لم يكن ظاهرة فنية فحسب، بل كان جامعة تخرَّج فيها كثير من الأصوات الشابة إعداد : نوح السراج لما الليل يعانق للصباح باكي ولما صباحنا يتوسد أنين الفرقة بالدمعات ولما صباحنا يتوشح ** سواد الليل أسى وآهات تبقى حروفنا هي الترثيك ** وما ظنيت كمان كافيات يوم تفوت أرواح تسافر ** والمسافات البينا تبعد الحروف نازفات بتبكي ** ألف آهة ودمعة تنزل والقلوب بظهر أنينها ** ما براي وما براي وما براي بكيت .. رحيلك ** حتى الطيور باكيات حزينة
هذه الأبيات المعبرة اقتطفناها من قصيدة رثاء طويلة كتبها شاعرنا محمد زكريا الطاهر يرثي بها الراحل المقيم نادر خضر نبدأ بها هذا الملف في الذكرى الثالثة لرحيل الفنان نادر خضر الذي فارق هذه الدنيا الفانية في 20 / 5 / 2012 إثر حادث حركة أليم وقع في طريق التحدي عند عودة الفنان الراحل من حفل أحياه في مدينة عطبرة إثر اصطدام العربة التي كانت تقله بشاحنة كانت تسير في الاتجاه المعاكس، ودفن جثمانه الطاهر بمقابر حمد النيل . بدأ الفنان الراحل نادر خضر رحلته مع الغناء منذ الطفولة وهو في مرحلة الروضة والمدرسة الابتدائية وفي عام 1978 انتقل برحلته الفنية إلى عالم الدورات المدرسية، حيث حقق نجاحات كبيرة نال على أثرها الميدالية الذهبية على يد الرئيس الراحل جعفر محمد نميري – استطاع نادر خضر بلونيته الغنائية المتميزة والمبتكرة والتي وجدت تجاوباً كبيراً من الجماهير أن يعتلي مسارح الجامعات والمعاهد العليا محققاً النجاح تلو الآخر ، وقد تغنى في بداية مشواره الفني بأغنية ( قصة ريد ) في عام 1986 وصاغها شعراً الدكتور أزهري عوض الكريم وهي من أولى الأغنيات التي تغنى بها .. كانت أول رحلة فنية يقوم بها إلى اريتريا عام 2006، حيث قدم العديد من الحفلات التي شهدها الآلاف من الجماهير وكانت بمناسبة عيد استقلال اريتريا. – أكثر الشعراء الذين تعامل معهم هم الفاتح حمدتو – حسن الزبير – ولكن يأتي التفوق واضحاً في عدد الأعمال التي تغنى بها الراحل من كلمات الشاعر الفاتح حمدتو الذي انطلق بمسيرة نادر خضر الفنية إلى آفاق رحبة , حقق من خلفها الراحل كل نجاح واحتل بها مكانة متميزة وسط الفنانين الشباب .. بالإضافة إلى ذلك تغنى الراحل بكلمات الشعراء محمد عبد الله محمد صالح وعلي الكوباني والتجاني حاج موسى ومختار دفع الله وعبد العظيم أكول و عز الدين هلالي وآخرين، وشارك في مسيرته من الموسيقيين أحمد المك – سليمان أبو داؤود – الماحي سليمان – أسماء حمزة – الفاتح كسلاوي – رائد ميرغني. ولد نادر خضر في 27 / 3 / 1959 في حي بانت، حيث نشأ وترعرع في هذا الحي العريق.. درس الابتدائية في مدرسة أبو كدوك والثانوي في بيت الأمانة وجامعة بونا في الهند. ارتبط الراحل المقيم بعلاقة وثيقة مع الشاعر الأستاذ الفاتح حمدتو رفيق دربه طوال مشواره الفني، وكان أول أغنية تغنى بها الراحل من كلمات الشاعر الفاتح حمدتو أغنية بعنوان ( سنلتقي ) وامتد التعاون بينهما بعد ذلك، حيث قدم له العديد من الأغنيات من بينها ( الدنيا بي خيرا ) و ( رجعت ليك ) و ( لميس ) و ( تاجوج ) و ( الجية جات متأخرة ) . يقول الأستاذ الشاعر الفاتح حمدتو – الآن وقد انقضت سنوات على الرحيل المر للصديق العزيز الفنان المبدع الراحل المقيم نادر خضر لم ينتابني شعور قط أنه فارقنا وترك دنيانا الفانية .. أننا نجده في كل حركاتنا وسكناتنا وفي كل ركن من أركان حياتنا، وكيف يكون الرحيل لمن امتلك الجوانح وعاش في شغاف القلوب وفي ثنايا الأفئدة ؟ كيف يكون الرحيل لمن عطر الوجدان وسكن داخل الشريان ؟ كيف يكون الرحيل وصوته الشجي مازال يبعث فينا الأمل والرجاء ؟ كيف يكون الرحيل ونحن نعلم أن إنسانا في قامة نادر خضر لا يموت لما ترك لنا من الروائع وبما قدم لنا خلال سنوات عمره القصير من الفن الراقي الأصيل الذي سيعيش في الدواخل ويخاطب الوجدان ما بقي الدم في العروق وما بقي النفس الطالع ونازل. – لم يكن نادر خضر ظاهرة فنية فحسب، بل كان جامعة تخرَّج فيها كثير من الأصوات الشابة التي تلمست خطاه وسارت في دربه القويم بعيداً عن مزالق الغناء الرخيص ، فأصبح هو الأنموذج والمثل الأعلى والقدوة الحسنة ..فناناً ملتزماً بقواعد الفن الأصيل سلوكاً وممارسة افتقدناهما كثيراً في الآونة الأخيرة. – كان صاحب مدرسة فنية متفردة قدم لمكتبة الغناء السوداني الكثير من الأغنيات الخاصة التي ستعيش داخل وجدان الناس لفترة طويلة، وكان صاحب صوت فخيم ونبرات واضحة ومعبِّرة ليس من السهل تقليدها خصوصاً في الطبقات الحادة التي كانت تميزه كما يقول أهل الموسيقى , كان يؤدي أغنيات الآخرين – لا أقول أجمل منهم ولكن أقول كان يؤديها – بصوته هو وبطريقة تختلف عن أداء صاحب الأغنية الأصلي بدرجة أنني في أكثر من مرة شاهدت صاحب الأغنية يقف مبهوراً من طريقة أداء نادر لها وكأنه يستمع إليها للمرة الأولى .. اتهم في بداية حياته الفنية بأنه ( يحبِّش ) الغناء السوداني وهي تهمة باطلة حتى اكتشفوا مؤخراً أنه ليس تحبيشاً وإنما هي طريقة نادر في الغناء وهي اللونية التي يتغنى بها، ومن هنا جاء تفرده – كان لنادر بصمة خاصة أو قل توقيعاً إذا جاز التعبير في كل أغنية يقوم بأدائها حتى في أغنيات الآخرين وهي كلمة ( حبيبو ) وأتحدى أي شخص يأتيني بتسجيل لنادر خضر ولأي أغنية كانت ليس بها كلمة ( حبيبو ) .. ليس هذا فحسب بل كان يكتب اسمه في أي مستند رسمي ( نادر خضر الامين ) ويوقع ( نادر خضر حبيبو ) ولكلمة حبيبو قصة احتفظ بها لخصوصيتها – هذا هو نادر الفنان إما نادر الإنسان فقد كان له من المواقف الانسانية الكثير وكان يستحي أن يتحدث عن هذا الجانب بل كان دوما يفضل ان تكون تلك المواقف الإنسانية في السر، ولا يعلن عنها أبدا حتى لأقرب الاقربين – كان نادر صديقا للجميع وأكاد أجزم أنه يحفظ أسماء معظم المعجبين إن لم يكن جميعهم فقد حباه الله بذاكرة فولاذية فينادي الجميع بالاسم .. وهكذا هو نادر : شخصية قل ان يجود بمثلها الزمان – نطلب من الله العليّ القدير أن يشمله برحمته الواسعة جزاء ماقدم .. ونحن نعلم أنه قدم الكثير ( انتهى ) . ما بذّكر اني بكيت قريب.. قالو البكا طبع الضعيف المنكسر لكن شنوا الخلاّ الدموع جوه العيون يوم اللحد تملاها تتفجر عيون.. دمعا غزير كان منهمر وعشان شنو ناس البلد.. كل البلد اتلموا زي عمل السحر .. واقفين ومستنين شنو في كل زاوية ناس كتار من كل بيت من كل دار زي سيل يدافر منحدر.. واقفين ومستنين شنو ؟ انا شفت واحد بالدموع بلّ الارض غرقان ودر والتاني يتسنّد يقيف يرفع أخوهو الما قدر حاصل شنو ! هذا جزء من مرثية كتبها الاستاذ الفاتح حمدتو رثى بها الراحل المقيم في اليوم التالي لرحيله الاثنين الموافق 21 / 5 / 2012 . قصة اغنية رفض المطرب الراحل ان يتغنى بها . على الرغم من ان اللقاءات الفنية قد جمعت بينهما في كثير من الاعمال الغنائية التي وجدت ناجحا وقبولا ورغم الروائع التي صاغها شعرا الشاعر الراحل حسن الزبير , ورغم الود الذي كان يجمع بين الفقيدين الا ان المطرب نادر خضر رفض ان يغني قصيدة الشاعر حسن الزبير وهي ( شروط الحب ) التي قام بتلحينها الاستاذ الماحي سليمان ورغم جمال وروعة القصيدة الا ان نادر رفض التغني بها بحجة انها تحتوي على خمسة عشر شرطا في رأيه انها لا يمكن ان تتحقق في هذه الدنيا ولهذا امتنع عن غنائها . – نادر خضر حقيقة اجاد وابدع في اداء اغنيات المطربين الاخرين كما قال الشاعر الفاتح حمدتو واذكر ان المطرب محمد مرغني قال لي بعد ان استمع لنادر وهو يؤدي اغنية (حنيني اليك) قال لي انه استمتع بادائه لهذه الاغنية ايما استمتاع وانه سمح لنادر باداء هذا الاغنية في كل زمان ومكان – نادر كان من المعجبين بغناء المطرب صلاح مصطفي فغني له حب الشوق- والماضي والحاضر – وبعد الغياب وغيرها من الاغنيات وغني كلمة ورحلة عيون للمطرب صلاح ابن البادية ولاننسي ادائة الرائع لاغنية مصطفي سيد احمد الحزن النبيل الذي كان حديث المدينة وحقيقة كان نادر فنان نادر ذا طابع خاص واداء متفرد ومتميز نال بسببه التقدير والاعجاب والاحترام . للفقيد عشرات الأغنيات التي لم تر النور وكانت أمنيته قبل الر حيل ان يسجل اول ألبوماته الغنائية الا ان المنية كانت اسرع , احب الفقيد الراحل كل الناس واحبه الشعب السوداني فبكاه بكاءً حاراً عند رحيله الى مثواه الاخير , ومشيت – ومشيت مع الناس المشت شاقة الشوارع في المدينة اتحزمت .. واتلزمت كل المشاعر والخواطر دفقت ..و اتلملمت والدنيا كان ساعة هجير لبست سواد اتوشحت .. و اتعمعمت رحم الله الفنان نادر خضر رحمة واسعة .