أودُّ أن أسأل وزارة الخارجية السودانية التي قبلت بقرار مجلس الأمن بل الحكومة بأجمعها: من هم الذين ثبتت صحة رؤيتهم حول جولة التفاوض الأخيرة والتي أسفرت عن توقيع اتفاق بين الحكومة ودولة جنوب السودان في أديس أبابا تضمّن الاتفاق حول الحريات الأربع؟! من صدقت الأيامُ رؤيته بأن الجنوب تحت الحركة الشعبية وباقان وسلفا كير ليس جديراً بإبرام اتفاق معه يُتيح فتح الباب لمن يحمل سيفاً كما عبَّر عن ذلك د. أمين حسن عمر؟! من صدقت نبوءتُه أن باقان وسلفا كير لا يضمران إلا شراً بالسودان وبالبشير إذا زار جوبا كما قرر أولاد نيفاشا بتأييد من المكتب القيادي للمؤتمر الوطني؟! قبل ذلك من صدقت نبوءتُه حول مآلات نيفاشا حين كان الناس عقب توقيعها يسبِّحون بحمدها ويعتبرونها فردوساً أعلى وأنها ستأتيهم بالمنّ والسلوى وكنا نقول يومها إنها شجرة الزقوم وإن طلعها كرؤوس الشياطين وإنها ستُدخل السودان في نفق الثعابين السامة.. إن أردتم أن نعيد نشر ما كنا نكتبه قبل أن توقَّع نيفاشا وبعد توقيعها سنفعل لا لنتباهى وإنما لنقول لعلي كرتي ولمكتب المؤتمر الوطني القيادي ولبرلمانهم أن تواضعوا قليلاً واعلموا أن حواء والدة وأن تصعيركم خدَّكم لنصائحنا غرور وكِبْر لن تدفعوا ثمنه وحدكم وإنما دفع ثمنه ولا يزال هذا الشعب الذي صبر على تخبُّطكم وانبطاحكم كما دفع ثمنه هذا الوطن الذي أثخنتموه بالجراح جرّاء سياساتكم العرجاء في تعاملكم مع الشأن الجنوبي منذ تسلمكم السلطة حتى اليوم. من تصدى لاتفاق نافع عقار الإطاري الذي رفضتموه بعد توقيعه والذي كشف الكيفية التي تدار بها الشورى داخل حزبكم الذي يُغيَّب مكتبُه القيادي ومجلس شوراه وبرلمانُه عن أخطر القرارات؟! وهل نيفاشا التي قال قائلُكم حولها إن برلمان «الشعب» لا يحق له أن يغيِّر فيها شولة.. هل نيفاشا إلا دليل على ذات الطغيان الذي لا يزال مسيطراً على القرار في بلادنا؟! أرجع لأتساءل: من تصدّى لاتفاق نافع عقار قبل أن يستيقظ مكتبُكم القيادي فيرد ذلك الاتفاق؟! لولا العزةُ بالإثم التي تُمسك بتلابيبكم لما أبرمتم أمراً قبل أن تُشركونا في التشاور حوله بل لأخذتم برأينا قبل رأي مؤسساتكم المعطّلة بعد أن علمتم أننا أبعد نظراً وأكثر توفيقاً منها ولكن!! من أسفٍ فإن الروح التي تفجّرت بعد هجليج يقوم البعض بالإجهاز عليها بتواطؤ مقصود أو غير مقصود مع المتآمرين بالخارج.. يكتب غازي صلاح الدين مقالاً أجدر بماء الذهب من معلقات امرئ القيس والنابغة عن مجلس السلم والأمن الإفريقي الذي استنسخ مجلس الأمن الأمريكي قراراته ليستنسخ بها نيفاشا من جديد وهل مجلس السلم والأمن الإفريقي وهل الإيقاد وهل الاتحاد الإفريقي إلا أحذية تحت قدمي الإدارة الأمريكية؟! لو لم يكن قرار مجلس الأمن متضمناً إلا ذلك الاعتراف المهين بالحركة الشعبية لتحرير السودان «شمال» وأرجو أن تتمعنوا في عبارة تحرير السودان لو لم يكن متضمناً إلا ذلك الاعتراف الذي يُلزم الحكومة «وكراعها في رقبتها» بالتفاوض مع أولئك المتمردين «عرمان وعقار والحلو» وفق اتفاق أديس الإطاري لكفاه سبباً لأن يُرفض من قبل الحكومة التي تقبل به اليوم وهي ذات الحكومة التي رفضته عقب توقيعه في يونيو من العام الماضي!! هنيئاً لسيد الخطيب فقد أُعيد اتفاقُه الإطاري وأُقسم بالله إن سعداً هذا قال لي على هامش مناظرة قناة النيل الأزرق إنه من الخطأ أن يُرفض ذلك الاتفاق الذي أقنعوا به نافع في أديس أبابا وقام بتوقيعه!! هنيئاً له فقد عاد اتفاقُه مرة أخرى وما عليه إلا أن يُضيف إليه الحريات الأربع التي وقّعها مع باقان بعد ذلك.. هنيئاً لسيد ولإدريس فقد سمعتُ أن المؤتمر الوطني أعاد فيهما وفي صحبهما الآخرين من أولاد نيفاشا الثقة رغم أنف شهداء هجليج ورغم أنف الشعب الملتهب فرحاً بعد تحريرها!! إن هذه الحكومة ترتكب من الحماقات ومن الاحتقار لهذا الشعب ما يهدِّد وجودها فقد قال الشعب كلمته وعبَّر عن جاهزيته لسداد ثمن العزة والكرامة التي هتف لها لكن هناك بعض المنبطحين الذين «لبدوا» قليلاً ثم عاودوا محاولاتهم الانبطاحية التي لم تورثنا غير الخزي والهزيمة في مائدة التفاوض بالرغم من أننا كنا منتصرين في ميدان القتال قبل الطامّة الكبرى المسمّاة بنيفاشا. أعجب من تناقض التصريحات التي يُصر بعضُها على الالتفاف على تأكيد الرئيس أنه لا تفاوض قبل تحرير كامل التراب بل والتي تهدِّد باقتلاع الحركة وتؤكِّد أنه لا سلام طالما أنَّ الحركة تحكم الجنوب بينما نجد الخارجية تتحدَّث عن قبول قرار مجلس الأمن.. أعجب أن يقرِّر المكتب القيادي للمؤتمر الوطني قبول قرار مجلس الأمن وفي ذات الوقت يرفض الحوار مع قطاع الشمال بالرغم من أن ذلك القرار يُلزم الحكومة بالتفاوض مع الحركة الشعبية «شمال» وفق اتفاق أديس أبابا الإطاري!! الطيب مصطفي