ليس هنالك من وصف لتصرفات واشنطن تجاه الخرطوم منذ أشهر والي هذه اللحظة سوى أن هنالك (إرهاب) من جانب واشنطن تجاه الخرطوم بشأن رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب. موضوعياً لا يمكن حتى مجرد التفكير بأن الخرطوم تدعم الإرهاب أياً كان تفسيره ومعناه، سواء وفق القاموس السياسي الأمريكي البالغ الضيق والإشتطاط، أو حتى استناداً لأي تفسير في أي قاموس آخر. موضوعياً أيضاً لا يمكن لنا كمراقبين أن نشك لحظة في أن السودان قد أوفي بالتزاماته ألتي جعلت منها واشنطن شرطاً لرفع أسمه من القائمة، فقد دارت هذه الاشتراطات بكاملها حول الوفاء بكافة بنود الاتفاق السلمي بين شمال السودان وجنوبه وهو ما أنجزه السودان بامتياز أثار إعجاب واشنطن نفسها ودفع وزيرة الخارجية الأمريكية (هيلاري كلينتون) لإطلاق تصريح شهير تناقلته وكالات الإنباء حينها – في مارس الماضي – بأن السودان يستحق (جائزة) على ما قام به. ويومها خاطبت الخارجية الأمريكية الخارجية السودانية رسمياً – وأبلغت الوزير السوداني على أحمد كرتي - بأن إدارة الرئيس اوباما قد (شرعت) رسمياً في عملية رفع أسم السودان من القائمة وأن الأمر ربما استغرق وقتاً نظراً للإجراءات البيروقراطية المعتادة والتي لا تخلو من تعقيد، ولكن في النهاية فان الإجراء سوف يتم. الآن تبدل الحال، وأشارت أنباء الى صدور القائمة الأمريكية في تقرير صادر عن الخارجية الأمريكية (التقرير السنوي) وفيه أسم السودان بما يعتبر نكوصاً بتعهدات واشنطن وتنصلاً من وعودها. وربما يقول البعض خاصة المهتمين بهذا الشأن في واشنطن أن إدارة الرئيس أوباما لم تستكمل بعد إجراءاتها البيروقراطية وأنه إزاء ذلك والي حين أكمال الإجراءات فان من الطبيعي أن يظل أسم السودان على القائمة. ولكن ما يدحض هذه المقولة، ان الخارطة التي تم وضعها والتوافق عليها والوعود التي صحبتها أشارت إلى أن الأمر سوف يتم في غضون ستة أشهر، انقضت هذه الأشهر الآن ولم يتحقق فيها شيء. كما تلاحظ أن واشنطن – ومع وعودها المستمرة هذه عكفت على ملاحقة الخرطوم بشأن ما جري في جنوب كردفان من تمرد قادته مجموعة لمتمرد الحلو، فقد كان واضحاً أن واشنطن توقفت طويلاً جداً أمام أحداث جنوب كردفان واعتبرتها سانحة نادرة لها لكيما تزيد من قيودها على السودان، اذ أن المندوبة الأمريكية سوزان رايس بدت في غاية الشراسة حيال تعامل إدارتها مع السودان ما بين السعي لتوسيع نطاق تفويض بعثة اليوناميد في دارفور وتجاهل الموافقة السودانية وما بين السعي لإدانة السودان في تقرير جري تقديمه لمجلس الأمن الجمعة الماضية من المفوضة المسئولة في جنيف. وعلى كل فان السودان وكما قال من قبل المستشار د. غازي صلاح الدين عاش لعقود بدون واشنطن ولن يضره الأمر كثيراً لمواصلة مسيرته بذات المعطيات، غير أن واشنطن – بهذا المسلك المؤسف – تبدو كمن تفقد الخرطوم حاجتها الماسة لها في ظل الظروف الماثلة.