دعا المدير العام السابق لوكالة الدولية للطقاة الذرية، محمد البرادعي، الرئيس المصري حسنى مبارك لإنشاء لجنة تأسيسية لوضع دستور جديد على أن تكون هذه اللجنة بالانتخاب المباشر، وتضم خبراء القانون الدستورى. وتأتي الدعوة وسط احتدام الجدل داخل الاوساط السياسية والشعبية في مصر حول شروط الترشح للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها عام 2011 في ظل حالة الغموض التي تخيم على موقف الرئيس مبارك بشأن ترشحه لهذه الانتخابات. كما تأتي دعوة البرادعي الجديدة في أعقاب الحملة الشرسة التي شنت ضده من قبل الإعلام الرسمي أو المحسوبين عليه خاصة بعد بيانه الشهير والذي ألمح خلاله إلى إمكانية ترشحه للرئاسة، شريطة اجراء اصلاحات دستورية تكفل اجراء انتخابات حرة ونزيهة. وقال البرادعي في حوار لصحيفة "الشروق" المصرية نشرته في عددها الصادر اليوم الخميس: "الدعوة لتغيير الدستور ليس بدافع تغيير المواد المتعلقة بطريقة انتخاب رئيس الجمهورية، ولكن لصياغة وضع سليم يقوم على إعادة فرز القيم المجتمعية القائمة فى الوقت الحالى". اضاف: "يجب النظر إلى المستقبل، لأن تعديل الدستور لانتخاب الرئيس هدف قصير الأمد، ولن يؤدى إلى حل مشاكلنا لأنه من الممكن أن يأتى المستبد العادل عن طريق هذا الدستور". وتابع: "يجب أن تكون هذه اللجنة، وفقا للبرادعى، معبرة عن جميع انتماءات الشعب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لأن وظيفتها ستكون إعداد دستور جديد لا يقوم على نظام اجتماعى هش". وأكد البرادعى: "المسألة لا تتعلق بمن سيُرشح فى 2011، ولكن بالقيم التى يود المجتمع أن يعيش فى ظلها، وبرؤيته لما يجب أن يكون عليه فى العشرين أو الثلاثين سنة المقبلة"، بحسب تعبيره مشيرا إلى أن المصدر الأساسى لتحقيق ذلك هو دستور جديد. ولذلك، كما يقول البرادعى، "إذا كنا نريد أن نبدأ بداية جديدة وجدية فى مصر، يجب علينا أن نتوقف عن الحديث عن تعديلات لإزالة عوائق قانونية ودستورية فقط، لأن مثل هذه التعديلات قد تساعدنا فى انتخاب رئيس فى ظروف نزيهة فى عام 2011، إلا أنها تبقى مجرد عملية ترقيع. المهم هو ما يأتى بعد ذلك، فالأمر لا يتعلق بشخص واحد فقط، وإنما بمصير وطن". ومن هنا يحدد البرادعى القيم الأساسية التى يجب أن يقوم عليها الدستور الجديد، وهى حق الإنسان فى حياة كريمة، وحقه فى حياة حرة، وتحقيق العدالة الاجتماعية. وحذر البرادعى من تفاقم الفقر فى مصر باعتباره"أقوى أسلحة الدمار الشامل"، بحسب تعبيره، وهو الذى يرتبط فى رأيه بغياب الحكم الرشيد، وأقصر الطرق إلى التهميش والعنف والحروب الأهلية والحروب الإقليمية. ويعبر البرادعى عن قلقه إزاء عواقب اهتراء الطبقة الوسطى، التى يعتبرها حزام المجتمع، لما سيؤدى إليه هذا الاهتراء من أن تصبح القيمة الأساسية التى تحكم مصر هى السلطة أو المال وليس العلم. من جهة أخرى يرى البرادعى، أن مصر تحتاج إلى إجراء عملية "مصالحة ومصارحة وطنية" يجوز أن تسير بالتوازى مع عملية صنع الدستور، "لكى يصدر فى النهاية معبرا عن حقيقتنا وليس عن القناع الذى نضعه". والمصارحة الوطنية، تعنى وفقا له، "الاعتراف بأخطائنا التى ارتكبناها ولم نتعلم منها، فليس من العيب ان نعترف بأخطائنا، لأننا لن نتعلم إلا إذا اعترفنا بها". وأوضح البرادعى أن كلامه لا يعنى محاسبة أحد فى الوقت الحالى، لأننا "لا نستطيع فى هذه المرحلة أن نتحول بنظرنا من المستقبل إلى الماضى، فمشاكلنا اليوم أكبر بكثير من أن نتطرق منها إلى محاكمات وعقوبات، الماضى له ما له، على الأقل فى المرحلة الحالية. دعونا ننظر إلى مصر بمشاكلها الثقيلة، وكيف نسير بها إلى الأمام".