تبدو الحياة صعبة وقاسية للغاية فى مدن وأنحاء دولة جنوب السودان بسبب موجة عالية من ارتفاع أسعار السلع الأساسية. وتشير متابعات (سودان سفاري) فى هذا الصدد الى تزايد معدلات التضخم وإنفلات سعر العملة المحلية (الجنيه الجنوبي) فى مقابل الدولار. ويقول بعض العاملين فى أسواق جونقلي، إن تكلفة نقل السلع والبضائع تبدو مضاعفة نظراً لوعورة الطرق وغياب الأمن وطولها؛ وهو ما أوجد صعوبة بالغة فى إمكانية حصول المواطنين على احتياجاتهم من السلع الأساسية مثل السكر والزيت والبيض. ويضيف أحد العاملين الشبان: فى السابق كان يأتي الكثير من الشباب هنا بحثاً عن مستقبل وطمعاً فى مكاسب أكبر. الآن أصبح الوصول الى هنا صعباً ولكن الأكثر صعوبة منه هو العيش والأكثر صعوبة من الإثنين هو الخروج من هنا والعودة الى حيث أتيت . وتساءل فى غيظ: ما الذي كسبوه من وقف تصدير البترول؟ ومتي كانت السياسة بهذه الطريقة تحقق الأحلام والتطلعات وتملأ البطون؟ موظف بإحدي المنظمات الأجنبية قال إن العديد من سكان دولة الجنوب باتوا يتململون من قرار حكومتهم القاضي بوقف تصدير النفط، فالسلع الأساسية غير متوفرة وإذا توفرت فهي عصية المنال وأن بعض المنظمات التى أمكنها استجلاب بعض السلع لم تتمكن من توزيعها على المحتاجين نظراً لسيطرة الجيش الشعبي وبعض من وصفهم بالعناصر المتنفذة على الأمور، الأمر الذى حدا بالمنظمات للإحجام عن استجلاب المساعدات. ويضيف الموظف (وهو من جنسية كينية) إن الأوروبيين شديدي الاستغراب جراء قرار وقف ضخ النفط الجنوبي فى الوقت الذى يمثل فيه عماد موازنة الدولة (98%) من الموازنة الجنوبية العامة! فهذا الإقرار فى نظر الأوربيين إقرار غير مسئول مهما كانت الدواعي له ولهذا فقد قدموا نصحاً متوالياً للمسئولين الجنوبيين دون فائدة . وفى مدينة جوبا الأكثر تأثراً بالقرار لكونها عاصمة الدولة الجنوبية يتجول الآلاف من الشباب العاطل الذى جاء مع إعلان الدولة الجديدة طامحاً فى تحقيق أحلامه وبناء مستقبله ويفكر الآن هؤلاء فى السفر الى الخارج ولكن يقف فى طريقهم ثمن تذكرة السفر فى ظل المسافات البعيدة والطرق النائية الوعرة وغير الآمنة؛ خاصة وأن الدولة الوليدة ليست لديها أى مشروعات تنموية (صناعية، أو زراعية) تستوعب طاقات هؤلاء الشباب. هكذا يبدو المشهد العام فى دولة جنوب السودان وهى لم تكمل عامها الأول، أزمات تمسك بخناق أزمات ومشاكل مرشحة للإنفجار. وتبدو وزارة الاقتصاد فى الدولة الوليدة غير مبالية بما يجري، إذ ليست هنالك خطط لإقامة بني تحتية أو مشروعات؛ كما أنّ المجتمع الدولي الذى سبق وأن قدم وعوداً لا حدود لها للدولة الوليدة يبدو متوجساً من ضخ المال، والذي من المحتم سوف يدخل الى جيوب القادة الجنوبيين الشرِهين للمال والمتصارعين حتى الآن عليه. فى ظل وضع كهذا فإن هنالك نمواً مضطرداً لعصابات ومجموعات تتكون فى صمت من المتوقع أن تمارس أعمالاً إجرامية تلحق أبلغ الأضرار بأمن الدولة الجنوبية، خاصة وأن البناء القانوني للدولة يبدو هشاً للغاية وتلعب المحسوبية والفساد القضائي والعدلي دوراً كبيراً جداً فيه، وليس أدلّ على ذلك من التلاعب الذى جري بشأن تبرئة أمين عام الحركة الشعبية من تهمة فساد مالي، قالت الجهات الشاكية إنها كانت مدعمة بأدلة كافية منعاً لأي تلاعب قضائي بها، ولكن حدث ما كان يخشاه الشاكين، قد حصل أموم على براءة مشكوك فيها . دولة جنوب السودان تبدو قريبة جداً من الانفجار، ويكافح القادة الجنوبيين هذه الأيام لخلق رأى عام معادي للسودان حتى يحول دون الانفجار .