من أيّ وجهة نظر نظرنا إليها تبدو الاتهامات الأمميةالأمريكية الموجهة للسلطات السودانية بتأخير إقلاع طائرات تابعة للأمم المتحدة من جنوب كردفان تحمل جرحي ، عصية تماماً على الفهم. ذلك ان السؤال الذى سرعان ما سوف يتبادر الى الذهن هو ما طبيعة المصلحة السودانية فى تأخير إجلاء جرحي يتبعون للقوات الأممية؟ فقد أشار المتحدث باسم الخارجية السودانية – رداً على هذه الاتهامات – الى ان السلطات السودانية لم تؤخر اى عمليات إجلاء وان المدة التى استغرقها طلب الإذن بالتحليق وصدور التصريح بالموافقة عليه هى أقصر مدة ممكنة للحصول عليه بحسب المتحدث باسم الخارجية السودانية . من جانب آخر فان الجرحى التابعين للمنظمة الدولية، أصيبوا بالجراح جراء انفجار ألغام أرضية زرعتها مجموعة الحلو إبان تمردها الأخير فى الخامس من يونيو حزيران الماضي ، وربما كانت هذه الحقيقة هى ما تسعي واشنطن من جهة والأممالمتحدة من جهة أخري للمداراة عليها وتغطيتها بجدار سميك لأنها ليست من مصلحة المتمردين التابعين للحركة الشعبية ، فالسيدة سوزان رايس مندوبة واشنطن فى مجلس الأمن ومع إدراكها التام لخطأ الخطوة التي قام بها المتمرد الحلو بإطلاقه الطلقة الأولي، إلا أنها رغماً عن ذلك شديدة الاهتمام بمحاصرة الحكومة السودانية وحدها ، لهذا جاء التعذر والتذرع بهذا التأخير المزعوم . وتشير متابعات (سودان سفاري) فى كادوقلي الى ان الأممالمتحدة كثيراً ما حلقت طائراتها وهبطت دون الاهتمام بأخذ الإذن من السلطات السودانية، وقد تسبب هذا الوضع فى العديد من الإشكالات ، بل ان تحركات قوات الأممالمتحدة ظلت تتم باستمرار بمعزل عن أى تنسيق مع الجانب الحكومي رغم أهمية ذلك ورغم أن هذا منصوص عليه فى أمر تفويضها ، وليس أدلّ على ذلك من دخول هذه القوات لحقل ألغام تأكد أنه حديث جري زرعه قبل أيام أو أسابيع بواسطة مجموعة الحلو المتمردة وهو ما أدي الى إصابة الجنود الأمميين . وما من شك ان السلطات السودانية مهما كانت درجة اتفاقنا أو اختلافنا معها لا مصلحة لها فى تعويق إنقاذ ومعالجة هؤلاء الجرحى ، ويبدو ان اللوم الأمريكي مفهوماً لأغراض صرف الأنظار عن طبيعة الحادثة والمتسبب فيها وكيفية معاقبة المتسبِّبين ، ولا غرابة فهذه هى الطريقة الأمريكية المعتادة حينما تود التغطية على شيء والمداراة عليه بحيث لا يراه أحد، فهي تضع ستاراً سميكاً ولكنها تنسي ان من وراء الستار السميك تظهر ظلال التحركات و تدل علي ما يجري ! ان هذه الاتهامات الأمميةالأمريكية هى فى الواقع بمثابة اتهامات ضد واشنطنوالأممالمتحدة بشأن صمتها المريب حيال من وضع هذه الألغام أولاً ، دعك من تأخير الإجلاء !