يحزن المرء كثيرا لاستمرارية المشهد الدامي في جنوب البلاد، خاصة بعد مشاركة الجنوبيين في الحكم شمالاً والانفراد كليةً بالجنوب جنوباً .. فطاحونة الموت تطحن في الجنوب على وجه الخصوص الأبرياء، وتنتقي منهم وبشراهة النسوة والأطفال والمسنين .. ووتيرة الموت في ازدياد ملحوظ، حيث بلغ عدد القتلى الذين تم رصدهم بعدة طرق تقديرية في عام 2009 أكثر من ألفي قتيل (2000) عدا الجرحى .. هذا ومع الأسف فليس لدينا على مستوى الدولة أو حكومة الجنوب أية إحصاءات دقيقة يُعتمد عليها لأجل المقارنة ما بين (زهق الأرواح) بمختلف أوجهه وأنواعه في جنوب البلاد ما قبل السلام وبعده، لأن هذه المقارنة ربما تكشف الكثير من الحقائق التي على ضوئها يمكن استخلاص الخطوط العريضة التي سيُستفاد منها لأجل التمهيد لدراسات ومخرجات تساهم في خطة علاج أمر طاحونة التقاتل والتقتيل .. فالمفارقة الغريبة والتي يجب أن نقف عندها طويلاً هي في الحقيقة ما بين نوعية (التقاتل والتقتيل) حالياً والقتل سابقاً أي قبل وقف إطلاق النار... فالقتل سابقا كان يشمل في الغالب وبنسبة عالية حملة السلاح من الخصوم من الجانبين .. أما الآن فالتقتيل يشمل على الأغلب وبنسبة عالية الأبرياء من النسوة والأطفال والمسنين، أي بمعنى آخر فإنه يحصد مع الأسف من لا يهمهم أمر السياسة والايديولوجيات والإفرازات العرقية، أو بمعنى أدق من لا يفهمون حتى لماذا يُقاتلون و يُقتلون ؟؟.. هذا ولم نفاجأ حقيقة بما تناقلته (اوسوشيتد برس) قبل عدة أيام عن أخبار التقتيل وإحصاءاته بالجنوب لعام 2009، وذلك من خلال كاتبها (توم أودولا)، وكذلك ما أشار إليه الموقع الاليكتروني (بوسطن – دوت كوم)، فنحن على الرغم من ان لدينا مصادرنا التي تعكس المشهد الهولاكي بالجنوب، ولكننا نشير وننقل عن منظمات الغرب وكُتابه الذين يثق فيهم ويحترمهم كثيراً سياسيو الجنوب وكذلك العكس، وعليه واعتماداً على الغرب فإن ما تم تقتيله وتمت الإشارة إليه أعلاه إنما صحبه كذلك، مع الأسف، نزوح حوالي ربع مليون جنوبي من مناطقهم .. الأمر الذي أدى لتدهور الأوضاع الإنسانية وتفشي الأمراض بتلك المناطق المتضررة والمنكوبة وبشكل غير مسبوق في تاريخها .. كذلك صرح (إستيفن قوت قيهيبر) من (أطباء بلا حدود) بأن الموت جراء الإغارات في الجنوب يختلف في سماته وتكتيكاته وأهدافه عن الماضي، فهو أساساً يعتمد على الإغارة على القرى الآمنة، وتقتيل النساء والأطفال، ودوماً فإن عدد الموتى يفوق ثلاثة أضعاف عدد الجرحى !! أي بمعنى أن الأمر يميل نحو (تقتيل الإبادة) أكثر منه لأجل السرقة أو مشاكل سياسية .. هذا وقد أشارت بعض التقارير الإنسانية إلى أن هذا التقتيل قد فشلت في إيقافه حكومة الجنوب وبعثة الأممالمتحدة التي بدورها أشارت، أي البعثة، بأن وتيرة الموت في إزدياد ملحوظٍ، وبأن المنظمات الإنسانية على قلة الفعّال منها، وعلى الرغم من كثرتها، فقد فشلت في التعاطي حيال هذا الوضع الخطير والمتفجر .. وعلى حد قول (شيلقا وودز) نائبة مدير بعثة أطباء بلا حدود فإن هذا الأمر لو استمر هكذا فسيحول دون تنظيم الانتخابات في الجنوب .. وأخيراً وبكل أسف نقول بأن سياسي الجنوب الذين كنا نحلم بأنهم سيشكلون إضافة طيبة ومقدرة تعمل على تنمية الجنوب وتساهم في مسيرة الشمال، أي بمعنى تنمية الدولة ككل، فإنهم لم يعطوا الشمال أو الدولة غيربعض المشاكسات والسياسات المراهقة والمرهقة داخلياً وخارجياً، ولم يعطوا الجنوب أي شي سوى بعض الأجهزة الشكلية والمشاغِبة والغير فعالة .. أما أموال تنمية الجنوب فقد تسربت بآلية الفساد المجنون لجيوب البعض، حسب ما نقلته متابعات (أخبار اليوم العدد 5475) من أن أمريكيين من أصدقاء الحركة الشعبية، أجروا مؤخراً اتصالات مكثفة مع سلفاكير، كشفوا له خلالها معلومات اعتبروها بالغة التأكيد، مفادها بأنهم لاحظوا أن بعض الوزراء وكبار المسؤولين احتفظوا لأنفسهم بأرصدة مالية ضخمة، في عدد من المصارف الأمريكية، وأن أحد هؤلاء بلغ رصيده خمسون مليون دولارا .. (عجبي)!!! أخوتنا في الجنوب .. قلوبنا معكم من قبل ومن بعد، ونسأل الله أن يبدل واقعكم المرير بمستقبلٍ مشرق .. فأمركم يهمنا سواء كنا (واحد أو أتنين) .. نقلاً صحيفة أخبار اليوم 7/1/2010م