في خطابه لشعب جنوب السودان بمناسبة العام الميلادي الجديد، اتهم رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت حكومة السودان بسرقة نفط دولته، واصفاً ذلك بأنه «نهب في وضح النهار». ووفقاً لصحيفة «سودان تريبيون» الإلكترونية قال سلفاكير إن الخرطوم نهبت جوبا «1,2» مليون برميل من النفط وحولتها لمنفعتها الشخصية. في ذات التوقيت كانت حكومة دولة الجنوب تدفع بحشود عسكرية من الجيش الشعبي باتجاه أبيي من أكثر من ثلاثة محاور. وفي الوقت نفسه أيضًا كانت استخبارات الجيش الشعبي تحمل عتاداً عسكرياً «عربات محملة بالأسلحة المختلفة» يتقدمها ضابط استخبارات برتبة عميد باتجاه منطقة جاوا لدعم مالك عقار، «وإعادة شحنه وتشغيله من جديد» بعدما أخرجته القوات المسلحة من المنطقة مهزوماً مدحوراً. فإذا أضفنا إلى هذا «المزيج» إيواء جوبا لحركة العدل والمساواة بكل عتادها الذي عبرت به إلى هناك وبجراحها السياسية والعسكرية تنزف وقادتها مشتتو الذهن ومذعورون جراء الغياب المفاجئ لزعيمهم، فإن الأمر لا يحتاج إلى كبير عناء لإدراك ان النظام في جنوب السودان يدفع الأمور دفعاً باتجاه قدح الزناد.. زناد الحرب، فهذا العمل مجتمعاً أو مجزأً هو عمل من أعمال الحرب. وحديث سلفا كير عن سرقة نفط بلاده ليس سوى عنوان عريض لذريعة سياسية الغرض منها التبرير لما يعتزم نظامه القيام به.. ولعل حديث سرقة النفط هذا لا يخلو من قدر من السخرية، وقد يثير الضحك، ولكن هذا ما تعودنا عليه من قادة الحركة الشعبية في جنوب السودان، المزج بين الدعابة والدعاية والخلط بين الحقيقة والخيال فالنفط تعمل في مضماره شركات وأطراف عدة، ومقدار ما يتم ضخه معروف سواء تم تصديره أو تحويله إلى المصافي، وللسودان فيه نصيب ومن ثم فلا حاجة تستدعي لأن يسرق ما يملك فيه نصيباً. ومما لا شك فيه أن الرئيس سلفا كير أراد ممارسة «تعبئة سياسية» لبعض البسطاء من أبناء شعبه المغلوب على أمره ليبرر لهم العمل العدائي الذي تنتوي بلاده القيام به, والواقع أن النظام في جوبا كل يوم يثير حيرة المراقبين فهو يبدو في أمس الحاجة إلى حلحلة قضاياه العالقة مع السودان وفي مقدمتها قضية النفط ومنطقة أبيي، ولكن ومع حاجته الماسة هذه يساور قادته اعتقاد أن بإمكانهم الضغط علي السودان بكروت ضغط يعلمون هم قبل غيرهم أنها باتت «محروقة» وليست ذات فاعلية, فقضية النفط من الطبيعي أن يتقاضي السودان حقه جراء عبور صادرات نفط دولة الجنوب عبر أراضيه، وهو حق مكفول له بموجب القانون الدولي، وهذه أمور كان وما يزال من السهل تركها للفنيين من الجانبين بعيداً عن أي ظلال أو مؤثرات سياسية. لكن من الواضح أن جوبا تعمل على خلط الأوراق بصورة تضر بمصالحها هي نفسها قبل أن تضر باي طرف آخر، إذ أن من شأن إثارة الأوضاع في أبيي أن تقود إلى مواجهة عسكرية قد تفضي إلى حرب شاملة، والحركة الشعبية لها تجربة سابقة في هذا الشأن كان حصادها هشيماً حتى جنحت إلى التفاوض والحوار وحصلت بهما على ما لم تحصل عليه بالحرب رغم طولها ورغم التكلفة العالية التي تكلفتها, ولو كانت الحركة الشعبية تقف في محاذاة الحكومة المركزية في السودان وعلى قدم المساواة معها في الميزان والمعادلة السياسية أيام مفاوضات نيفاشا لانتزعت أبيي انتزاعاً ولما رضيت بأن تصبح محل استفتاء وهذا أكبر دليل على أن قضية أبيي لم تكن مسنودة بعنصر حق حقيقي من جانب قادة الحركة الشعبية حينما كانوا على طاولة المفاوضات مع الحكومة السودانية. بل إن قبولهم بأن تظل أبيي تابعة لرئاسة الجمهورية هو أبلغ دليل على ان حجتهم السياسية في ملكيتها كانت ضعيفة وإلى أن المفاوض الجنوبي أصلاً كان زاهداً فيها. ولعل الأدلة الإضافية التي جاءت لاحقاً لتؤكد أن قضية أبيي ضعيفة بالنسبة للطرف الجنوبي هو محاولة «شرائها» من السودان والمساومة عليها فيما عُرف بالنفط مقابل أبيي! فكما قلت من قبل فإن من يملك الشيء لا يشتريه. الآن تريد حكومة جنوب السودان من وراء حشدها العسكري أن تدفع الأمور صوب التدويل ووضع منطقة أبيي تحت الوصاية الدولية وذلك بتعمد افتعال مناوشات واشتباكات، لتكون ذريعة «قوية» لتدخل مجلس الأمن واستخدام الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة. إنها لعبة كبرى تحاول لعبها جوبا بالوكالة مدفوعة من أطراف دولية وأخرى إقليمية خدمة لمصالحها, إن ما يحير بالفعل أن جوبا ترسل وفوداً للحوار والتفاوض حول القضايا العالقة، وهي قضايا مهمة وحيوية بالنسبة لها وتتطلب أن تديرها جوبا وتتعاطى فيها مع الخرطوم بجدية ونية صادقة للوصول فيها إلى تفاهمات تصب لمصلحة البلدين فجوبا لها جالية كبيرة بالسودان فضلت البقاء فيه وامتنعت عن العودة إلى دولة الجنوب ولديها ضمن هذه الجالية طلاب الجامعات في التخصصات المختلفة والتي لا توجد نظائر لها في الدولة الناشئة، ولجوبا مصالح اقتصادية عديدة وتعتمد بصورة أساسية في غذائها على الواردات الغذائية من السودان، وهي محتاجة بشدة إلى الاستفادة من الخبرات السودانية في مجالات عديدة. فلماذا تحاول نسف ذلك كله بتحالفات وعلاقات بائسة مع أطراف أجنبية بعيدة عن الإقليم ومنبوذة من قبل محيطها الإقليمي، لماذا تغامر جوبا بعلاقات «الحياة» مع السودان نظير بعض الفتات وفضلات الطعام التي تلقى إليها ممن سرقوا أراضي وأوطان الغير في وضح النهار. نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 5/1/2012م