استؤنفت في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا جولة مفاوضات جديدة بين دولتي السودان وجنوب السودان، حول القضايا المتبقية من ملفات السلام، وهي الجولة الثانية من نوعها عقب انفصال الجنوب في التاسع من يوليو الماضي. ويسعى مفاوضو الجانبين بمساعدة وسطاء أفارقة يقودهم الرئيس الجنوب إفريقي السابق، ثابو أمبيكي إلى حسم كثير من القضايا المتبقية بين الطرفين وعلي رأسها قضايا أبيي والنفط وترسيم الحدود والتجارة بين البلدين. وقالت تقارير صحافية في الخرطوم أمس، إن الحكومة قد وضعت رؤية واضحة في تعاملها مع القضايا المتبقية والتي يأتي على رأسها ملفا أبيي والنفط، ويسعى ممثلون من حكومتي السودان وجنوب السودان في أديس أبابا لاستئناف المفاوضات حول العلاقات المستقبلية بين البلدين. وفي نهايات يوليو المنصرم، تعثرت المفاوضات بين السودان وجنوبه في جانبها الاقتصادي، وعاد الوفد الحكومي إلى الخرطوم من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، برئاسة الدكتور الفاتح علي الصديق وزير الدولة بالمالية دون التوصل إلى أية تفاهمات، وكشفت تقارير – حينها- عن رفض الحركة الشعبية لمقترحات توفيقية دفع بها الوسيط المشترك ثابو أمبيكي والتي وجدت قبولاً من طرف وفد حكومة السودان، وأشارت إلى أن الحلول التي طرحها الوسيط الأفريقي تتعلق بالنفط ورسوم استخدام البنية التحتية للشمال، وقالت إن مقترحات أمبيكي لا تبقي على حصة الشمال وفق الاتفاقية السابقة، لكنها تعطيه وضعاً أفضل مما تطرحه الحركة الشعبية، فيما تمسكت الحركة بموقفها السابق، وأكدت التقارير تمسك الحكومة السودانية بالرسوم التي أقرتها سابقاً حسب التسعيرة التي تراها مناسبة، وأشارت إلى أن حكومة السودان كانت تسعى للوصول إلى حلول كاملة دون تجزئة، وذكرت التقارير حينها، إن فريق الترتيبات الأمنية بقي في أديس أبابا، لكن المصادر لم تشر إلى حالة سير العملية التفاوضية في هذا الجانب. والأسبوع الماضي، دفعت الخلافات بشأن تدفق نفط الجنوب عبر السودان، والقضايا المتبقية بين الدولتين "الأم والوليدة"، وحرب التصريحات بتوقف تدفق النفط وغيرها من القضايا الساخنة التي تشهدها الساحة السودانية، دفعت حكومة الصين إلى إرسال وزير خارجيتها إلى السودان ليزور البلاد لأول مرة، والتقى الوزير الصيني برئيس الجمهورية وقيادات الدولة، وبحث معهم عدة ملفات وفي مقدمتها تدفق نفط الجنوب عبر الشمال، وبعد زيارته الناجحة إلى الخرطوم، اتجه الوزير الصيني إلى عاصمة الدولة الوليدة، جوبا، والتقى هناك برئيس دولة جنوب السودان، سلفاكير ميارديت وبحث معه ذات الملفات، وأفادت المتابعات – حينها - بأن زيارة وزير الخارجية الصيني للبلدين توجت بالاتفاق على استمرار تدفق النفط من الجنوب عبر الشمال لتحقيق المصالح المشتركة للدول الثلاث، باعتبار أن النفط يحقق مصالح الجميع، وبتدفقه تضمن الصين تأمين "7%" من إمداداتها النفطية. واعتبر محللون سياسيون وأكاديميون استئناف المفاوضات بين شريكي السلام، خطوة ايجابية لجهة حسم القضايا المتبقية، وهي خطوة وصفها الباحث والمحلل السياسي، محافظ أبيي الأسبق، اللواء "م" عبد الرحمن أرباب، بأنها بداية طيبة لمواصلة الحوار لحلحلة القضايا العالقة بين الدولتين، وقال أرباب الذي تحدث أمس ل"الرائد" "إن انعقاد المفاوضات في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، يؤكد أن أزمة الثقة بين الدولتين لازالت قائمة بينها وأنه سيد الموقف"، مشيراً إلى أن المفاوضين من الجانبين تنتظرهم ملفات عصية في معظمها وتحتاج لجهد كبير منهم لإحداث اختراق فيها، ونوه أرباب إلى أن تواجد التدخل الأجنبي والتواجد الدولي الكثيف في المفاوضات سيكون في ذروته ليبذر هؤلاء بذرة الخلاف الأولى بين الدولتين، داعياً طرفي التفاوض إلى تفويت الفرصة على هؤلاء ومشدداَ على ضرورة البداية الجادة لحل المشاكل دون إراقة دماء ودون توترات أمنية بينهما، وطالب أرباب بتضافر الجهود السياسية حتى تعيد كل دولة ترتيب أوراقها بصورة أفضل. لكن الخبير الاستراتيجي الدكتور اللواء محمد الأمين العباس، أستاذ الإستراتيجية في كلية العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري، يرى في حديثه ل"الرائد" أن مفاوضات أديس أبابا بين الدولتين فيها ملفات لا يمكن التنازل حولها وأخرى قابلة للتنازل، موضحاَ أن الملفات التي لا يمكن التنازل حولها تتمثل في ملفي أبيي والحدود لأن أي من الحكومتين ستدخل في حرج مع شعبها إن قدمت تنازلاً في أي من هاتين القضيتين، مضيفاَ أن بقية الملفات يمكن التفاوض عليها كالنفط والديون الخارجية لأنها أقرب للمسائل التجارية. وكانت رئيسة بعثة الأممالمتحدةالجديدة "يومنيس"، هيلدا جونسون قد توقعت حسم ترتيبات الحدود بين شمال وجنوب السودان في غضون خمسة أيام وقالت في مؤتمر صحفي بجوبا الخميس الماضي لتوضيح مهام البعثة الجديدة في الجنوب، إنه في حال فشل الطرفين في التوصل إلى حسم ملف الحدود فإن مجلس الأمن يعطي الأممالمتحدة الاضطلاع بمسؤولياتها، وأضافت "علينا الانتظار قليلاً لنرى نهاية المفاوضات الجارية في أديس أبابا بشأن تلك القضايا". وكشفت جونسون عن اتفاقها مع رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت خلال لقائها معه على إنشاء آلية لعمل البعثة بالجنوب ومجلس استشاري، وأعلنت جونسن عن استئناف مفاوضات أديس أبابا بين الشريكين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، بحضور هايلي منكريوس مبعوثاً من الأمين العام بان كي مون. وتسيطر قضية أبيي على المباحثات الحالية في إعقاب التصريحات التي أطلقها رئيس حكومة الجنوب سلفاكير والذي أشار خلالها لتبعية أبيي للجنوب مما دعا المؤتمر الوطني، ومطالبته لرئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت بالابتعاد عن التصريحات السالبة غير المفيدة للعملية السلمية الجارية حول منطقة أبيي، واعتبر تصريحاته - سلفاكير ميارديت - التي هدد فيها بوقف تصدير نفط الجنوب عبر الشمال وإشاراته بتبعية منطقة أبيي لدولته - سالبة ولا تقود إلا إلى تعقيد الأوضاع. وكشفت تقارير اقتصادية قريبة من المفاوضات، أن المحور الأساسي للمفاوضات تركز حول إيجاد صيغة لتعاون اقتصادي متكامل بين الجانبين بما يعزز أفضل الخيارات لمرحلة ما بعد الانفصال والمتمثلة في إرساء دعائم اقتصاد ذي جدوى لكلا الدولتين، بحيث تلتزم كل دولة بمبدأ تعامل اقتصادي يراعي عدم ترك آثار سلبية على اقتصاد الأخرى. وأكدت التقارير أن المفاوضات استهدفت البحث عن آليات تمكن من تحقيق تعاون اقتصادي كامل يشمل البترول والتجارة والعملة. وفي الوقت الذي سيطرح فيه رئيس الوساطة الأفريقية ثامبو أمبيكي رؤيته التوافقية للحل أمام الطرفين بغية التشاور توقع مسئولون في الاتحاد الإفريقي أن يتم الاتفاق بين السودان وجنوبه في المفاوضات الحالية على خطوط اتفاق عريضة حول القضايا المتبقية بينهما خاصة في ملفي النفط وأبيي بجانب ملفات الحدود والتجارة بين البلدين ،حيث من المتوقع – بحسب الوسطاء الأفارقة- أن يتم أن يكون السادس من سبتمبر القادم موعدا حاسما لطي هذه الملفات وتوقيع اتفاق مبدئي بواسطة الاتحاد الأفريقي على أن يتم التوقيع على الاتفاق النهائي في نهاية سبتمبر بحضور الضامنين الدوليين . نقلا عن صحيفة الرائد بتاريخ :15/8/2011