الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام أمس الأول من جوبا عاصمة دولة جمهورية جنوب السودان، “لاحظ أننا بكل بساطة نتابع خبراً عن دولة ولدت أمس الأول"، تكشف عن طبيعة ساحرة خصوصاً تلك الأشجار الطويلة القامة والمفعمة باللون الأخضر، وقد انفردت ظلالها على الطرقات والساحات في جوّ شديد الحرارة، بدا فيه الجنوبيون راقصين وكرنفاليين كالأشجار الخضراء، “لاحظ أننا نستخدم الآن كلمة “الجنوبيون"، في مقابل “الشماليون" وبكل بساطة منذ أمس الأول فقط، حيث ولدت دولة من ضلع دولة . الرقص، هناك، كان سيد الصورة وسيد المشهد . الصور هي طريقنا البصري لمشاهدة جنوب السودان، تلك القطعة التي كانت منذ يومين فقط مثبتة في خريطة شجرة العائلة العربية، الشجرة التي يبدو أن أوراقها تتساقط، فمن الجنوب إلى الشمال، ومن الشمال إلى الجنوب إلى الوسط، وربما من الجنوب إلى جنوب الجنوب، ومن الشمال إلى شمال الشمال في إطار فسيفسائي تتفكك فيه اللوحة الكلية، وتتحول إلى ثقافة بصرية تجريدية . لا يمكن لمن تابع صور احتفال انفصال أو استقلال أو “اختلال" جنوب السودان عن شماله إلا أن يدوخ بمنظر الطبيعة السحرية، بعيداً بالطبع عن سحر السياسة، أما هذا الدوخان الذي يطيح بالرأس والقلب معاً فله مصدر سياسي هذه المرة، وربما هو مصدر سوريالي على الأقل بالنسبة إلينا نحن أبناء العرب الذين لم نعرف الكثير عن السودان الشمالي، فكيف لنا أن نعرف القليل عن السودان الجنوبي، “وللأسف مرة أخرى وفي إطار الدوخان السياسي والجمالي ها نحن نقول منذ أمس الأول فقط السودان الشمالي والسودان الجنوبي" . ولدت دولة السودان الجنوبية في أقصى ارتفاع لدرجات الحرارة السياسية العربية، ولكن هذا المولود لن يضاف إلى شجرة العائلة، شهادة ميلاده لن تخرج من دائرة الأحوال المدنية العربية، وجواز سفره غير معروف “التعريف" والهوية . غداً، سيبحث له عن مقعد في هيئة الأممالمتحدة، لكنه ربما سيعد إلى العشرين قبل أن يقبل الجلوس على مقعد في الجامعة التي تسمى على سبيل الدعابة وربما السخرية، الجائعة التي لم تتعلم من المثل السائر، تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها . تراكم سياسي سوداني وعربي، وإهمال ولا مبالاة، كانت نتيجته واضحة أمس الأول للعالم كله، ولم يبق فقط سوى ان نرقص في جوبا بالعصيّ والسيوف، كما سنرقص في “جوبات" أخرى مقبلة، لا سمح الله . المصدر: الخليج 11/7/2011