بعد مماطلة استمرت لأكثر من أربعة أشهر من قِبل حكومة الجنوب في دفع رسوم عبور النفط عبر الأراضي السودانية بحجة عدم التوصل لاتفاق بين الجانبين حول القضايا العالقة، فاجأت الخرطومجوبا في اليومين الماضيين بقرار ايقاف تصدير نفط الجنوب عبر خطوط الانابيب والموانئ السودانية، لتنسحب آثار هذا القرار على حكومة الجنوب فقط، بينما سيتواصل تصدير نصيب الشركات المنتجة للنفط، ولكن المخاوف من تأثير هذا القرار على مستقبل العلاقات السودانية الصينية، خاصةً وأنّ القرار سيوقف تدفق النفط لبكين، التي تستورد معظم بترول جنوب السودان، كما أنه يطرح سؤالاً حول هل مماطلة حكومة الجنوب طيلة الفترة الماضية كانت خطوة ذكية ومقصودة هدفت منها جوبا إحداث شرخ في العلاقات بين السودان والصين وضرب بالعلاقات بين الخرطوم وبكين في مقتل؟ ويؤكد مستر لوه شباو فوانغ السفير الصيني بالخرطوم عدم تأثير قرار ايقاف تصدير نفط جنوب السودان بصورة مباشرة على العلاقات بين الخرطوم وبكين، باعتبار أن الصين مرتبطة باتفاقيات وعقودات حول النفط ملزمة للدولتين. لكن السفير قال في حديثه ل (الرأي العام)، إن اي قرار من الجانب السوداني حول النفط له أثر على انتاج الشركات العاملة في البترول بالشمال والجنوب، ومن شأنه تعقيد الوضع بينهما ولا يخدم مصلحة الجانبين والمصالح المشتركة عموماً. وطالب السفير الصيني دولتي السودان وجنوب السودان باللجوء إلى أسلوب الحوار والمفاوضات لحل القضايا العالقة وعلى رأسها الاقتصادية. وحول موقف الصين من القرار، قال إنّ بلاده لا ترغب التدخل في الشؤون الداخلية للسودان، لكنه دعا الحكومة الى عدم اتخاذ مثل (هكذا قرارات) إلاّ بعد دراسة أبعادها الاقتصادية والسياسية حتى لا تؤثر على الانتاج النفطي. وحول القرار الذي ستتخذه الحكومة الصينية بعد صدور قرار الايقاف، كشف السفير عن وجود مشاورات واتصالات مع الأطراف لدفعها الى الدخول في حوار مباشر بين البلدين في أديس ابابا بهدف التوصل الى اتفاقيات نهائية بشأن النفط، معرباً عن أمله في أن تفضي المفاوضات التي يتوقع استئنافها في غضون أيام الى الخروج باتفاق يرضي ويخدم الجميع ويحافظ على مستقبل العلاقات الصينية مع الدولتين. وينحى د. محمد سر الختم الخبير الاقتصادي المعروف في ذات اتجاه السفير الصيني، بتأكيده على أن القرار لن يؤثر على مستقبل العلاقات السودانية الصينية التي وصفها بالمتينة والراسخة. وحمّل سر الختم في حديثه ل (الرأي العام)، حكومة جنوب السودان مسؤولية إصدار القرار بما وصفه بتعنتها واستفزازها الواضح للحكومَة السودانية ما دفع الأخيرة إلى اتخاذ هذا القرار، وقال إنه قرار كان متوقعاً من الجانب الشمالي بعد مماطلة الجنوب في الالتزام بدفع ما عليه من متأخرات في رسوم عبور النفط، وقال: لا يُمكن السماح للجنوب بتصدير بتروله مجاناً عبر الشمال، واعتبره رد فعل طبيعي لهذه الاستفزازات. وحول احتمال أن حكومة الجنوب قصدت من التماطل في دفع الرسوم ضرب العلاقات بين السودان والصين، قال سر الختم إنه احتمال وارد منها، خاصةً وأنّها تعوّدت على الكيد للشمال، بيد أنه أكد أن المتضرر الأول ستكون حكومة الجنوب، لأنه بايقاف تصدير النفط ستتعطل مصالحها الاقتصادية لأنها تعتمد كلياً في اقتصادها على البترول، بجانب عدم إلتزام الدول المانحة بتوفير الإعانات لها. وفي السياق، قال د. عثمان البدري الخبير الاقتصادي، إن القرار كان متوقعاً وليس مفاجئاً في ظل تباطؤ حكومة الجنوب بعدم الالتزام في دفع ما عليها من استحقاقات تجاه الشمال، ورأي د. البدري أن الحل أمام جوبا الآن حتى تتراجع الخرطوم عن موقفها، دفع رسوم العبور ولا غيره بدلاً عن الاستمرار في المماطلة. وأكد البدري في حديثه ل (الرأي العام)، أنّ القرار لا يؤثر على مستقبل العلاقات الصينية، موضحاً أن هذا القرار يدخل في اطار العلاقات التجارية الطبيعية، مشيراً الى قرار روسيا بتوقيف تصدير الغاز لأوكرانيا، الذي لم يؤثر على العلاقات السياسية بين الجانبين. وتوقع البدري أن تخرج مفاوضات أديس أبابا حول النفط بنتائج ايجابية لصالح الشمال، لأن القرار سيكون في صالح المفاوضين الشماليين بتقوية موقفهم في حال ذهبوا اليها مسلحين بالدراسة والحكمة في التفاوض، لكن قبل ذلك ضرورة أن تتوافر الرغبة الحقيقية لدى حكومة الجنوب في انهاء الجدل المستمر حول النفط. نقلا عن صحيفة الراي العام السودانية 30/11/2011م