لا يملك ليتيو من حطام الدنيا سوى فرشتين واناء طهو واليسير من الملابس ودجاجة وحيدة يعود بها الى موطنه بعد سنوات قضاها لاجئا من الحرب . فالاسرة التي تتألف من ستة افراد، والتي عاشت في الشمال لسنوات، عادت شأنها شأن الالاف، قبل ايام من انشقاق اكبر بلد افريقي من حيث المساحة الى بلدين لتنبثق عن السودان احدث دولة في العالم، الا وهي جمهورية السودان الجنوبي. ويقول ايمانويل ليتيو، الاب لخمسة اطفال "انا سعيد بعودتي لشعبي" وقد وصل الى مرسى النهر عند عاصمة الجنوبجوبا. ويضيف "غير ان الامور ليست سهلة هنا اذ ليس لدينا بيت ولا مأوى نذهب اليه" بينما يصيح اطفاله تحت احدى الاشجار قبل ان يستقلوا جميعا شاحنة تذهب بهم الى حيث يرغبون في الوصول الى اقصى الشرق بالبلد الوليد المعدم. وقد استبد التعب بالاسرة بعد رحلة شاقة استمرت اربعة عشر يوما جابت بهم مستنقعات يستشري فيها البعوض منذ انطلقوا من العاصمة الشمالية الخرطوم عبر النيل الابيض في قارب مفتوح لنقل البضائع. وينضم ايمانويل الى اكثر من 300 الف نسمة عادوا منذ تشرين الاول في اطار موجة نزوح جماعي ضخمة منذ عام 2005 تشمل 2,5 مليون نسمة في طريقهم الى العودة لبلادهم التي مزقتها الحرب والتي كانوا قد نزحوا منها قبلا خلال الحرب التي دامت عقدين بين الشمال والجنوب. ويعتقد ان الحرب مع حكومة الخرطوم قضت على زهاء مليوني نسمة، واخيرا وبعد ان لاحت لهم الفرصة صوت قرابة 99 بالمئة من الجنوبيين في استفتاء تقرير المصير الذي جرى في كانون الثاني لصالح الاستقلال عن الخرطوم، وهو الاستقلال الذي سيصبح واقعا رسميا في التاسع من تموز/يوليو. ومازال الجنوب بانتظار نزوح الاف اخرين اليه بعد ان طردت حكومة الخرطومالجنوبيين من وظائفهم بينما هدد مسؤولو الشمال من بقي فيه. ويقول ألفرد تومبي "قيل للعاملين ان ينسوا وظائفهم"، اذ كان يعمل في البناء في الخرطوم. ويقدر البعض ان ما يناهز مليون جنوبي مازالوا في الشمال، ولا يعرف احد كم من هؤلاء سيبقى -- اذ ان 40 الفا سيفقدون وظائفهم في القطاع العام الشمالي وحده. ولكن الموقف ليس مظلما. فرغم ان غالبية هؤلاء يتحدثون العربية -- وليست الانكليزية اللغة الرسمية للجنوب -- الا ان بمقدورهم امداد البلد الناشئ بمهارات مطلوبة. ومع ذلك يكافح الجنوب من اجل استيعاب تدفق العائدين. وتقول سارا لاكو "الحياة في الخرطوم لم تكن سهلة، فقد كنا نعامل وكأننا مخلوقات ادنى، ولكن على الاقل كان لدينا كهرباء"، بينما يبدو الاحمرار على عيون اطفالها بسبب عدوى التقطوها خلال الرحلة المضنية جنوبا. وتضيف سارا "لكننا نعود الى هنا وليس لدينا شيء" اذ كانت تتكسب الرزق بما تبيعه من الخمر التي تصنعها بنفسها وهي التجارة التي يحظرها الشمال الاسلامي. ولاشك في صعوبة المستقبل الذي يواجهه العائدون الذين سيشرعون في بناء بلد وليد. الاطفال يساعدون والديهم على حمل ما لديهم من متاع قليل والذي سيحتاجون اليه لبدء حياتهم مرة اخرى من الصفر. ويعرب عمال الاغاثة عن قلقهم ازاء تزايد النازحين خلال الاشهر المقبلة اذ يخشون ان تضيق المرافئ النهرية بالعائدين في ولاية اعالي النيل. فقد غدا اجتياز الدروب البرية عسيرا الان بسبب وقوعها في مناطق ابيي وجنوب كردفان التي تشهد نزاعا. ويقول جيري وايت الذي يرأس المنظمة الدولية للهجرة في الجنوب "غدا اجتياز الدروب التقليدية صعبا جدا الان بسبب انعدام الامن". وتابع "ما نخشى منه هو ان يؤدي تدفق العائدين الى اكتظاط مناطق باعالي النيل يصعب الوصول اليها مع ما تعانيه من عدم استقرار". والحكومة الجنوبية ووكالات الاغاثة تبذل فعلا ما لديها من جهود بحيث يصعب عليها تقديم المزيد. لقد تشرد اكثر من 150 الف جنوبي وقتل زهاء 1800 بسبب العنف داخل الجنوب هذا العام، بينما اجبر 110 الفا اخرين على الفرار باتجاه الجنوب بعد اجتياح الجيش الشمالي لمنطقة ابيي الحدودية المتنازع عليها في ايار ، حسب تقديرات الاممالمتحدة. واشار تقرير اصدره مؤخرا نشطاء دوليون وسودانيون الى ان العائدين "يواجهون صعوبات اضافية تشمل اغلاق اراض امام الاستقرار والزراعة". كما "تتهدد اخطار بعينها الفئات الاضعف كالنساء والاطفال، بخلاف الافتقار الى الخدمات مثل المياه والصرف". ومع كل هذا يقدم العائدون بارقة امل الى الجنوب الجديد. فقد وفدت اعداد ضخمة من اثيوبيا وكينيا واوغندا المجاورة ومن بلدان اخرى بعيدة كبريطانيا والولايات المتحدة واستراليا. ويقول جوك مدوت جوك الذي شغل منصب استاذ للتاريخ في جامعة لويولا ميريمونت بكاليفورنيا "امامنا الكثير من التحديات خلفها ارث عقود من الحرب، والتوقعات تبلغ عنان السماء". "نحن هنا لكي نعمل من اجل مستقبل افضل" اذ يعاون جوك الان وزارة الثقافة في الجنوب. وربما تحتاج البلاد الذين نجحوا في الخارج خلال سنوات الحرب الطويلة اكثر من غيرهم، وذلك لما جنوه من علم ومهارات خاصة. وتقول سارا مبارازا وهي ممرضة تلقت تدريبها في اوغندا "الامور صعبة ولكننا عدنا لنجعل من جنوب السودان بلدا ناجحا بحق". وتضيف "طريق المليون ميل يبدأ بخطوة، وربما نحن الان عند النقطة صفر ولكننا بدأنا الرحلة