لم أكن من الذين قد إنتقدوا الذات الرئاسية علي تمايله علي وقع الموسيقي وهو محاطٌ بكوكبة من الغيد الحسان وذلك ربما لأنه لم يكن للنقد مقتضي ..فرئيسنا الهمام قد طبقت شهرته في الرقص الآفاق وسارت بها الركبان حتي بلغت أقاصي الأرض وأطرافها ..حتي أنه لم يكن تطأ أقدامه بلداً من بلاد دولته إلا وهو مستصحباً معه الدفوف والمعازف وجمهرة المغنين ..كما أنني لم أكن من الذين ذهبوا إلي قدح مناسبة الرقص ونشدوا فيها مساحة لذم الرئيس من باب أنه رقصَ رقصاً مختلطاً مع النساء وهو أمير المؤمنين وقد مهر بيديه أمراً منع فيه الرقص المختلط وأنزل العقوبة علي مرتكبيه من الرعية الضعفاء الذين لاحول لهم ولا سلطان ..وعُدَّ من رقص في حضرة الذات الرئاسية ومعيتها في كنف الرئيس وحمايته ولا تثريب عليه ....وخلاصة الأمر أن رقص الذات الرئاسية لم يكن أمراً جديداً ولا خروجاً عن مألوفه ليبدوا أمراً جديراً بالإجتهاد فيه وتنصيله لأن ذلك الإمتعاض يصبح في غير محله ولا موجب له . علي أنني وددت أن أكون مع البسطاء ذوي الفطرة السليمة من المتسائلين والعقلاء أصحاب الأحلام والنهي من المستغربين الذين يقفز إلي اذهانهم سؤال ربما ينسجم مع ذلك الحدث الجلل والمصاب العظيم في أمتنا : ( لماذا يرقص الرئيس في هذا التوقيت ؟؟ ) وبلاد المسلمين قد ملئت فساداً في الأرض وجوراً وديار الإسلام تنتقص من أطرافها ..ويلتقي المسلمون بسيوفهم فئات يقاتل بعضُها بعضاً ..وقد تفشي الفساد في البلاد حتي أصبح باطن الأرض خير من ظاهرها .. وجاءنا زمان إفتقدت فيه الأبواب المغلقة الغني من التعفف وتفشت الرذيلة في مجتمعاتنا العفيفة ...وربما قاد السؤال إلي أسئلة أخري يمسك بعضها برقاب بعض مثل : " ماهي المرجعية الدينية التي ساقها مستشاري الرئيس لشئون التأصيل وبرروا بها للرئيس أنه لابأس أن يرقص أمير المؤمنين فينة وأخري أو دائماً ؟؟" ..أو كيف أفتي" علماء السلطان " أن الرقص والتمايل طرباً ليس بدعةً في الدين أو ضلالة ؟؟ حتي تعددت مناسبات الرقص الرئاسي وأمسي " قيقم" المغني أكثر حظوة من المقربين وأهل السطوة من الوزراء !! ولو قال " علماء السلطان " أن أمراء المسلمين في فجر الإسلام وصدره كانوا يرقصون وسنابك خيل الفرس والروم تطأ بأقدامها ديار الإسلام لقلنا صدقوا في القياس ولم يخرجوا في فتواهم من ملة الإسلام وحمي الدين ..ولو لم يقولوا هداهم الله لماذا سكوتهم علي المنكر من الأفعال ؟؟ وفي فقهم " السكوت في معرض الحاجة إلي بيانٍ بيان " وإذا أفتي " مجلس الإفتاء " بالقصر الجمهوري بمشروعية ختان " المرأة " وفي هذه الفتوة تأمل وإختلاف ..أو أفتوا " بمشروعية إستدانة المسلم " وفيها ردٌ يخرص الذي أفتي في غير علم ٍ لشراء الأضحية وهي فتاوي في لباب الدين وثوابته فلماذا سكت مجلس الإفتاء والشيوخ الأجلاء عن الفتوي في نزول النصاري في ديار الإسلام وهي بلادنا وإختلاطهم بحرمات المسلمين وهي محرمة عليهم ؟؟ وفي تقدير آخر مايبدو أن الذين هرعوا خفافاً لإنتقاد رقص " الذات الرئاسية " قد نظروا بتشاؤمٍ للنصف الفارغ من الكوب .. أوغابت عن عقولهم سهواً ما هدد به النائب الأول بمدينة الهلالية بحر هذا العام حتي جرت مقولة " سيف علي " علي ألسنة الناس عندما هدد بحز الرؤوس " من صفحتها" لكل من تسول له نفسه التطاول علي الذات الرئاسية وأنبتت جرأته علي حرمات الإسلام خيراً له ومنصباً رفيعاً ..وربما تساءل البعض : " إذا بمَ يمتليء النصف الآخر من الكوب ؟؟ " والبلاد في هذا العهد المظلم قد سُلبت منه وجوه الخير كله وأربعَ الشر بأنيابه في تخومها حتي صار شعار دولتنا " النهي عن المعروف والأمر بالمنكر " . والتقدير هنا لبعض المفسرين أن إنشغال الذات الرئاسية بالرقص هي محمدةٌ للعامة من الناس وذلك تقدير العزيز الحكيم لأن من كتب الله عليه التقي والصلاح لا يجعل الرقص والغناء همه ومبلغ علمه ومن كُتب عليه الوقار وخير الأعمال لكان أولي شغله بقضاء حوائج الرعية والسهر علي "إطعامهم إذا جاعوا وكسوتهم إذا عروا " .. ومن شغله العزيز القدير بالرقص عن الجهاد وبلاد الإسلام تنتهك بيضتها ..ويموت الناس كما تموت العير والسائمة في الفلاة وذهبت ريح الدولة حتي إستشري في مفاصلها الفساد ونخر في عظامها السأم وغدا الظلم يمشي علي قدمين وصار الفقر رجلاً حتي لم يجد أميراً للمؤمنين ليقتله فإنما شُغل لحكمة يعلمها المولي عز وجل الذي يدبر الأمر كله ..وقد كان "مروان بن محمد " آخر أمراء بني أمية قد شغل بالفساد والمعازف والدفوف وأمراء الدولة العباسية ينموا سلطانهم في المشرق حتي وطئت حوافر خيلهم دمشق حاضرة الدولة الأموية وفر مروان طريداً حتي قتل (132ه). وبعض المتفائلين حسناً والذي يظنون الخير في أمة الإسلام قد يجد تفسيراً مغايراً للواقع مؤداه أن النشوة الرئاسية هي رسالة للأعداء المتربصين بما تبقي من الدولة والمجتمع الدولي الذي يضيق الخناق علي سلطانه والمحكمة الجنائية التي ترغب بشدة للفراغ من الملف الرئاسي الذي يقلق مضجعها ... فحوي الرسالة ( لست أبالي ) علي أي جنب كان في الدولة مصرعي ونهاية الأمر ورد الفعل هذا لا يستقيم مع الواقع الذي يحكي رغبة ملحة عند هذا النظام لإرضاء كل من يخشون جانبه أو يخافون عقابه والذات الرئاسية رأس الأمر وسنامه... فما شق عليهم معارض عصا الطاعة إلا وأغدقوا عليه بالوزارة والجاه للتقرب منه وما ظنوا بدولة أجنبية السلطة وطول الباع حتي تقربوا زلفي لأصغر موظفيها وحيث ذلك فإن الرسالة نفهمها فهماً صحيحاً وليس كما تصل إلينا مشوشة ولامعني لها . وخلاصة القول ان إرادة المولي عز وجل بفرح البسطاء من الرعية بالغناء والرقص مع أميرهم ففي هذا خير لهم لأن أميرهم إذا صرف عن الرقص أعمل فيهم السيف والبطش وسفك دمائهم بلا روية لأن ما هو ثابت أن أمير البلاد والمؤمنين ما أصدر أمراً للحرب أو سكوتاً عن إنتهاك حرمات البلاد والعباد وهو في حالة نشوة رئاسية ...وعلي العقلاء أن يدركوا أن في نشوة الذات الرئاسية حكمة وبشارات للخير للبلاد والعباد ..فمن ولي من أمر المسلمين شيئاً وشغل عنهم وجعل الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه وأهمل أمر الرعية وأعمل سيف الظلم فيهم فتلك مشيئة الله وحكمته في عباده يهدي من يشاء إلي سراطٍ مستقيم فتفائلوا بالخير تجدوه واعلموا أن في نشوة أمير المؤمنين خيراً لإنشغاله بأمره وتركه لمصالح الرعية وهي إشارة للفناء تصديقاً لقوله تعالي وهو أصدق القائلين : "وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) الإسراء.... وفي سورة يونس : " إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) صدق الله العظيم . عمر موسي عمر - المحامي هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته