أواخر الأسبوع الماضي إتهمت الحكومة السودانية الولاياتالمتحدة بدعم متمردي جنوب كردفان والنيل الازرق. المتحدث بإسم الخارجية السودانية السفير العبيد أحمد مروح قال للصحفيين (إن الأوضاع الانسانية فى النيل الازرق وجنوب كردفان ما هي إلاّ نتيجة لتمرد مجموعات متمردة تدعمها أمريكا وترفض الضغط عليها للعودة الى اتفاقية السلام الشاملة). فى توقيت متزامن كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما يعلن رسمياً عن إستراتيجية بلاده الدفاعية الجديدة والتي حوت – فيما حوت – قراراً يقضي برفع الحظر عن الصادرات الدفاعية عن جمهورية جنوب السودان، وقال أوباما موجهاً خطابه الى وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون إنه سيسمح للولايات المتحدة بتقديم مواد و (خدمات دفاعية) الى جنوب السودان معللاً ذلك بأنه (سيعزز أمن الولاياتالمتحدة ويدعم السلام العالمي) ! كان هذا التطور المثقل بعلامات التعجب والاستفهام بمثابة مذكرة تفسيرية لطبيعة العلاقة بين جوباوواشنطن فى ظل ما يجري الآن فى دولة جنوب السودان من إقتتال قبلي حصد أرواح أكثر من 3 ألف ضحية وشرّد عشرات الآلاف، وفى ظل ما أشارت إليه بعض الأنباء من إعتزام جوبا شنّ هجمات عسكرية على مناطق أبيي وجنوب كردفان والنيل الازرق سواء عبر المتمردين أو عبر جيشها الشعبي. من الواضح أن واشنطن تتجه لتقديم أقصي ما لديها عسكرياً لجمهورية جنوب السودان لإحداث خلل فى المعادلة السياسية بين البلدين، وهذا ما نلاحظه – بوضوح شديد – فى قول الرئيس أوباما إن بلاده ستقدم مواد و(خدمات دفاعية) الى جمهورية جنوب السودان لأن ذلك - بحسب رؤية واشنطن - يعزز أمن الولاياتالمتحدة ويدعم السلام العالمي! المفارقة هنا أن الولاياتالمتحدة ليس لها حدود مطلّة علي المنطقة حتى يتهدد أمنها ومن ثم يحتاج لتعزيز؛ ولئن قال قائل إن واشنطن درجت على تحديد حدودها بالمدي الذي تبلغه مصالحها فإن مصالح واشنطن فى المنطقة ليست مهددة بأى تهديد جديّ ؛ بل على العكس كلما سمحت جوبا بدعم متمردين سودانيين، وكلما سمحت بتداول واسع النطاق للسلاح، فإن المنطقة لن تهدأ، ومن ثم يتسع نطاق الأزمة. إن فتح واشنطن لخزائنها ومخازن سلاحها لدولة الجنوب – فى هذه المرحلة – وعلى العكس تماماً مما قاله الرئيس أوباما لن يعزز أمن واشنطن ولا السلام العالمي، فهو سيزيد من وتيرة العنف والتوتر فى المنطقة، وخاصة أن جمهورية جنوب السودان تشهد حالياً عمليات إبادة جماعية واضحة المعالم لا يتطرق إليها الشك مطلقاً فى ولاية جونقلي حيث تُستَهدف قبيلة المورلي الرعوية ويتم حصد أرواح منسوبيها بالتحالف بين النوير والدينكا. من المؤكد أن واشنطن - قصدت أم لم تقصد - بإعلانها رفع حظر التسليح عن الجنوب تؤكد أنها تدعم وعلى نحو فاعل ومباشر الإبادة الجماعية الجارية حالياً فى ولاية جونقلي، ومن ثم فهي تشعل المنطقة وتدفع متمردين سودانيين ينشطون فى ولايتيّ جنوب كردفان والنيل الازرق لمعاودة عملياتهم العسكرية بعدما خسروها قبل أسابيع ولم يعد لهم وجود مؤثر على الأرض. من الحكمة أن تمعن واشنطن النظر جيداً فى هذه الخطوات التصعيدية غير المبررة فى وقت تقول فيه إن مسئولاً رفيعاً من قبلها فى طريقه الى الخرطوم أواخر الشهر الجاري، إذ ما فائدة وما جدوي وصول المبعوث الرفيع الى الخرطوم فى ظل هذه التطورات السالبة وفى ظل تصريحات إستباقية أطلقها الموفد الخاص برنستون ليمان بأن الوقت لا يزال بعيداً ومبكراً لتقرر بلاده رفع إسم السودان من قائمة الإرهاب؟ ليس هناك من سبيل لتفسير هذا الموقف المتناقض البالغ التعقيد من جانب واشنطن سوي أنها تسعي لإعادة إشعال النيران فى المنطقة مبتلعة نصائحها السابقة لجوبا بالنأي عن دعم المتمردين السودانيين!!