فاتني أن أعلِّق على خبر مصرع عددٍ من التجار الشماليين على يد جندي مخمور من الجيش الشعبي بمدينة الرنك بولاية أعالي النيل فقد قام ذلك الجندي بإطلاق وابل من الرصاص على مجموعة من التجار الشماليين بينما كانوا يجلسون وسط السوق الشعبي عصر يوم 12/9/1102 وكان من بين القتلى التاجر المشهور عماد سعيد وجُرح عدد من التجار!! بالله عليكم هل يحدث هذا في الشمال وهل يتعرض الجنوبيون المقيمون في الشمال لمثل هذا السلوك لمجرد أنهم جنوبيون؟! المهم أن جثامين الشهداء وصلت إلى مطار الخرطوم حيث قُبروا في أرضهم ووطنهم فهل يا تُرى نعيد فكرة نقل مقابر الشهداء من الشماليين إلى الشمال خاصة بعد أن انفصل الجنوب وأصبح دولة أخرى يكنُّ شعبُها عداءً سافراً للشمال وشعبه؟! لا أعني نقل رفات الشماليين الذين سقطوا بشكل فردي وإنما المقابر التي تضم جثامين عدد كبير من الشهداء مثل مقبرة توريت التي يحتفل الجيش الشعبي والحركة الشعبية كل عام بالقرب منها للتنديد بشهداء الشمال وتعظيم من قتلوهم غدراً وغيلة بل ورمي القاذورات في تلك المقابر وممارسة أفعال أتحرَّج عن وصفها. معلوم أن الحركة الشعبية أحيت ذكرى أول تمرد للجنوب والذي سُمِّي مجازاً بتمرد توريت الذي حدث في 81/8/5591 وقررت الحركة الاحتفال كل عام بتلك الذكرى وسمَّت القَتَلَة الذين ارتكبوا تلك المجازر بالأبطال ومن أسفٍ فإن تلك الاحتفالات تجري بالقرب من مقابر شهداء الشمال التي تتعرض لمختلف صنوف الإساءة والاستفزاز، في المقابل فإن الصحف نقلت خبراً خلال الأيام القليلة الماضية يقول إن منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة ومفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وقَّعتا اتفاقاً مع المركز السوداني للنزوح التابع لوزارة الشؤون الإنسانية لترحيل آلاف الجنوبيين من الشمال للجنوب قبل نهاية العام الحالي على أن تبدأ العملية التي تكلف ستة ملايين دولار اعتباراً من نهاية الأسبوع الماضي ونودُّ أن نسأل مدير مركز النزوح السر العمدة الذي تعهَّد بأن يُسيِّر ثماني رحلات خلال هذا الأسبوع إلى واو وأويل وواراب.. نسألُه عمّا إذا كان ما وعد به قد تحقَّق بالفعل أو على الأقل بدأ تنفيذه؟! قصدتُ بالسؤال التشكيك في مثل هذه التصريحات والاتفاقيات بالنظر إلى أن الواقع يكذب حقيقة أن هناك ترحيلاً للجنوبيين إلى موطنهم بل يؤكد عكس ما يُقال ذلك أن هناك نزوحاً كثيفاً تتزايد وتيرتُه من الجنوب نحو الشمال خاصةً بعد الأنباء المؤكَّدة عن حدوث مجاعة طاحنة في مناطق مختلفة من جنوب السودان اعترف بها وزير الشؤون الإنسانية جوزيف لوال الذي قال إن أكثر من مليون ونصف مليون شخص تضْربُهم المجاعة وأن ولاية الإستوائية الكبرى تُعتبر الأكثر تضرراً من تأخر الأمطار وانعدام الأمن وتدفُّق اللاجئين بسبب العنف في ولايتي جونقلي وأعالي النيل كما تحدَّث عن أثر إغلاق طرق التجارة مع الشمال ولا أظنُّ الناس نسُوا تصريحات والي سنار حول نزوح أبناء الجنوب نحو الشمال وبالمقابل طرد عشرات الآلاف من الأسر الشمالية من الجنوب!! لعل راعي الضأن في بادية البطانة يعلم أن الزيارة التي قام بها سلفا كير مضطراً إلى الخرطوم نشأت عن الأزمة الغذائية التي يعاني منها جنوب السودان فالرجل جاء مستغيثاً يطلب المساعدة من الشمال في ذات الوقت الذي يقوم فيه جيشُه الشعبي بتزويد عملائه عقار والحلو وعرمان بالسلاح والرجال لشنّ الحرب على الشمال.. أرأيتم بربكم مفارقة كهذه في حياتكم؟! لطالما كتبنا أن دولة الجنوب تعيش في بيت من الزجاج أو بالأحرى بيت العنكبوت وبدلاً من أن تكرس جهدهاً ومالها في حلحلة مشكلات دولتها الوليدة تقوم الحركة الشعبية بتوتير الأجواء وتعكير صفو العلاقة بين الشمال والجنوب وإشعال الحرب في الشمال من خلال عملائها الذين يخوضون حرباً ضد حكومة السودان من جنوب كردفان والنيل الأزرق!! بالله عليكم أليس من المنطق أن تستغل الحكومة السودانية الحالة الراهنة في الجنوب للقضاء على الحركة الشعبية التي أقسم بالله إنها تنطوي على حقد دفين وعداء مستحكِم بل وعلى إستراتيجية ثابتة تقوم على إسقاط نظام الحكم في الخرطوم وتدمير الشمال شعباً ووطناً؟! لا أظنُّ الناس قد نسُوا تصريح سلفا كير يوم مولد دولته حين قال وفي حضور الرئيس البشير بدون أدنى مجاملة أو حتى لباقة إنه لن ينسى دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وأبيي كما لا أظن الناس قد نسوا ما كتبناه حول اجتماع سوزان رايس مندوبة أمريكا لدى مجلس الأمن مع أولاد قرنق في جوبا حين تحدثتْ عن أهمية إسقاط نظام الحكم في الخرطوم!! على كلٍّ أقسم بالله لو كان الشمال يعاني مما يعاني منه الجنوب اليوم لما سمحت دولة الجنوب بقدوم البشير إليها لطلب الإغاثة، كيف تسمح له أو تسعفه وهي التي تعمل على اقتلاعه وتدمير بلاده؟! صحيح أن الشمال اليوم يعاني من أزمة غلاء ومن مشكلة ارتفاع الدولار وانخفاض الجنيه ولكن رحمة الله بهذا الشعب أبت إلا أن تأتي بسلفا كير جاثياً على ركبتيه طالباً الغوث والعون للخروج من أزمته الخطيرة التي تكاد تعصف بحكومته الهشة وهل من رحمة أعظم من أن يعلم سلفا كير ودينق ألور وغيرهما من مبغضي الشمال أنه لا ملجأ من الشمال إلا إليه فدول الجوار جميعها تعاني من الجوع كينيا ويوغندا وإثيوبيا وغيرها، أما أمريكا فإن الله تعالى صرفها بمشكلاتها بعد أن أخذت تترنّح وبدأ عدُّها التنازلي للانحدار نحو القاع؟! على كل حال لا أملك إلا أن أوصي الحكومة بأن تجيد اللعب بالأوراق التي في يدها اليوم بهدف القضاء على التمردات في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور.. وليت سلفا كير يعي الدرس ويعلم أن دولته الهشة أضعف من أن تخوض حرباً ضد الشمال بل أضعف من أن تتغلب على مشكلاتها المتمثلة في الجوع وانفراط الأمن والاقتتال القبلي وسوء الإدارة والفساد وأنها تحتاج إلى الشمال الذي أخذت تتهاوى وتُحتضر قبل انقضاء ثلاثة أشهر من إعلان ميلادها وانفصالها منه فها هي بحر الغزال تغلق مدارس عاصمتها بسبب الاضطرابات التي ضربت مدينة واو وراح ضحيتها عددٌ من الطلاب في مواجهات مع الجيش الشعبي والشرطة العسكرية وها هو الجنوب جميعه يقف على شفا الانهيار وها هو شعبه ينزح مجدداً نحو الشمال الذي ظلَّ يحملُه على كتفيه طوال التاريخ بالرغم من الكيد والحقد الدفين وبالرغم من مسيرة الدماء والدموع التي أراحنا الله منها بانفصال الجنوب وتحقيق الاستقلال الحقيقي. نقلا عن صحيفة الانتباهة بتاريخ :9/10/2011