تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    وزير الداخلية المكلف يستعرض خلال المنبر الإعلامي التأسيسي لوزارة الداخلية إنجازات وخطط وزارة الداخلية خلال الفترة الماضية وفترة ما بعد الحرب    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    وزير الصحة: الجيش الأبيض يخدم بشجاعة في كل ولايات السودان    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البشير يستنجد بالترابي وسقوط الأجندة الاخوانية في السودان
نشر في سودان موشن يوم 25 - 03 - 2014


بقلم : عبد العظيم محمود حنفي
يعيش النظام السوداني الحالي ازمة خانقة نتيجة إخفاقه داخليا وخارجيا؛ وتجليات الازمة واضحة للعيان أبرزها الاحتجاجات الجماهيرية التى لا تهدأ ضده والحروب الاهلية في اكثر من ولاية . ومنشأ الازمة عوامل متعددة ابرزها عوامل مرتبطة بازمة النظام الكامنة في بنية وطبيعة الانظمة الشمولية عموما , والازمة المتفاقمة من جراء فشل مشروع نظام الانقاذ ومن جراء ممارساته القمعية واستغلاله الفاسد للسلطة واستباحته للمال العام وجهاز الدولة لصالح الاخوان المسلمين .علاوة على الفشل الاقتصادى واحتكار الثروة من قبل النخبة الإسلامية الحاكمة التي تمثل مكوناً رئيسياً في قاعدة قوة النظام، وازدياد الهوة بين تلك النخبة والجماهير وبالذات فيما يتعلق بمطالب التغيير الاجتماعي وعجز تلك النخبة عن التعبير عن هذه المطالب او الاستجابة لها . والطبقات الوسطى الدنيا ، هي أكثر الجماعات معاناة وتضرراً من جراء السياسات الاقتصادية الاحتكارية ، نظراً لما تكبدته من بطالة وعانته من تضخم ورفع للدعم ، وما ألقى على كاهلها من ضرائب جديدة ، الأمر الذي أدى على اغترابها وإبعادها من النظام السياسي .
انفصال الجنوب الخطيئة الكبرى
ومع ذلك فإن الخطيئة الكبرى للنظام تمثلت في العجز عن الحفاظ على وحدة البلاد وحدوث انفصال الجنوب. و لم "ينفعه كل الرقص الذي رقصه أثناء زيارة الجنوب في وقت حاسم مرتدياً زي الجنوب المطعم بالريش، ذلك لأن مشكلة الجنوب كانت أعمق بكثير من أن تحل برقصه، فقد أهمل الجنوب إهمالاً جسيماً، وترك الأوضاع تتفاقم فيه اقتصادياً واجتماعياً الأمر الذي جعل المقاومة المسلحة تتصاعد[1]" ومن ثم كان انفصال جنوب السودان العنوان الابرز للحصاد المر لحكم الانقاذ. ومن ثم يعيش هذا النظام ازمات مديدة متتالية ادت الى تزايد الغضب الشعبي ضد نظام «الإخوان المسلمين» المتسلط الذي ظل الشعب السوداني الذي يذوق المر من سياساته الرعناء التي أورثت الوطن مقاطعة دول العالم للحكومة وعزلته عن المجتمع الدولي وظل اسمه مرتبطاً في نظر العالم وآخرهم الأشقاء في العالم العربي بالإرهاب الدولي وبالتطرف وإبادة أبناء جلدته في دارفور والشرق... تلك السياسات التي أورثت السودانيين الفقر والمجاعات حتى أصبح السودان في مقدمة الدول الأفقر في العالم وعلى مستوى القارة الأفريقية. هذا الوطن الذي يتعرض شعبه للمجاعات والأوبئة وتخلف البيئة هو من أغنى بلاد الله بثرواته الطبيعية المخزونة وأراضيه الزراعية الشاسعة وثرواته الحيوانية.[2]. فالغضب المحلى والخارجى على النظام تتصاعد وكانت اخر ظواهر الغضب المحلى والدولي على النظام الجرائم التى ترتكب في دارفور التى ادت الى انتفاضة طلابية قابلها النظام كعادته بالقمع وقتل احد الطلابوسبق في 24 نيسان/أبريل 2012 ان قام أعضاء مجلس الأمن بشجب بأشد العبارات الممكنة الهجوم على دورية للعملية المختلطة للاتحاد الأفريقي-الأمم المتحدة في غرب دارفور يوم 20 نيسان/أبريل 2013 الذي جرح من جرائه أربعة من جنود حفظ السلام، ما لبث أن توفي أحدهم متأثرًا بالجراح التي مني بها في الهجوم. كما عبر المجتمع الدولي عن قلقه الشديد وشجبه بشأن العنف في دارفور، غرب السودان في 12 شهر مارس 2014 بعد قيام النظام بشن هجماته عن طريق مليشباته . وقد أسفر العنف المتواصل في المنطقة، بما في ذلك الاشتباكات الأخيرة في شمال دارفور بين فصيل جيش التحرير السوداني بقيادة عشيرة ميني مناوي وبين القوات المسلحة السودانية، إلى نزوح وتشريد قرابة 120 ألف شخص منذ شهر كانون الثاني/يناير الماضي 2014 .
دعوة الحوار مع المعارضة
وازاء ذلك الفشل المديد يحاول النظام اعادة تدوير الزوايا عبر ما يسميه الحوار مع معارضيه الذين لم يصدقوا وعود نظام اخلف كل تعهداته؛ ذلك النظام الذي اتسم عهده بالاستبداد وعدم احترام قواعد الحياة الدستورية وفكك البلاد.وادخلها في حروب اهلية لا تنتهي مع سياسة خارجية رعناء لا تلبي تطلعات الامن القومى السوداني ولا العربي . كما ان النظام لم يقدم ضمانات لانجاح الحوار ولذا اعلن 12 حزبا رفض ذلك الحوار الذي تم التنبيه على الجميع " الذين يتحدثون عن تفكيك المؤتمر الوطني وحل حكومته وتأجيل الانتخابات عن موعدها (أبريل 2015) وتشكيل حكومة انتقالية، يحلمون وعليهم أن يفيقوا من أحلامهم".[3] وهكذا أغلق البشير باب التفاوض والمساومة والوساطة الخيرة .
مسارعة الترابي لقبول دعوة البشير
المثير هو ان حسن الترابي عراب انقلاب 1989 قبل بالحوار ورحب به . وتتناسل اسئلة المراقبين عن سر تجاوب الرجل لما رفضه مرارا بالامس ولكن يبدو ان الرجل احس خطرا على مستقبل الاخوان المسلمين في السودان بعد الرفض الشعبى العارم لهم في السودان ومجمل المنطقة . والاهم ان خلاف الترابي مع البشير لم يكن خلافا في المشروع والاجندة الاخوانية بل هو صراع حول السلطة ومكاسبها, بين جناحين في تنظيم واحد: جناح مستمتع بمزايا السلطة ومتمرد على توجيهات التنظيم وجناح يتطلع الى تلك المزايا على السلطة وهو لا يلامس ككراسي السلطة ولم يكن الصراع يوما بين الجناحين متعلقا بمعاناة الجماهير ولا بفتح منافذ للخروج بالوطن نحو السلام والاستقراروخرج الجناح المنتصر من التنظيم يواصل ذات البرنامج الذي مارسته الجبهة الاسلامية فترة بقاء الجناحين على وفاق . ومن ثم عندما يتعرض التنظيم الاخواني لتهديد خطير ومصيرى زواد من حدته فشل التنظيم الام وسقوطه في منشأ التنظيم الاخواني لم يكن مفاجئا تلاقي الجناحين في السر منذ سقوط التنظيم الام في 3 يوليو 2013 وفي العلن كما حدث في 13 مارس هذا العام .
هل يستطيع الترابي انقاذ النظام من ازمته ؟
ان الاجابة على التساؤل المطروح تقودنا الى تحربة الانقاذ عندما كان الترابي هو المرشد والموجه للنظام ؛ اثر انقلابه في نهاية يونيو 1989 حيث قفز الى الحكم مجموعة من الضباط المدعومين من الجبهة الاسلامية بزعامة الترابي وكانت الانقاذ طوال عشرة سنوات تحت رعاية وهيمنة الترابي هي اداة تنفيذ كل سياسات الجبهة المتدثرة بفقه الضرورة وبقراءاتها التلفيقية للاسلام والموصومة بتعارض مصالح قادتها ومن شايعوهم مع مصالح الشعب السوداني وقد استخدمت الانقاذ في سبيل ذلك كله كل وسائل القمع والارهاب والسجون والمعتقلات والمليشيات المسلحة ضد كل اهل السودان وتحت سلطان تلك الحركات لحقت الهزيمة المزرية بحقوق الانسان السوداني وبسبب الاصولية المتطرفة وديكتاتورية التعصب العقائدى المموقوت دينا وشرعا وجماهيريا دخل السودان محيط الدائرة الجهنمية للارهاب الدينى والفاشية الطاغية وشهد العالم بان الانقاذ كانت تفترى على الاسلام في كل فعل صدر عنها وكل لفظة نطق بها شيوخها منسوبة –ظلما وبهتانا للدين- لانه من المعلوم بالضرورة ان دين الاسلام هو دين التسامح والتراحم والحب وليس دين تخويف وضغط وقسر . ولكن السمة الابرز للنقاذ تحت ارشاد وتوجيه الترابي المباشر هو سمة المغامرة
الترابي و التسويق الفقهى للدور الاممى :
وبداية محنة الانقاذ الكبرى فى الخارج بدأت عندما افتعل لنفسه و للسودان دورا امميا يجئ من مركز انطلاق ضعيف ، فالسودان جغرافيا ليس هو سرة العالم الاسلامى . و السودان اسلاميا حديث عهد بذلك الدين ( القرن الخامس عشر ) . و السودان اقتصاديا من اكثر دول العالم فقرا ، مع ذلك زين للترابى فيلسوف النظام بان له دورا رساليا ورسوليا ينهض به من موقعه الادنى ذلك حتى يصبح وارثا للارض . وعندما تساءل الاديب السوداني الكبير الطيب صالح : " من الذى اعطاكم الصلاحية كي تحملوا اهل السودان على ما يكرهون ؟ " رد عليه الترابي : " ونريد ان نمن على الذين استضعفوا فى الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين " ( القصص ، 5 ) . وكانت تلك اشارة لا تخطئها العين أن للرجل رسالة . كيف يؤطر الترابى لدوره الاممى هذا فكريا ؟ قال : " نحن لا نصدر الثورات ولكن الحدود ليست جزءا من ثقافة شعبنا " [4] كما قال فى خطاب له فى منتصف اكتوبر 1991 بعد انشاء المؤتمر الشعبى العربى الاسلامى : " افكارنا تتجاوز الحدود التى صنعها الاستعمار . الحدود ليست من مصلحتنا ولا جزء من تقاليدنا وقيمنا الاسلامية " . لم يذكر الدكتور الفقيه اى قيم وتقاليد اسلامية تلك التى تتيح له التدخل فى شأن الغير ؟ الخيار اذن ، هو خيار مجتهد يتلاعب بما اسماها " القيم الاسلامية " لغرض سياسى دنيوى . هذا المجتهد قانونى متمرس يعرف جيدا ان للدول القومية حدود منذ سلام ويستغاليا ، ويعرف جيدا ما ينص عليه ميثاق الامم المتحدة وميثاق الاتحاد الافريقي عن سلامة الدول الوطنية ، ويعرف جيدا دساتير بلاده التى تتحدث عن سلامة اراضى الوطن ، ومع ذلك يتوهم ان فى مقدوره ان يتجاوز كل هذه التشريعات وفق نظرة ذاتية لمفهوم الامة الاسلامية ، وفى عالم تحتل فيه بلاده اسفل الدرج بمقاييس القوة السياسية الواقعية ، لا بالمقاييس الاخلاقية او الاوهام الرومانسية.
تلاقي مشروع الترابي- البشير وايات الله
ولكم ماذا كان يريد ان يصنع الترابى بهذا العالم الذى اصبح وارثا له ؟ قال : ان حركته " حركة انقاذ حضارى لكل العالم لكى ينهض لاننا نحمل امانة لابد ان نؤديها كوديعة ".[5] دوره الرسولى و الرسالى اذن هو اعادة صياغة العالم دون وعى باستحالة هذا ، ودون ادراك لاثر هذا التوجه الاقتحامى على النسيج الاجتماعى فى بلاده التى يريد لها ان تلعب دورا فى انقاذ العالم حضاريا . الترابى – ومن يوالونه ويدعمونه فى الخارج – وجه اليهم ان فى مقدورهم ان يقيموا اممية سنية فى السودان تصبح مرتكزا للبعث الاسلامى ، لينطلق منها الى بقية ارجاء الوطن العربى وافريقيا ثم يغزو العالم من بعد . كما كان يسعى – فى ذات الوقت – لخلق تحالف سنى – شيعى حتى يلتقى جناحا الاسلام . فى ذلك قال : " عملت على بناء علاقة اكثر ودا مع الشيعة للتغلب على الانقسام المذهبى الذى يعود لاربعة عشر قرنا " .[6] وفى هذا لم يكن الترابى صادقا مع نفسه او محدثيه . فالبعوث التى كان يلتقيها الترابى اويذهب الى طهران للقائها لم تكن هى بعوث الفقهاء و المحدثين وانما عناصر الباسدران و الباسيج و كان يقودها اكبر نوركان وعلى فلاحين ومحسن رضائى[7] وفي زيارة الرئيس الايراني- انذاك – رافسنجانى للخرطوم في نهاية عام حيث استقبل استقبال الفاتحين من البشير والترابي وجماعتهما – فى تلك الزيارة اعلن رافسنجانى ان للسودان وايران – بحكم وضعهما الاستراتيجى – دورا فى افريقيا و الشرق الاوسط . كما تبع التصريح جهد دؤوب لنقل صواريخ سكود العراقية ( حماية لها كما قيل ) . وتوفير قدر كبير من صواريخ دودة القز الصينية فى ساحل البحر الاحمر .وكان التساؤل المثار من داخل السودان وقتها ، كيف يسعى الترابى لتحقيق رغائبه الجامحة ؟ وهل بمقدوره ان يأخذ ايضا الدول المستهدفة منه على غرة ، عبر ممارسة العنف الانتهازى المخاتل .ولقد كانت ولا زالت سمات
الانتهازية و الختل صفة لازمت الاخوان المسلمين فى هذا الجزء من الارض. و فى سعي الترابي لاقتحام العالم كان الترابى منطقيا فى لا منطقيته اذ عمد باسلوب ممنهج للبدء بمصر و المملكة العربية السعودية لنزع القيادة الاسلامية منهما تقوية لمركز انطلاقه . لم يردعه ان مصر كانت فى بداية عهد النظام اكثر من دولة صديقة ، اذ سعى رئيسها لتسويق النظام عربيا ودوليا خاصة وقد رفع النظام يومذاك شعار وحدة وادى النيل ولم يبد للناس صفحته الحقيقية حسب نظام الترابى – كما اخطأ الحساب فى حالات اخريات – بانه قادر على استغفال الدول . ففى الوقت الذى كان يريد من مصر ان تبقى على العلاقات الطيبة معه . ذهب النظام الى العمل على ما لم يقدم عليه اى نظام سودانى آخر ضد مصر ( ايواء الهاربين من العدالة ، تهريب السلاح لما بقى محاصرا فى مصر من جيوب التطرف عبر درب الاربعين و الوادى الجديد الى سوهاج ، التلويح بتهديد المصالح الحيوية لمصر فى السودان ) . [8] بل ان الترابي صور له شيطانه بان فى مقدوره تجاوز كل خط احمر – ليس فقط فى العلاقات بين مصر و السودان بل وفى العلاقات بين اية دولتين متحضرتين – فتورط فى محاولة اغتيال الرئيس( السابق ) مبارك . تلك المغامرة الاثمة سعى الترابى لان يؤصلها دينيا حين قال للسفير الامريكى (انذاك) دونالد بيترسون [9] : " لقد نهض ابناء موسى من المسلمين فى الحبشة لمحاسبة مبارك فردوه على اعقابه " ؛ ولن تغيب عن اللبيب الاشارة الى موسى وفرعون . مع هذا لم يستح القائد الاسلامى عن ان يتنصل عن ذلك الحدث الذى هلل به واشاد حين قال فى معرض حديث مع مجلة المصور المصرية عن محاولة اغتيال مبارك : " هذا سؤال يوجه للحكومة اما انا فمفكر وداعية لا اباشر السلطة " [10] . وليت الترابى اكتفى بالتهليل و الاشادة ؛ اضاف فى كلمات غليظة عقب الحادث ان " مصر تعانى اليوم من قحط فى الدين والعقيدة ولكن الله اراد للاسلام ان يزدهر من السودان ثم يندفع مع تيار النيل ليمحو الرجس من مصر " [11]. ومن محاولات التآمر على مصر الى التحالف الاستراتيجى مع طهران .والحقيقة ان لا خلاف بين البشير والترابي في هذا التوجه؛ فالثابت ان النظام الايرانى مثل نموذجا ملهما للبشير واخوانه واية ذلك انهم اعلنوا مثل ايات الله ان للسودان رسالة خالدة في نشر الاسلام واقامة الدولة الاسلامية الكبرى واستضافوا جميع الحركات الراديكالية الاسلامية ورموز الارهاب في العالم وانتهى الامر لا باقامة الدولة الاسلامية الكبرى بل بتقزيم السودان واقتطاع دولة كاملة ومرشح الباقي لمزيد من الاقتطاع . وتاسيا بالنموذج الايراني اقام البشير الجيش الشعبي الاسلامي تشبها بميليشبا الباسيدج (التعبئة الشعبية)، لخوض الجهاد ضد اخوانهم السودانيين . والنتيجة الاف القتلى ثم الركوع والانبطاح وقبول دولة الجنوب . ومنذ اليوم الاول للانقلاب الاخوانى ارسلت ايران قوات من الحرس الثورى هناك لحماية المنشات الرئيسية , كما امدتهم بمختلف انواع الاسلحة التى تساعدهم في الحفاظ على حكمهم عبر قمع الشعب السودانى سواء ضد حركات الاحتجاج المسلح او قمع الحركات السياسية المناوئة فايران لها اليد الطولى في اقامة الدولة الامنية في السودان . مقابل تماهى مع الاستراتيجية الايرانية في دول إفريقيا الشرقية، ولا سيما دول الصندوق الإفريقي والدول المتواجدة على امتداد البحر الأحمر. أن التحالف الإيراني – السوداني هو تحالف آيديولوجي في المقام الأول رغم اختلاف مذهبي الدولتين. لان اخر هموم النظام هو الاسلام واعلاء قيمه السامية بل هو حرص على استخدام الاسلام كشعار لبسط الهيمنة التسلطية وتدعيم حكم السلطوية الفاشية في السودان . وهو النظام الذي وصفه أحمدي نجاد بأنه وطن ثان يعج ب"الأشقاء الأعزاء الأتقياء الثوريين". مع قيام ايران بانشاء مراكز ثقافية منتشرة حتى في أحياء أم درمان الشعبية يتم استخدامها لنشر وترويج المواد الدعائية المتعلقة بتصدير الثورة الايرانية وتصوير انقلاب السودان كامتداد لثورتها وما تزعمه من مناهضة الهيمنة الامريكية و الظهور بمظهر المدافع عن المقهورين. وقد كان لافتا انه في عام 2006، أعلن عمر البشير أن البرنامج النووي الإيراني يعد "نصرا كبيرا للعالم الإسلامي". وقبله أخبر آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى ، البشير بأن ايران مستعدة لنقل خبراتها وتقنياتها النووية للسودان. وبينما أعلن السودان مرارا تأييده للبرنامج النووي الإيراني، كانت طهران من أوائل من ندد بقرار التوقيف الصادر بحق البشير من قبل المحكمة الجنائية الدولية. ولانه من بين الأصول الجيوسياسية التي يتمتع بها السودان وتعد عناصر جذابة أمام طهران، سواحل السودان الطويلة على البحر الأحمر والطرق البحرية المهمة التي تربطها بالخليج العربي وموقعها الذي يقع قبالة السعودية وبجوار مصر وتمتعها بموارد نفطية وسيطرتها على النيل الأبيض. ولذا تم ترسيخ الوجود الإيراني بحرياً في ميناء بورتسودان على البحر الاحمر لاسيما في الأوقات العصيبة والمتأزمة، وتم انشاء خط بحرى مباشر مع ذلك الميناء لكى يقود إلى ساحات الصراع الرئيسية التابعة لإيران في الشرق الأوسط والتي تمكن عن طريقها من تهريب الوسائل القتالية والنشطاء الإرهابيين إليها. فمثلا – يُولي الإيرانيون أهميةً خاصة لمسار عمليات التهريب من سودان إلى قطاع غزة الذي يخضع لسيطرة حماس، عن طريق مصر وهو الامر الذي شجع الجماعات الارهابية غلى الانتشار في سيناء ومن ثم لم يكن من قبيل المصادفة معارضة نظامى البشير والنظام الايراني لثورة 30 يونيو المصرية الشعبية ضد جماعة الاخوان المسلمين المصرية ولفظهم واخراجهم من السلطة ... وهناك تقارير تشير الى ان الجيش السودانى تم تجريفه عبر اقامة مليشيات تقوم مقام الجيش على شاكلة الحرس الثورى الايرانى وان تلك المليشيات هي التى قامت بالاغتيالات ضد المعارضين في الاحتجاجات الطلابية .. ولما قامت اسرائيل بضرب وتدمير مجمع ايراني حربي في السودان حاول النظام الانكار واعلن وزير الخارجية " على كرتي" أن الخارجية ليس لها علم وقد قرأ النبأ في الصحف ثم اقر النظام بالواقعة التى لا يمكن انكارها . وشعر الايرانيون بحرج حليفهم فبعثوا ببارجتين إلى بورتسودان علما بأن الخارجية السودانية كان قد سبق لها واعتذرت لإيران عن عدم استعداد السودان لزيارة بوارجها ومع ذلك فقد تمت الزيارة بموافقة لا يعلمها حتى الوزير المسؤول عن السياسة الخارجية! بينما اكد النائب الثاني لرئيس الجمهورية الدكتور الحاج آدم (العائد من جديد للتنظيم الحاكم الذي خرج عليه مع الترابي وكان أحد أركان حزب المؤتمر الشعبي ومسؤوله في دارفور) "إننا سندعم "حماس" وسنعمل مع إيران ولا يخيفنا الهجوم على اليرموك". واخر مغامرات البشير التى استمر عليها دون شريكه الغاضب في استمرار تحالفه مع ايران هو تهريب شحنة الأسلحة الإيرانية التي استولت عليها اسرائيل بعد أن أوقفت يوم 5 مارس 2014 السفينة "كلوس سي" في البحر الأحمر قبالة الحدود السودانية الأريترية، محملة بقذائف صاروخية طراز "أم 302" تم إخفاؤها في أكياس للأسمنت في طريقها إلى قطاع غزة عبر السودان على أن يتم تهريبها عن طريق سيناء. وتلاقي سياسة البشير الخارجية وتورطه مع إيران وحماس وقطر. مما ادى الى استهجان
و معارضة متزايدة لدى الطبقة السياسية الداخلية لهذا النهج .
فقد أعلن النائب البرلماني علي أبرسي في جلسة خاصة للمجلس الوطني أن فشل السودان في جلب قروض من الخارج، يعود بالأساس إلى علاقته مع حماس وحزب الله وإيران، قائلا: "فقدنا كل الدول الصديقة والشقيقة". وقال الرجل بمرارة : " نحن أحوج من حماس وحزب الله، وإيران غير مستفيدين منها وسمحنا لها بأن توتر علاقاتنا مع أقرب دولة صديقة تقف معنا"قصارى القول ان الود المستجد بين جناحى التنظيم الاخواني لن يستطيع ان يفعل شيئا , فقد انقضى الوقت.
إن شعب السودان- شأنه شأن أي شعب آخر في أي مكان- يستحق حكومة تجعل من أمنه وسلامته ورفاهيته أولوية قصوى... حكومة تصون حقوقه الأساسية.
.المصادر
[1] احمد يوسف , خريف البشير , جريدة الاتحاد الاماراتية , الاول من اكتوبر , 2013 .
[2] عبدالله عبيد حسن, السودان والثورة على نظام الاخوان , جريدة الاتحاد الاماراتية , عدد 8 اكتوبر , 2013 .
[3] كلمة الرئيس البشير في بورسودان .مارس 2014 .
[4] - حوارات : الاسلام الديمقراطى ، الدولة ، الغرب ، محاضرات الترابى فى مركز دراسات الاسلام و العالم ، تامبا ، فلوريدا ، 1993 ص 12
[5] - مجلة المجلة 23/ 2/1973.
[6] – حوارات ص 109 .
[7] انظر مثلا . زيارة رافسنجانى الخرطوم 12 , ديسمبر , 1991 على رأس وفد يضم 157 شخصا . .
[8] – فى تصريح للترابى جاء ان نهر النيل وهو المصدر الرئيسى للمياه لمصر تحت السيطرة السودانية ... اننا لا نريد ان نفاقم التوترات لكن امدادات النيل من هنا روتر 5/7/1995 . ذلك تصريح وصفه وزير الرى المصرى بقوله : " هذه كلمات غير مسئولة من شخص غير مسؤول . اخر ساعة . 14 / 7 / 1995 .
[9] – " داخل السودان " Donald Peterson : Inside Sudan, Westview , Bouder, 1999 .
[10] – مجلة المصور 24/ 11 /1999.
[11] – الشرق الاوسط 6 / 7 / 1995


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.