يعتبر د.غازي صلاح الدين أحد قيادات الحركة الإسلامية التي شاركت في صياغة مشروع ثورة الإنقاذ في مستواه النظري، بعد الثورة اجتهد لإيجاد صيغة مثلى لتطبيق أفكاره النظرية في واقع السياسة المضطرب، فابتدر هذه المحاولة بإصدار كتاب «السياسة الشرعية» الذي طرح عبره مفاهيم تأصيلية لمرحلة الدولة ، شارك الدكتور في حسم قضايا مصيرية كما الحال بالنسبة لمشكلة الجنوب حينما كان ضمن وفد الحكومة في مفاوضات نيفاشا، عرف بتمسكه بالمواقف المبدئية التي كثيراً ما تدخله في خلافات مع بعض قيادات حزبه وربما بسببها ابتعد إلى حين، وقدم استقالته لأسباب اختلف الناس في تفسيرها. الآن عاد غازي صلاح الدين إلى ساحة السياسة بقوة من خلال إمساكه بأهم الملفات كملف دارفور، فظل طوال هذه الفترة يُشرِّح الجروح ليتحسس مواضع ومواقع المشكلة الدارفورية على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وملف العلاقات السودانية الأمريكية الذي أدخله في حوار عميق مع مبعوث أمريكا للسودان سكوت غرايشن للوصول إلى صيغة تدرأ المفاسد أو كما قال، وكان صوته عالياً في النقاشات الأخيرة بين الشريكين حول إجازة بعض القوانين باعتبار أنه رئيس الكتلة النيابية بالمؤتمر الوطني بالبرلمان ويبدو أنه قرأ المشهد السياسي جيداً وألم بالقوانين وما وراءها وعرف بنودها بدقة متحسباً لكافة التفاسير.. «الانتباهة» التقت الدكتور غازي صلاح الدين مستشار رئيس الجمهورية مسؤول ملف دارفور في حوار تناول ماوراء الجدل الذي دار بين الشريكين حول بعض بنود نيفاشا والعلاقات السودانية الأمريكية وملف دارفور إلى جانب قضايا حزبه فماذا قال؟ لم انخدع يوماً بشعار شراكة استراتيجية مع الحركة الشعبية شهدت الفترة الماضية كثيراً من التجاذبات بين الشريكين حول مسألة إجازة القوانين ودار حديث حول أن هناك مساومات تمت فماذا حدث؟ المباراة في الفترة السابقة بين المؤتمر الوطني والقوى الأخرى بما فيها الحركة الشعيبة، هي مباراة حول الانتخابات وليس القوانين.. القوانين كانت ذريعة تتخذها الحركة من أجل المماطلة في قضية الانتخابات. تقصد أن الحركة الشعبية لا تريد الانتخابات؟ الآن الموقف المعلوم أن الحركة الشعبية لا تريد الانتخابات وتفضل أن يقدم الاستفتاء أولاً، لذلك حدث تمترس وراء شعارات اختفت وراءها القضايا الحقيقية، وإذا كانت قد حدثت تسوية نهائية بين الرغبتين فهي لمصلحة خيار الانتخابات. قيل: حدثت تنازلات من المؤتمر الوطني.......؟ مهما يقال عن تنازل هنا وهناك، لكن المطلب النهائي كان للمؤتمر الوطني هو خيار الانتخابات، ويبدو الآن بالمقاييس المعلومة التي يمكن أن نقيس عليها، إنها ستقوم وفي مواعيدها وستكون كاملة غير مجزأة. ماذا عن القوانين التي كانت مثار جدل؟ كل قانون له خصوصيته، لكن أكثر القوانين التي أثارت جدلاً قانون استفتاء الجنوب واستفتاء أبيي، صحيح كان هناك جدل حول قوانين أخرى مثل قانون الأمن الوطني، لكنه لم يكن جدلاً حقيقياً، بمعنى أن الموقف الذي تمترست به الحركة وهو رفض فقرة الاعتقال التحفظي لم يكن نابعاً من إيمان حقيقي بقضية الحرية، لأن المعلوم أن الممارسات العملية للحركة في حكومة الجنوب خلاف ذلك تماماً. لكنها كانت قضية جيدة للمساومة استغلتها الحركة بصورة تلقائية. وقانون استفتاء الجنوب وأبيي؟ القانونان الخطيران هما: قانون استفتاء الجنوب وأبيي، بالنسبة لقانون استفتاء أبيي من الواضح أن المعضلة الرئيسة أُجل النظر فيها بإحالتها إلى المفوضية. ما هي المعايير التي استندت عليها في هذه الإحالة؟ هذا الشيء تسنده الاتفاقية التي تتحدث عن أن المفوضية هي التي تقوم بوضع المعايير للناخب في أبيي، ولو أن المفوضية والقانون في النهاية أحدثا وضعاً تميزياً بين المواطنين السودانيين في أبيي فإن هذا سيؤدي إلى مشكلة مزمنة وغير قابلة للحل وستظل عقبة في سبيل تحقيق السلام. المسيرية أبدوا تخوُّفهم من أن يقود القانون الذي أجيز بالنسبة لاستفتاء أبيي إلى ضياع حقوقهم، فما هي مبررات هذا التخوف؟ المسيرية لهم تخوف مبرر، القانون لم يقل إنه يميز ضد المسيرية، لكن هناك اعتقاد بعدم وضوح النص، وعندما تأتي المفوضية إلى قضية تحديد من هو الناخب ربما يؤدي ذلك إلى ضياع حقوق المسيرية أو أي مواطنين موجودين في المنطقة، وما ينبغي أن نحذره هو عدم إنشاء وضع تمييزي، لذلك كان النقد للقانون الآخر قانون استفتاء جنوب السودان لأنه بالمادة «27/3» أنشأ وضعاً تميزياً واضحاً، صحيح هذا عُدل إلى الأفضل في المادة «27/4» وهو تعديل حسن، لكن لايزال يستبقي مجموعة مُميز ضدها دون سبب وجيه لأنها تنتمي لأصول جنوبية، لكن يبدو أن الحركة استجازت التمييز ضدها لأنها ترتبط بالشمال، وهذا قد ينشئ تعقيداً دستورياً. بالنسبة لقانون استفتاء أبيي ألم يكن من الممكن معالجة هذه المادة قبل إحالتها للمفوضية؟ هذه هي التسوية التي كانت متاحة في إطار كل القوانين الأخرى. كيف تطمئن قبيلة المسيرية لعدم حدوث إشكالات طالما أن هناك تعقيدات أُجلت؟ إذا طبقت نصوص الدستور تطبيقاً حقيقياً يمنع التمييز، هذا سيكون أحد ضمانات التخوُّف من حدوث تمييز، ويبدو أن هناك طرفاً ليس لديه مانع من التمييز، الحركة الشعبية بإصرارها على المادة «27/3» أوضحت أنها لا تمانع من التمييز ضد الجنوبيين، دعك من المسيرية إذاً هناك تخوف مشروع، لذلك لا بد أن تحرص القوى السياسية والمؤتمر الوطني بصورة خاصة على تطبيق الدستور ووثيقة حقوق الإنسان كما هي، وأرجو أن لا ينقسم الناس إلى مسيرية ودينكا في منطقة أبيي، وأنا أتحدث عن المواطن تماماً كما أتحدث عن عدم جواز التمييز بالنسبة للمواطن الجنوبي في قانون استفتاء جنوب السودان والمادة «27/3» على وجه التحديد، هذه مسألة تقع في صميم القضايا الأخلاقية التي لا يجوز المساومة فيها بمعنى أن هناك قضايا يمكن اتخاذ مواقف فيها على أساس حزبي تكون متعلقة بالمسائل المصلحية المباشرة.. كيف تكون الحكومة وبأي نسب، هذه القضايا الموقف الحزبي قد يكون فيها مبرراً، لكن هناك قضايا متعلقة بحقوق السودانيين عامة لا بد من التعامل معها على أساس مبدئي صارم. رغم إجازة قا نون استفتاء الجنوب فهناك حديث عن وجود مواد معقدة، ما هي هذه المواد؟ المادة الأخطر والأعقد في قانون استفتاء جنوب السودان في اعتقادي هي المادة «67»، هذه المادة يمكن أن تؤدي إلى الحرب بصورة واضحة. لماذا؟ لأن في كل التجارب الانفصالية هناك نوعاً من التشريع أو التقنين الذي يسمى التوضيح.. حتى تكون الأشياء واضحة سلفاً، على الأقل بعض القضايا الواردة. مثل ماذا؟ مثل قضية الحدود والجنسية والمياه وما يسمى بالقضايا الموضوعية، هذه لا بد من الاتفاق حولها قبل إجراء الاستفتاء، إذا أُجري الاستفتاء ولم يتم اتفاق واضح حول قضية الحدود يمكن أن تتصور ما يحدث، لذلك هذه المادة في غاية الأهمية والخطورة، وفي تقديري كان الموقف السليم يتطلب إجازة هذه المادة حتى نحدد على الأقل بعض القضايا التي ينبغي الفراغ منها قبل إجراء الانتخابات، وكلمة قبل كانت مهمة جداً أُدخلت في التعديل الأول الذي أسقط لاحقاً.. الاتفاق على هذه القضايا اعتقد كان من مصلحة الجميع، الجنوب والشمال والبلاد حتى يستقر الجنوب والشمال سواءً حدثت الوحدة أو الانفصال. الحركة الشعبية على لسان أحد قياداتها قالت إن تحفظها على المادة «27/3» كان بسبب خشيتها من مطالبة مجموعات كبيرة كانت قد هاجرت من الجنوب منذ عشرات السنين بالمشاركة في الاقتراع وضرب مثلاً بإمكانية مطالبة أوباما وعائلته فما قولك؟ التعريف الذي اعتمد للجنوبي أُخذ من دستور جنوب السودان، لذلك لا يمكن للحركة الشعبية أن تدعي بأن تعريفها الذي وضعته يدخل أوباما، إذا كان هذا صحيحاً فيجب أن نعترض على دستور جنوب السودان الآن، هذا مثال سخيف لأن أوباما ليس سودانياً والحديث يدور حول الجنوبيين السودانيين، والجنوبي السوداني معرّف تعريفاً دقيقاً في دستور جنوب السودان ونحن أخذنا هذا التعريف نفسه وقبلنا به في قانون الاستفتاء، إذا كان هناك عيب في تعريف الجنوبي إذاً هناك عيب في دستور جنوب السودان وليس فينا. الحركة ترى أن هذه المجموعات المهاجرة قد تسبب في مشكلة، ألم يكن هذا التوُّجس مشروعاً؟ أبداً، المشكلة في التمييز، بعد أن يُقرُّ بأني جنوبي والآخر جنوبي، يُميَّز ضدي بأن يقال إنك جنوبي مشكوك في نواياك، أو ربما أصولك، ولا بد أن تذهب إلى قريتك لتسجل أولاً ثم تصوِّت، ثانياً بعد «6» أشهر، والسؤال لماذا هذا التمييز؟، وإذا صُنفت بأنني جنوبي بنص التعريف الوارد في دستور جنوب السودان لماذا يُميز ضدي، فالمثال الذي أورده بعض قادة الحركة الشعبية سخيف يرتد عليهم. ربما هناك تحفظات أخرى مرتبطة بالتزوير؟ إذا كان التخوف من أن يُزوِّر الشماليون الانتخابات الإجابة ستكون أن الحركة الشعبية أيضاً متهمة بأنها يمكن أن تزوِّر هذا الاقتراع في الجنوب . ما الحل في هذه الحالة؟ إذا كانت هناك احتمالات تزوير، الحل يكمن في الرقابة، كل طرف يراقب، كما يحدث في أية انتخابات، احتمالات التزوير واردة هنا وهناك لكن لا يوجد سبب قانوني ولا دستوري يبرر هذا التميُّز. وفقاً لروح قانون الاستفتاء والإشارات الواردة ألا تعتقد أنه أسّس للانفصال؟ ليس بالضرورة أن الإجراءات الأخيرة أَسست للانفصال، التأسيس للانفصال كان شيئاً ماضياً منذ وقت طويل، حقيقة منذ الاستقلال، الحكومات لم تتخذ الإجراءات المناسبة لتحقيق الوحدة، لو أنها أنشأت بنيات أساسية بين الشمال والجنوب منذ عام 1956م لما قامت الحرب، ولحدث تمازج طبيعي من خلال الحراك السكاني شمالاً وجنوباً. لكن نيفاشا من خلال بنودها مهّدت عملياً للانفصال؟ اتفاقية نيفاشا قامت على فرضية أن يتبنى الطرفان موقف الوحدة، لكن كان واضحاً بالنسبة لي أن الحركة الشعبية تُتاجر بقضية الوحدة فهي لم ترغب يوماً من الأيام في وحدة حقيقية.. وهذا لا يبدو فقط في الموقف والتعبير السياسي للحركة أو بعض قادتها لكن يظهر أيضاً في السلوك العملي. ما هي هذه الأشياء العملية التي بنيت عليها؟ إصرار الحركة الشعبية على إجازة قانون الاستفتاء بهذه الصورة التي لا تكرِّس فقط للانفصال، وإنما إلى الانفصال المصحوب بحرب. الانفصال يمكن أن يكون مقبولاً لأنه مطروح كخيار، لكن ما سبب الحرب؟ لأنه إذا حدث انفصال دون معرفة الحدود وحقوق المواطن الجنوبي وعلاقة الموارد كالبترول والمياه، ستكون هذه الأشياء أسباباً حقيقية لإستثارة الحرب، خاصة أن هناك من يرى عدم وجود قضية موحِّدة للجنوبيين إلا الحرب والحرب على الشمال.هناك قوى سياسية جنوبية لها رأي مغايير، أليس كذلك؟ نعم، هذه الاتجاهات من التفكير تقابلها اتجاهات راشدة جداً لدى بعض القوى السياسية الجنوبية وقوى وحدوية اجتماعية وسياسية في جنوب السودان، واعتقد أن التعويل عليها أضمن بكثير من التعويل على مزاجية الحركة في طرح قضية الوحدة لأنها تطرحها بطريقة تعجيزية. الحركة الشعبية كذلك تتحدث عن أن المؤتمر الوطني لم يفعل شيئاً لجعل الوحدة جاذبة؟ هذا في تقديري مراوغة واضحة، الموقف الحقيقي للحركة الشعبية انفصالي، بينما توجد قوى وحدوية في الجنوب، فلا ينبغي أن نخلط بين الجنوب والحركة الشعبية لأنها تتحرك بأجندة شمالية عموماً. برأيك ماذا تريد الحركة الشعبية من هذه الأجندة الشمالية؟ هي ضمنت انفصال الجنوب، وتريد أن تمتد من خلال امتدادات محددة إلى السياسة الشمالية لهذا السبب لا بد أن نفرق بين القوى الجنوبية الوطنية والوحدوية وبين القوى التي تسعى للانفصال. ما تفسيرك لوقوف بعض الأحزاب الشمالية مع الحركة الشعبية في كثير من القضايا السياسية؟ بالنظر لتاريخ الحركة السياسية وتاريخ هذه الأحزاب الشمالية، لا اعتقد أن هذا الموقف يعبِّر عن تيار فكري مبدئي متعمق داخل تلك الأحزاب وإنما إجراء ظرفي يقوم على مصلحة متبادلة ولا يكتسب صفة الديمومة، قد لاحظتم أن الحركة الشعبية باتفاقها مع المؤتمر الوطني تخلت تماماً عن تلك القوى الشمالية، وقد تتأزم العلاقة بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني ويتكرر هذا الشيء مرة أخرى وتعود الحركة الشعبية إلى الأحزاب الشمالية. هل هذه سياسة إستراتيجية بالنسبة للحركة أم تكتيك مرحلي؟ المجموعة الحاكمة في الحركة الشعبية تستغل جميع القوى السياسية بمهارة كبيرة لتحقيق أهدافها المرحلية، مرحلة بعد مرحلة، ويمكن أن تنتقل من هذا المعسكر إلى ذاك بسهولة، وهي أكثر القوى السياسية مقدرة على المناورة لكنها ليست قائمة على مبادئ ويبدو أن القوى السياسية التي تحالفت معها ارتضت بذلك وهذا سيكون خصماً على تاريخها وتراثها. أين تكمن المشكلة، في قيام تحالف سياسي بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ؟ إذا كنت تتحدث عن ما درج الناس على تسميته بالشراكة الإستراتيجية،. فأنا لما أنخدع يوماً بهذا الشعار، ولم أؤمن مطلقاً بإمكانية قيام شراكة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية . هذا يعني رفضك لأي شكل من أشكال العلاقة بين الشريكين؟ أنا لا أمانع في ذات الوقت في قيام شراكة تنفيذية من أجل تطبيق اتفاقية السلام، وهذا يعني أنني لا أرفض العلاقة مع الحركة الشعبية والدليل على ذلك أنني عملت داخل البرلمان من خلال قوانين كثيرة لتحقيق هذا الأمر عملياً، وأجزنا معظمها بتطابق في المواقف، لكن دعونا نميز بين البعد النظري والمبدئي الذي تنطلق منه هذه الأطراف، فهما ينطلقان من منطلقين مختلفين، إلا أن البعد البرغماتي التنفيذي قد يكون متاحاً في كثير من الأحيان، لأنك أنت تعمل في ساحة سياسية تضم أحزاباً متعارضة ومختلفة سياسياً، رغم ذلك تتعايش معها، لكن الحديث عن الشراكة الإستراتيجية كان حديثاً واهماً وكنت دائماً أنبِّه لذلك.. فمشروع الحركة الشعبية انطلاقاته ومنطلقاته ومبادئه وأهدافه النهائية مختلفة عن المشروع الذي يقوم عليه المؤتمر الوطني، لذلك أقصى ما يمكن أن يقوم بينهما هو علاقة سياسية تنفيذية من أجل تطبيق برنامج محدد،. ربما هذه هي توقعاتك المستقبلية، أليس كذلك؟ نعم ، عندما تحدثت عن مستقبل السياسة السودانية قلت: أتوقع أن تتحول السياسة في منتهاها في هذه المرحلة إلى مسارين رئيسيين، مسار يمثله المؤتمر الوطني وكثير من الأحزاب الشمالية التاريخية ومشروع السودان الجديد الذي تمثله الحركة الشعبية وربما قوى سياسية واجتماعية أخرى تتحالف معها، في السياسة لا بد أن تكون لديك رؤية واضحة عن ماذا يمكن تحقيقه، الشراكة الإستراتيجية لا يمكن تحقيقها، الشراكة التنفيذية السياسية يمكن تحقيقها. بعض قادة الحركة الشعبية كثيراً ما يلوِّحون من خلال تصريحاتهم إلى الرجوع إلى المجتمع الدولي والإيقاد كرعاة للسلام، فهل هناك دواعي لمثل هذا الحديث؟ الاتفاقية عندما تم توقيعها بشهادة دولية عام 2005م كانت في تلك اللحظة قد تجاوزت مرحلة الإيقاد، لذلك لا أتصور أو أتوقع للإيقاد أي مهمة باقية حتى الآن، صحيح أن الإيقاد مدرجة في آليات التنفيذ والمراقبة مثل مفوضية المتابعة.. والإيقاد نفسها في جوهر الأمر لم تكن ممسكة بالمبادرة.. كانت باسمها لكن شركاء الإيقاد هم الذين يسيرونها وأصبحوا أصحاب حق أصيل من خلال تدوين المشكلة واتفاقية نيفاشا التي وضعت الحل تحت رقابة دولية. ما هو الدور الذي لعبه المبعوث الأمريكي غرايشن في خلاف الشريكين حول القوانين؟ المبعوث الأمريكي للسودان غرايشن عندما زار السودان في الفترة الأخيرة ، كانت المباحثات بين الشريكين تسير على قدم وساق لذلك لم يتدخل فيها أو يساهم سوى بالنصح. كانت هناك تعليقات من سوزان رايس حول الإجازة الأولى لقانون الاستفتاء، في أي سياق فهمها المؤتمر الوطني؟ الأخطر من تصريحات سوزان رايس، تصريح الخارجية الأمريكية التي أصدرت بياناً منحازاً للحركة الشعبية دون التدبُّر في جوهر الخلاف وإصدار موقف معتدل من أمريكا أمرٌ غير متوقع، فنحن لم ننخدع يوماً بأن الإدارة الأمريكية غيّرت موقفها تجاه السودان. انتخابات اختيار ولاة المؤتمر الوطني ظهرت فيها أمراض السلطة من قبلية وممارسات غير مشروعة أعطت إشارة سالبة خاصة أن المؤتمر الوطني حزب يقوم على أفكار ويدعو إلى التعامل بمنهج الشورى.. إلى ماذا ترد هذه الظواهر؟ ما حدث بعضه قد يكون بُولغ في عرضه وبعضه قد يكون صحيحاً وليس مقبولاً، فيما يتعلق بطريقة التنافس اعتقد أن التركيز على الدولة وإدارة الدولة بما تفرزه من عقلية محافظة وعقلية التمكين كما يسمى دائماً تكون خصماً على البعد الإستراتيجي الفكري لذلك الحزب الناجح يستطيع المزج بين المواقف المبدئية والفكرية التي ينطلق منها وبين الممارسة السياسية. هل ناقشتم هذه القضية في أجهزة المؤتمر الوطني أو على مستوى خاص من خلال الكتابات؟ أنا كتبت قبل ذلك وقلت إن الحركات المعنوية التي لا تمارس التصحيح المستمر كما تفعل الخلايا الطبيعية التي تقوم بعملية تصحيح مستمر للخلايا وأجهزة الجسم الداخلية ستصاب بأمراض، لأن أي بناء عضوي للحزب أو الحركة السياسية ينبغي أن يمارس النقد الذاتي وعمليات المراجعة والتصحيح المرحلية حتى تتمكن الأحزاب من التصويب نحو هدفها بصورة دقيقة واعتقد أن أدواء السياسة لا تستثني أحداً يمكن أن تصيب المؤتمر الوطني وأحزاباً أخرى ويمكن أن يتحول المؤتمر الوطني نظرياً إلى حزب طائفي أو مصلحي ليست له أهداف واضحة ولا ثابتة، هذه كلها أمراض يمكن أن تصيب جميع الناس كما يصيبهم الزكام والالتهاب، ولكن الكائن المعنوي كالحزب أوالحركة السياسية ينبغي أن يحرص على إدارة الحوارات الداخلية التي تصحح مساره. أيضاً في المؤتمر الوطني أصبحت هناك مدرسة أقرب إلى مدرسة التسويات هل هذا الأمر ظاهر بالنسبة لكم؟ ظاهر جداً ما المخرج؟ هذا النوع من التفكير ربما يبدو ظاهرياً أنه يمد في عمر الإنسان أو الكيان السياسي مثل الإنسان الذي يستنشق المخدرات ويشعر أنها أعطته عمراً إضافياً بينما هي تخصم من عمره، كذلك الحال بالنسبة لعقلية التسويات التي لا تتقيد بالمؤسسات وقراراتها ولا بالأهداف النهائية والمبادئ المؤسسة. نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 4/1/2010م