للذين لايعلمون فإن علي محمود حسنين انتمى إلى حركة الإخوان المسلمين خلال فترة دراسته بجامعة الخرطوم أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات إلى الحد الذي أصبح فيها رئيساً لإتحاد طلاب جامعة الخرطوم ممثلاً للاتجاه الإسلامي عام 1962م، وحتى بعد أن تخرج في الجامعة استمر عضواً في جماعة الاخوان، ولكن بعد ثورة أكتوبر شعر حسنين أن الحركة الإسلامية لن توصله الى سدة البرلمان ولا الوزارة بسبب صغر حجمها وتأثيرها السياسي في ذلك الزمن حيث كانت قوة ضغط محدودة لذلك غادرها حسنين المحب والمتلمظ للزعامة وانضم للحزب الوطني الاتحادي الذي كان وقتها حزباً كبيراً يقوده الزعيم إسماعيل الازهري الذي لعب دوراً بارزاً في استقلال السودان. ترك حسنين مذهبه وانسلخ من الحزب السياسي والعقائدي الصغير لينضم للحزب الكبير طمعاً في غنائم عضوية البرلمان وتطلعاً لمقاعد الوزارة ضارباً عرض الحائط بانتمائه العقائدي والفكري مقدماً مصالحه الشخصية الضيقة على المبادئ والضمير الحي، وبعد انتفاضة أبريل 1985 اعلن أنه لن ينضم للحزب الاتحادي الديمقراطي بسبب قياداته الطائفية وأعلن عن تشكيل الحزب الوطني الاتحادي وقدم نفسه كالزعيم الثالث بعد الأزهري والشريف حسين الهندي، ويذكر الناس كمّ الصور التي وزعها في أنحاء البلاد تضمه مع الأزهري والشريف الهندي واندهش الناس ما الذي يجمع بين قدر الأزهري والشريف حسين مع حسنين الذي جاء للحزب الاتحادي من أجل مصالحه الخاصة وتركه من أجل حظ نفسه وطموحاته غير المبررة، ورشح حزب حسنين في «45» دائرة جغرافية ورشح نفسه في دائرة دنقلا الشمالية مسقط رأسه ولم يكن مفاجئاً أن يسقط جميع مرشحي حسنين في الدوائر الجغرافية ودوائر خريجي الجامعات ولكن المفاجأة المدوية هي سقوطه في مسقط رأسه «دنقلا الشمالية» والمدهش أن الجهة التي أسقطته هي الجبهة الإسلامية التي اكتسحت دوائر دنقلا الثلاث رغم ما بذله من أموال طائلة كي ينفُذ إلى البرلمان. وعندما ذهب مهدي إبراهيم إلى دنقلا ليهنئ سكانها لتصويتهم لصالح الجبهة الاسلامية وإسقاطهم لعضو الحركة الاسلامية السابق المارق حسنين وكان أن هتف الدناقلة وهم يستقبلون مهدي «أصواتنا حلال مابالمال» كناية عما أنفقه حسنين من أموال في محاولة فاشلة منه لشراء الذمم والأصوات، وكانت خيبة حسنين كبيرة فالحركة الإسلامية أصبحت في الثمانينيات من القرن الماضي قوة سياسية متوسطة فازت بحوالى «51» دائرة انتخابية بينما كان نصيبه صفراً كبيراً، وهكذا كانت حسرته مريرة فالقوة السياسية التي غادرها عندما كانت صغيرة استطاعت إقصاءه من برلمان عام 1986م، وقضت على طومحاته البائسة وغير المبرَّرة.. لم يجد حسنين بدًا من أن يعود لحظيرة الاتحادي الديمقراطي بقيادة السيد/ محمد عثمان الميرغني رغم أنه ملأ الأرض زعيقاً بأنه ضد الطائفية وأنه مع المؤسسية والديمقراطية، ورضي يأن يعينه الميرغني نائباً ثانياً له وتنازل عن موقفه المعلن بأنه لن يتسنم موقعاً إلا بالانتخابات وفق إجراءات ديمقراطية. وقد ازداد حسنين مرضاً على مرض وهو يشاهد بأم عينه ويلمس بحواسه صعود الحركة الإسلامية إلى السلطة ويتمدد مؤتمرها الوطني على طول الوطن وعرضه، ويصبح القوة السياسية الكبرى والأولى في البلاد، كوادر سياسية وقيادات متميِّزة وشعبية ضاربة أبرزتها الانتخابات الاخيرة والتي كانت حرة ومراقبة محلياً وإقليمياً ودولياً، وهكذا تزداد نفس حسنين حسرة وهو يرى القوة الصغيرة التي تركها في الستينيات تصير قوة فاعلة في نهايات القرن السابق وبدايات القرن الحالي، وكلما ازدادت قوة وتمكيناً تميّز غيظاً وقال «ليتني استمررت معهم حتى أفوز فوزاً عظيماً» ولكنه ما كان ليتحمل تبعات الاستمرار على الحق وتحمل تبعاته وهو طالب دنيا زائلة ومناصب بائرة وسيظل بقية عمره الذي بلغ منتصف السبعينيات يتجرع العلقم ويزدرد الحسكنيت وقديماً قال الله جلت قدرته «في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضًا ولهم عذاب اليم بما كانوا يكذبون». نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 23/1/2012م