من جديد عادت الولاياتالمتحدةالأمريكية إلي تكرار وعودها للسودان، بشأن العقبات الاقتصادية الأحادية التي تفرضها عليه منذ عقود من الزمان، وإعفاء ديون السودان المجمدة لدي واشنطن، ومع أن الوعد مثل كل مرة لم يكن قاطعاً بشكل محدد، إلا أنه وضع سقفاً لرفع العقوبات، غير أن الإدارة الأمريكية لا زالت متمسكة بقوائمها المطولة من المطلوبات التي يتوجب علي السودان إنفاذها قبل الحصول علي أية مكافأة، وهو ما تري فيه الخرطوم مجرد دغدغة للمشاعر بطريقة "البوليتيكا" الأمريكية. فقد تضمن مشروع الموازنة الأمريكية للعام القادم الذي بعث به الرئيس باراك أوباما، أمس الأول، إلي الكونغرس، توطئة للمصادقة عليه، إشارة إلي إمكانية استفادة السودان من ديونه لدي الولاياتالمتحدة، وطلب أوباما، من الكونغرس المصادقة علي مشروع الموازنة متضمّنة إمكانية استفادة السودان من إعفاء ديونه لدي الولاياتالمتحدة وفق شروط معينة، بالإضافة إلي معونة بقيمة 2,7مليار دولار لجنوب السودان.وخصص مشروع الموازنة الأمريكية مبلغ 250مليون دولار لتغطية دين السودان لدي الولاياتالمتحدة استناداً علي التزامات واشنطن تحت مبادرة "الهيبك" والتي تتيح للبلدان المثقلة بالديون إمكانية التخلص من أعبائها بعد الإيفاء بمتطلبات إصلاحية معينة.وأشار اوباما في مشروع الموازنة إلي أن وزارة المالية الأمريكية تتوقع أن يصبح السودان مؤهلاً لإعفاء ديونه لدي للولايات المتحدة والبالغة 2400مليار دولار بحلول السنة المالية 2013م، غير أن الرئيس اوباما لفت المشرعين الأمريكيين إلي أن استفادة الخرطوم من الإعفاء رهين أيضا بالإيفاء بالتزامات سابقة وضعها الكونغرس فيما يخص ابتعاد السودان عن دعم الإرهاب، فضلاً عن التزامه بتنفيذ اتفاقية السلام وعدم انتهاك حقوق الإنسان. وينتظر أن يخضع مشروع الموازنة المقترح لمداولات أعضاء الكونغرس والتي ستفضي إلي قبوله أو رفضه. ولا تختلف خطوة الرئيس أوباما الجديدة بشأن السودان عن سابقاتها، المتصلة بالوعود المتكررة سواء بتخفيف الديون ورفع العقوبات الاقتصادية أو رفع اسم السودان من قائمة الدول العربية التي تتهمها الولاياتالمتحدة برعاية الإرهاب، وبدأت واشنطن علي الدوام علي رهن تنفيذ تلك الوعود باشتراطات تعتبرها الخرطوم نوعاً من المماطلة والتسويف، فمنذ توقيع اتفاقية السلام الشامل مع جنوب السودان في العام 2005م، تركزت اشتراطات واشنطن بصورة أساسية في أنه حال تنفيذ الخرطوم للاتفاقية بكافة بنودها خاصة ما يتصل منها بإجراء الاستفتاء علي تقرير مصير جنوب السودان والاعتراف بنتيجته، فإن الولاياتالمتحدة ستقدم للخرطوم مكافأة بتطبيع العلاقات ورفع العقوبات وإزاحة اسم السودان من قائمة الإرهاب. وفي يناير من العام الماضي، قال أوباما، أن إجراء استفتاء هادي ومنظم يمكن أن يضع السودان من جديد علي طريق نحو إقامة علاقات طبيعية مع الولاياتالمتحدة، وان إجراء استفتاء تسوده الفوضى سيؤدي إلي مزيد من العزلة. وأضاف أوباما في مقال افتتاحي في صحيفة "نيويورك تايمز" نشره البيت الأبيض"اليوم اكرر عرضي علي زعماء السودان، إذا أنجزتم تعهداتكم واخترتم السلام فهنالك طريق للعلاقات الطبيعية مع الولاياتالمتحدة بما في ذلك رفع العقوبات الاقتصادية وبدء عملية استبعاد السودان من قائمة الدول التي ترعى الإرهاب وفقاً لقانون الولاياتالمتحدة، وعلي النقيض من ذلك فهؤلاء الذين يخرقون تعهداتهم الدولية سيواجهون مزيداً من الضغوط والعزلة". وقد نفذت الخرطوم ما عليها من تعهدات بتنفيذ الاتفاقية وإجراء الاستفتاء بطريقة سلسة والاعتراف بدولة جنوب السودان المنفصلة كدولة ذات سيادة وذلك بشهادة المجتمع الدولي بما فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهو ما أقر به الرئيس باراك اوباما نفسه في سبتمبر العام الماضي، عندما قال أن السودان قدّم مثالاً رائعاً يحتذي به في عملية صنع السلام بعد معاناة من الحرب الطويلة، داعياً الفلسطينيين والإسرائيليين إلي الاقتداء بالتجربة السودانية التي صنعت دولتين عبر المفاوضات السلمية الطويلة، وقال حينها مبعوث اوباما إلي السودان برنستون ليمان، إن الرئيس باراك اوباما مهتم بما جرى في السودان بدليل أنه يتلقي أسبوعيا تنويراً عن ما يجرى فيه.وفي الرابع من فبراير الحالي، كشف وزير الخارجية، علي كرتي، لدي حديثه لبرنامج مؤتمر إذاعي، أن الرئيس الأمريكي باراك اوباما، هاتف الرئيس عمر البشير، وأقر بعدم التزام الإدارة الأمريكية بتعهداتها للخرطوم قائلاً:"خذلناكم عندما وقعتم علي اتفاق السلام ولم نفِ بوعدنا برفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ورفع العقوبات". ودعا رئيس الجمهورية،عمر البشير، في الكلمة التي ألقاها بجوبا في مناسبة انفصال جنوب السودان في التاسع من يوليو الماضي، بصورة مباشرة الرئيس الأمريكي باراك اوباما للإيفاء بالتعهدات التي قطعها، لكن وبدلاً من التعاطي الأمريكي مع تلك الدعوة الرئاسية،أشارت مندوبة واشنطن التي شاركت في ذات الاحتفالات، سوزان رايس، إلي أن الإجراء المتعلق برفع اسم السودان من قائمة الدولة الراعية للإرهاب، لا يمكن أن يطرح إلا بعد حل المشاكل العالقة بين الشمال والجنوب، والتي تشمل ترسيم الحدود وتقاسم عائدات النفط ووضع المواطنين الجنوبيين في الشمال وغيرها من القضايا.بل أضافت الإدارة الأمريكية إلي تلك الاشتراطات حل مشكلة دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، حيث تقود الحركة الشعبية تمرداً علي الدولة. ودفعت تلك الاشتراطات المتكررة بالرئيس البشير إلي القول بأن الولاياتالمتحدة لن تطبع علاقاتها مع السودان مهما فعل، وقال البشير في تصريحات سابقة لوكالة الأنباء الصينية، "نحن علي قناعة بأن أمريكا لن تطبع علاقاتها معنا مهما فعلنا ومهما وقعنا من اتفاقيات.. حتى إذا انتهت كل المشكلات في السودان فسيخلقون مشكلات جديدة". وسبق أن أعلن البيت الأبيض وضع جدولاً لرفع العقوبات عن السودان خطوة بعد خطوة، اعتماداً علي تنفيذ حكومة الخرطوم خطوات محددة، وأنه سيبدأ التطبيع بمبادرة من الرئيس الأمريكي،أوباما برفع الحظر في الحال عن تصدير معدات زراعية إلي السودان، وفي سبتمبر2010م، رفعت الولاياتالمتحدة الحظر علي إرسال أجهزة كمبيوتر إلي السودان. وأمر الرئيس الأمريكي، باراك اوباما، برفع القيود التي كانت تمنع تمويل جهات أمريكية للصادرات التجارية تجاه السودان. لكن في ذات الشهر أصدر الرئيس الأمريكي قراراً بتجديد العقوبات الاقتصادية علي السودان. وفي ديسمبر الماضي طالب بعض أعضاء الكونغرس الرئيس الأمريكي بفك الحصار المفروض علي السودان لتغيير مواقف الإدارة الأمريكية تجاه السودان،لكن شيئا لم يحدث.وأعلنت حكومة الخرطوم العام الماضي عزمها التعاقد مع شركة قانونية عضو في مجموعة الضغط بالولاياتالمتحدة في محاولة لرفع العقوبات الأمريكية عن السودان. وقامت شركة بارت فيشر القانونية، بحسب "آفريكا إنتيليجانس"، بعمل ملخص للعقد في خطاب بعثت به السفارة السودانية في واشنطن مطلع نوفمبر العام الماضي، لكن الخرطوم لم تؤكد ذلك رسمياً. ومع الوعود المتكررة للرئيس اوباما إلا أنه ظل يجدد بطريقة دورية العقوبات المفروضة علي السودان، وآخرها كان في نوفمبر الماضي، عندما طلب من الكونغرس تجديد العقوبات المفروضة علي السودان وقال اوباما في خطابه الذي بعثه للكونغرس إن الخرطوم لا زالت تهدد الأمن والسلم الدوليين وان دواعي العقوبات التي فرضت عليها لا زالت قائمة. وتفرض الولاياتالمتحدة عقوبات اقتصادية ضد السودان منذ عام 1997م وقامت بتجميد كل ممتلكات المؤسسات للحكومة السودانية بالولاياتالمتحدة. وتشمل العقوبات الأمريكية المجالين التجاري والاستثماري كما تمنع التعاملات المالية مع أشخاص ومنظمات.وتري حكومة الخرطوم أن تلك العقوبات هي في الأساس عقوبات سياسية القصد منها الإضرار بمصالح شعب السودان الحيوية عن طريق إعاقة تطلعاته في التنمية وعرقلة خطوات محاربة الفقر، ولممارسة المزيد من الضغوط علي حكومة السودان لكي تقدم تنازلات بشأن مواقفها السياسية خاصة تلك التي تتصل بمشاريع الهيمنة الأمريكية في المنطقة. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 15/2/2012م