في مقطع حزين مؤثر يقول الشاعر الملهم كامل الشناوي في قصيدته « لا تكذبي» على لسان حبيب يعاتب حبيبته ويسألها ماذا يقول عنها، بعد كل الذي شاهده من غدرها وخيانتها: ماذا أقول لأضلعٍ مزقتها شوقاً إليكِ ماذا أقول لأدمعٍ سفحتها أشواقي إليك؟ أقول هانت ... أقول خانت ... ؟ يا ويلتى لن أقول أنا .... فقولي ونفس السؤال الحزين نوجهه لمن بقيت في نفسه ذرة من وطنية أو شعور بالخجل من بين أولئك الذين ينتسبون إلى ما يسمونه معارضة شمالية. وما هي بمعارضة، ولكنها بلاء وقع على هذا البلد المتسامح المسكين، بغض النظر عن الحكومة القائمة وما ارتكبته أو يمكن أن ترتكبه من أخطاء. ولأننا نعرف أن في صفوف المعارضة رجالاً شرفاء لا ترقى إليهم الشبهات، عركتهم الحياة وامتلكهم حب هذا الوطن، ومستعدون دوماً للتضحية بحياتهم قبل أن يضعوا أيديهم في أيدي أعداء وطنهم ومن اتبعهم من العملاء. هؤلاء نسألهم كيف يرضون لأنفسهم أن يصنفوا مع مجموعة لا يدري أحد من أي مستنقعات الأرض خرجوا؟ ونسألهم لماذا لا يتكلمون ولا يعارضون أولئك الذين ارتضوا لأنفسهم المشاركة جهاراً نهاراً وبلا خجل في اجتماع دعا له في جوبا قنصل أمريكي ما شهدنا مثله من بين قناصل الدول استهتاراً بالخلق والأدب والدبلوماسية، رجل صريح في عدائه وعنصريته إلى درجة الهبل. صريح حتى في طرحه لخطة تدمير هذا البلد وإشاعة الفتنة في ربوعه وفي محاولاته صرف الدولة الجنوبية الجديدة عن بناء مقدراتها ومواجهة مشاكل بنائها ليحيلها إلى وقود في حرب حاقدة لئيمة، لن ينوبها منها غير الانزلاق في متاهات الارتباك والفوضى التي تقف على أعتابها. لن نلوم ممثلي الدولة الجديدة الذين حضورا هذا الاجتماع، فهذا قدرهم ومبلغ فكرهم، إن هم أرادوا أن يتحولوا من دولة جادة مستقلة تحترم كرامتها وسيادتها إلى دولة فاشلة عميلة تضحي بمصالح أبنائها لتلقي بهم في أتون صراع مميت لا غاية له إلا خدمة أجندات لا صلة لها بهم. ولكننا نسأل من تبعهم، ممّن يسمون أنفسهم معارضين وما هم بمعارضين، إلا إذا كانت العمالة والتخابر مع العدو أصبح في آخر الزمن معارضة. ماذا يفعلون؟ هل فعلاً قدموا تقريراً عن الأوضاع في الشمال للسيد باري واكلي القنصل الأمريكي؟. عهدنا أن العملاء يقدمون تقاريرهم سراً لمخدميهم ويتلقون الثمن سراً. هل وصلنا إلى زمان يقدم العملاء تقاريرهم لأعداء الوطن جهاراً نهاراً؟ وهل صحيح أن القنصل قد كشف لهم الإستراتيجية تجاه الشمال والتي تتضمن كما يقول الخبر: « استخدام الحركة الشعبية وقوى المعارضة لتغيير بنية الدولة السودانية بدعم مباشر من واشنطن»؟ وأن «أمريكا لن تتخلى عن قضايا أبيي وجبال النوبة والنيل الأزرق، وسيدعمون استمرار الحركة في الشمال لتكون قريبة من هذه الملفات»؟ وهل صحيحٌ يا من سماهم القنصل القوى السياسية في الشمال، أن القنصل قد أشاد بعملكم الكبير من خلال تحالف جوبا، ووعد بتقديم الدعم اللازم؟ وأن أهدافكم تتطابق مع ما يتطلعون إليه؟ أبهذه الأهداف المشتركة بينكم والحركة وأمريكا، تريدون أن تكرروا في السودان ثورة الشباب في مصر وتونس؟ هل تسيئون الظن بأولئك الشباب الشرفاء إلى هذا الحد؟. ولكن كيف نلومكم وقد توقعنا زلزالاً سياسياً وإعلامياً وقانونياً ودبلوماسياً تجاه هذا الذي تفعلون. فلم نحصل من ذلك إلا استيضاحاً من الخارجية للقائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم حول تصريحات القنصل إياه حول رفع العقوبات. عقوبات أيه؟ والرجل يتحدث عن إستراتيجية تشترك فيها الحركة الشعبية والمعارضة الشمالية لتغيير بِنية الدولة السودانية؟ يعجبني هدوء أعصاب أهل هذا البلد. ___ *سؤال إضافي: وبمناسبة الخارجية، من ذلك العبقري الذي أوعز بعد صمت دام أعواماً في حضرة حسنى وأبو الغيط، بفتح ملف حلايب في هذه اللحظة التاريخية بالذات التي تمر بها ثورة مصر الخالدة؟ نجيبها من وين وللا من وين؟! نقلاً عن صحيفة الرأي العام السودانية 17/2/2011م