لا تزال تتردد قي أرجاء عديدة منا لملعب السياسي السوداني أصداء مطالبات الحركة الشعبية المستمرة بالتحول الديمقراطي وبسط الحريات وإلغاء القوانين المقيدة الحريات . فطوال فترة الست سنوات هي عمر فترة الإنتقال التي قررتها إتفاقية السلام الشامل والتي إمتدت من يوليو 2005 وحتي يوليو 2009 ، فان الحركة الشعبية لم تكف يوماً واحدا ًعن المناداه بالتحول الديمقراطي . الآن وبعد أن إنطوت تلك الصفحات وأصبحت الحركة الشعبية حاكمة (منفردة) في دولة الجنوب الوليدة . بدأت تتأكد بجلاء نواياها حيال الممارسة السياسية حيث تبين للجميع دون استثناء أن الممارسة الديمقراطية أبعد ما تكون عن مخيلة الحركة السياسية وليست في بالها ولا من المنظور أن تشغل بها نفسها . صحيح ربما بدا الوقت مبكراً الآن لإصدار حكم في هذا الخصوص ، ولكن وفضلاً عن أن الحركة ظلت حاكمة للجنوب لست سنوات قبل أن يصبح دولة قائمة بذاتها ، فإن خطابها السياسي العام وسلوكها الذي برز بقوة الآن لا يشير فقط إلي استحالة تطبيق أدنى قدر من الممارسة الديمقراطية ولكنة يتجاوز ذلك إلي اعتمادها أسلوب (الرمي بالرصاص)لكل من يخالفها الرأي أو يختلف معها . لقد كان الأسبوع الماضي وحده خير شاهد علي ذلك فقد كان العنوان الرئيسي لذلك الأسبوع هو التصفيات السياسية لخصوم الحركة ، حيث جرى إغتيال العقيد قلواك قاي في ولاية الوحدة وأشارت أصابع الإتهام إلي الحركة الشعبية وإستخبارات جيشها الشعبي ، ثم ما لبثت أن وردت أنباء أخرى من مصادر مطلعة أشارت إلي إعدام اللواء (قبريال تانج) و(17) جندباً بعد ما كان قد تم إعتقالهم علي خلفية تمردهم ضد حكومة الجنوب اثر خلاف عميق وقع بينهم . من الواضح أن الحركة الشعبية بإستهلالها لحكمها في دولة الجنوب الوليدة بهذه الذبائح السياسية والقرابين تود إختطاط منهج سياسي متفَرد فحواه أن التعامل السياسي في بينها وبين الآخرين يبدأ وينتهي باستخدام القوة . لقد نسيت الحركة وتناست الممارسة الديمقراطية وثبت أنها كانت مجرد وسيلة تعكًَر بها صفو شركائها في الشمال وتزايد عليهم بها مزايدة سياسية . ويعتقد العديد من المراقبين أن من شأن إنتهاج هذا المنهج أن يقود لعملية احتقان سياسية معقدة فالقوي الجنوبية الأخرى تقف الآن علي الهامش ، لا دور لها ولا تقر لها الحركة بشيْ ، والدستور الذي جرت صياغته لم يشارك في صياغته أحد ، كما لم تنجح مطالبات تكوين حكومة موسعه تضم كافة الأطياف السياسية فقد لخص أحد قادة الحركة الأمر في أن الحركة الشعبية هي وحدها التي زرعت وناضلت وكابدت والآن حان أوان الحصاد ، ومن المؤكد أنها سوف تظل تحاكم سياسياً كل القوى الجنوبية التي لم تشاركها الحرب والنضال وتقصيها من الملعب كما ستظل تحاكم( بالرصاص ) كل من ينازعها سلطانها بما بات يفضي إلي دولة داخل قفص حديدي ،وبجانبه موقد نار مشتعل !