أو إرث عنف سياسي سابق شهدوه في بلادهم». يضيف العنزي «جاء هؤلاء عن طريق البحر أو قطعوا طرقا وعرة ذات تضاريس معقدة تشهدها مشكلات جمة حتى يتمكنوا من الوصول إلى البلاد ذات الاتساع الجغرافي والعوامل الاقتصادية الجذابة جدا، والتي تستحق بحسب ما يرون كل المعاناة». «جاءت الحملة أشبه ما تكون بصدمة لهذه الجالية، كانوا يظنون أن البقاء ممكن، أو على الأقل مقاومة وتخويف الأمن» بهذا التعليق بدأ سليمان السعدون وهو مسؤول سابق في شركة سعودية كبرى توظف جنسيات متعددة حانقا على ما بدر من الجالية الإثيوبية في منفوحة وفي جدة. وقال السعدون «لم يكن مظهر العنف يبدو عليهم من قبل، على الرغم من رصد الجهات الأمنية الدائم مشكلات في الحي نفسه». في حين يقول الدكتور فهد العنزي إنهم توحدوا ليواجهوا ما يرونه خطرا على بقائهم، ربما ظنوا أن هذا قد يحجم السلطات الأمنية عن القبض عليهم أو اتخاذ إجراءات معينة حيالهم، هذه معلومة خاطئة تماما، فالجهات الأمنية تعاملت معهم بحزم، وأدت عملها المشروع الذي تكفله لها الأنظمة في البلاد. وعلى الحدود الجنوبية السعودية يلجأ المخالفون إلى الهروب بسبب جهلهم بالأنظمة، إذ قال بعضهم إنهم يخشون دفع غرامة مالية قدرها مائة ألف ريال، وهذه بحسب النظام تعطى للكفيل الذي يسمح لمخالف بالعمل لديه وليست للعمال، كما يطمع أكثرهم في العمل أو العودة إلى العمل مستقبلا، وهو هروب من نظام البصمة الذي يطبق على كل المقبوض عليهم، وهو ما سيشي بهم إذا ما حاولوا العودة مجددا ولو بشكل نظامي وفقا للعميد عبد الله بن محفوظ الذي أكد أن حرس الحدود وفر كافة المستلزمات الغذائية والطبية للمقبوض عليهم. من جانبها، أعلنت وزارة العمل في بيان أن فرق التفتيش التابعة للوزارة كثفت جولاتها في مختلف مناطق البلاد للتأكد من التزام المنشآت والعمالة الوافدة بنظامي الإقامة والعمل، وقالت «لقد ركز المفتشون في مدينة الرياض على عدد من المناطق التي تشهد امتداد محال تجارية متعددة تسيطر عليها العمالة المخالفة، وشملت الجولات منطقة (مجمع الاتصالات) في حي المرسلات، وشارع خالد بن الوليد (انكاس)، ورصدت الفرق المشاركة مخالفات متعددة، فيما ترك عدد كبير من العمالة الوافدة محالهم دون إغلاقها هربا من المفتشين، حيث تسربوا إلى الشوارع الضيقة والمنافذ المحيطة». وأكدت الوزارة أنها لم تستثن أي قطاع من الحملات التفتيشية، وأن الزيارات التفتيشية تجري على منهجية محددة لمكاتب العمل والمفتشين، مشيرة إلى أن فريق التفتيش يجري خلال زيارته للمنشأة بالتعريف عن هويته عبر إبراز بطاقات العمل، ويُطلب من صاحب المنشأة أو من ينوب عنه الأوراق الثبوتية لجميع العاملين، ومطابقتها مع سجلات الحضور والانصراف وكشوف المرتبات الشهرية، وفي حال وجدت مخالفات لنظامي الإقامة والعمل أو للتعليمات التي أقرتها الوزارة الخاصة بعمل المرافقين والمرافقات، وثبت لدى فريق التفتيش أن المنشأة قد بدأت إجراءات التصحيح ستدون هذه المخالفات في محضر يوقع من ممثل المنشأة ورئيس فريق التفتيش، ويُلتزم فيه بتصحيح المخالفة قبل موعد الزيارة الثانية التي لا تتجاوز الشهر من تاريخ الزيارة الأولى، أما في حال ثبت أن المنشأة لم تبدأ في تصحيح مخالفاتها لدى الجهات ذات العلاقة (وزارة الداخلية، وزارة التربية والتعليم، وزارة العمل، أو أي جهة حكومية أخرى) تضبط كمخالفات وتعامل وفقا للإجراءات النظامية. وقالت الوزارة «وُجهت الفرق العاملة في الميدان بالتفتيش على جميع المخالفات بواسطة قائمة التدقيق الكاملة مع التركيز على حالات العمل لدى الغير أو عمل الوافد لحسابه الشخصي طبقًا للمادة 39 من نظام العمل، والتوطين الوهمي، إلى جانب مخالفات تأنيث محلات المستلزمات النسائية، ومتابعة جميع القطاعات دون استثناء لتشمل قطاعات التشييد والبناء، وقطاع مقاولات الصيانة والتشغيل والإعاشة وقطاع تجارة الجملة والتجزئة، وقطاع الإيواء والسياحة (الفنادق)، وقطاع خدمات التغذية والأسواق التجارية، وغيرها من القطاعات التجارية والصناعية والتعليمية والصحية». وأتاحت المهلة التصحيحية التي منحها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للكثير من المخالفين لتصحيح أوضاعهم التحرك للكثير من العمالة والأشخاص. وقدرت وزارة العمل عدد المستفيدين من الحملة التصحيحية ب1.6 مليون مستفيد. وأوضحت وزارة العمل حينها إمكانية تغيير المهنة «باستثناء المهن المقصورة على السعوديين حسب حاجة صاحب العمل، ووفقا لمؤهلات العامل التي يحملها ووفقا للضوابط المنظمة لذلك. مع ملاحظة أن مسؤولية التأكد من قدرات العامل عند تغيير مهنته تقع على صاحب العمل. ويمكنك تغيير المهنة إلكترونيا بسهولة من خلال موقع الوزارة للخدمات الإلكترونية». وبحسب الإحصائيات الصادرة من وزارة العمل، فإن المهلة نتج عنها إصدار ما يربو على ثلاثة ملايين و800 ألف رخصة عمل، ومليونين و300 ألف تعديل مهنة إضافة إلى مليونين و450 ألف نقل للخدمة. وجاءت المهلة بأربعة حلول جذرية للمخالفين أعفتهم من غرامات مالية من جهة، وفتحت أمامهم من جهة أخرى فرصة الحصول أو العودة إلى أعمالهم إذا كانوا هاربين. وكانت الخيارات متاحة بحسب وزارة العمل «للعمل مع صاحب العمل وإلغاء بلاغ التغيب، أو نقل الخدمة إلى صاحب عمل جديد، أو تعديل المهن بغض النظر عن نطاق المنشأة وعن نشاطها، أو مغادرة البلاد نهائيا مع استثناءات الرسوم والغرامات شريطة تسجيل البصمة عند المغادرة». وتحركت الجهات الأمنية السعودية فور ما انتهت المهلة الممنوحة، وأعلنت وزارة الداخلية السعودية في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري إنشاء قوة أمنية ميدانية تابعة لإدارة الأمن العام، مهمتها ضبط المخالفين الذين يعملون لحسابهم أو لدى أصحاب عمل آخرين، ومراقبة المقبلين عبر تأشيرات الحج والزيارة والمتسللين عبر الحدود. كما جرى إعفاء جميع الوافدين المخالفين لنظامي الإقامة والعمل الراغبين في تصحيح أوضاعهم والبقاء للعمل في السعودية من العقوبات والغرامات المرتبطة بمخالفاتهم باستثناء الرسوم وذلك لمن وقعت مخالفاتهم قبل السادس من أبريل (نيسان) 2013.