على غير ما كان متوقع تمكنت الهيئة المركزية لحزب الأمة القومي بزعامة الإمام الصادق المهدي، من إدراك الجسر – اجتماع الهيئة المركزية - تمّ تجاوزه بطريقة أشاعت درجة عالية من روح الرضا وسط أعضائها – الهيئة - وكذلك عضوية الحزب، وقد تمكنت الهيئة المركزية من إبطال مفعول الشحنات الانفعالية التي دخل بها الأعضاء إلى الاجتماعات، فلم يكن يتوقع مراقبون أن تقوم الهيئة بإعادة ترتيب البيت من الداخل بالكيفية التي جرت وفي بادرة هي الأولى في مسيرة تأريخ الحزب، عندما لم يجد المجتمعون على مدى يومي الجمعة والسبت الماضيين إلا الإطاحة بالأمين العام للحزب الفريق صديق محمد إسماعيل، قبل أن يكمل دورة انتخابه والمقرر لها أن تنتهي بعد عشرة أشهر من الآن، وإحلال الدكتور إبراهيم الأمين مكانه. هذا وقد انسحب الفريق صديق من الترشح وفاز الدكتور إبراهيم الأمين بالتزكية وتم هذا بعد اجتماع الصادق المهدي لأكثر من ساعة مع الفريق صديق قبل أن يقرر الانسحاب . ويعتبر إبعاد الفريق صديق واختيار الدكتور إبراهيم الأمين أبرز مخرجات الهيئة المركزية لحزب الأمة والتي تنعقد بعد ثلاث سنوات على تكوينها في المؤتمر العام السابع، في 2009م، حيث اندلعت حينها شرارة الخلافات حول الأمين العام الفريق صديق، ومر الحزب منذ يومها بمنعرجات حرجة كادت أن تؤدي بوحدته وشمله، فقد انتظم رافضو الأمين العام ومؤسسات الحزب المنبثقة عن الهيئة المركزية، في مجموعة أطلقوا عليها اسم التيار العام وبدأوا العمل ككيان نظير للحزب الأب، وأظهرت المجموعة تقارباً كبيراً مع مجموعة أخرى يقودها مبارك الفاضل المهدي الأمين السياسي السابق الذي انشق عن التنظيم في 2002م، وكون حزب الأمة الإصلاح والتجديد، وسارعت المجموعتان إلى خلق رأي ضاغط قبيل انعقاد الهيئة المركزية وعقد الفاضل وعدد من قيادات مثلت مختلف تيارات الحزب، مؤتمراً صحفياً دعوا فيه أعضاء الهيئة المركزية للعمل على حل أجهزة الحزب وإعلان إجراءات إصلاحية بإعادة هيكلته وتغيير خطه السياسي، وبدت الأجواء السابقة لانطلاق الاجتماعات مشحونة ويشوبها الكثير من التوتر وقد ظهر ذلك بوضوح خلال جملة إجراءات اتخذت في اليوم الأول للاجتماع، صباح الجمعة، فقد قررت الهيئة إبعاد الصحفيين وأجهزة الإعلام عن جلساتها واكتفت بتنوير يقدم عن مجريات المناقشات عند الرابعة والنصف، وتلاحظ حدوث ربكة في دخول أعضاء الهيئة أنفسهم، ما أدى إلى انتظار بعضهم بالخارج لوقت طويل بسبب عدم حصولهم على البطاقات اللازمة، واضطر البعض إلى متابعة خطاب رئيس الحزب في الجلسة الافتتاحية من خارج أسوار "دار الأمة"، ومن ضمن الإجراءات أيضاً أداء المؤتمرين قسماً بعدم إفشاء الأسرار والمناقشات وحجبها عن الإعلام باستثناء ما يصله عبر التنوير اليومي. وكانت المفاجأة هي مشاركة عدد كبير من جماعة التيار العام الذين كانوا قد جمدوا نشاطهم الحزبي في أعقاب المؤتمر العام قبل ثلاث سنوات، بعد أن تحفظوا على مخرجات المؤتمر العام، ورحب الاجتماع في مفتتحه بعودة هؤلاء، وقال عضو بالهيئة ل"الرائد": إن مشاركة التيار العام مرتبة للإطاحة بالأمين العام المختلف عليه وإصلاح حال الحزب، وبالفعل شهدت الجلسات وفقاً لحاضرين مناقشات حادة وطرح أراء جريئة، وأجاز الاجتماع خطاب رئيس الحزب الذي دعا المؤتمرين للقيام بمداولات حرة وشفافة والتزام أدب الخلاف، كما أجاز خطاب رئيس الهيئة علي قيلوب والمكتب السياسي، بينما تباينت الآراء إزاء خطاب الأمين العام الفريق صديق، ما دعا إلى اللجوء لحسم الأمر بالتصويت خلال اقتراع سري للتقرير بشأنه، ووقف 286 صوتاً مع إسقاط التقرير وسحب الثقة عن الفريق صديق مقابل 254 صوتاً أيدت الخطاب، نتيجة ذلك التصويت نقلت المجتمعين إلى إجراء آخر لاختيار أمين عام جديد، وأسفرت المشاورات عن مرشح بالتراضي وتمّ الإجماع على الدكتور إبراهيم الأمين، كمرشح وحيد بعد أن رفضت الدكتورة مريم الصادق الترشح لمنافسته، ويشكل اختيار الدكتور إبراهيم الأمين، وهو يمتهن الطب وتخرج في جامعة الإسكندرية وعمل بالتدريس الجامعي، مخرجاً لحزب الأمة من هوة الخلافات التي لازمته السنوات الماضية لما له من دراية ببواطن أمور الحزب ومقدرات سياسية وتنظيمية وفقاً لعارفين بالرجل، لكن مع ذلك لا يتوقع أن يكون كرسي الأمانة العامة وثيراً ومريحاً للجالس الجديد، لأن أجواء الحزب لا تزال ملبدة بغيوم داكنة، تحمل مواقف متباينة إن لم تكن متباعدة، فالأمين العام الجديد يأتي في أعقاب فشل مبادرة للم شمل فرقاء الحزب، أطلقها رئيس الحزب وذلك بعد أربعة أشهر من الحوار المستمر مع مجموعتي التيار العام والإصلاح والتجديد وأولئك الذين أقدموا على تجميد نشاطهم السياسي منذ المؤتمر العام السابع قبل ثلاث سنوات مضت، كما قرر تكوين لجنة عليا للترتيب للمؤتمر العام الثامن المنتظر عقده بعد عشرة أشهر من الآن، واقترحت الهيئة تعديلات على دستور الحزب ولوائحه لإجازتها في ذلك المؤتمر، وشملت إعادة هيكلة الهيئة المركزية التي ستنعقد سنوياً. ولم تغفل الهيئة المركزية المطالبات بتفعيل الحزب وتغيير خطه السياسي، بيد أنها تناولتها من خلال أطر حددتها للأمين العام الجديد فيما يلي مستقبل الحزب، ورأت بضرورة إعادة النظر في أداء أجهزة الحزب في المركز والولايات لتحقيق الفاعلية المطلوبة في الحزب لمقابلة متطلبات المرحلة التي تمر بها البلاد، وشددت في توصياتها على أن الأمر يتطلب اعتماد مبدأ النقد الذاتي والتقويم المستمر للأداء، وأكدت على تحديد خط الحزب السياسي وتحديثه باستمرار، لكن لا يبدو أن ذلك هو نهاية ما تطالب به مجموعة الإصلاح والتجديد بقيادة مبارك الفاضل، والذي خصص له رئيس الحزب في خطابه أمام الهيئة في الجلسة الافتتاحية مساحة غير صغيرة مصوباً خلالها انتقادات لاذعة للفاضل ومجموعته واتهمه بالسعي لتعويق الحزب، وبدا المهدي واثقاً من أن تلك المجموعة لا ترغب في العودة للحزب وقطع بعدم السماح لها باستخدام حزب الأمة مؤكداً أنه لن يتنحى عن قيادة الحزب كما لن يقوم بحل أجهزته، ولم يقف المهدي عند ذلك الحد بل سارع إلى إغلاق الباب بصورة شبه نهائية أمام المجموعات التي لديها تحفظات أو مآخذ على أجهزة الحزب والتي ظلت تعمل بعيدة عن الحزب منذ سنوات، وقال "لن نتفاوض مع مجموعات ولن نسمح باستخدام اسم الحزب" وأضاف "إن أرادوا فليأتوا من الباب ليس لدينا شباك أو برشوت لدخول الحزب"، لكن الهيئة المركزية لم تغلق باب العودة بيد أنها اشترطت ضمن توصياتها فتح الباب أمام بقية منسوبي التيار العام والإصلاح والتجديد للعودة إلى الحزب كأفراد، فالمهدي رأي أن كل ما حدث في الحزب يقف وراءه رئيس مجموعة الإصلاح، مبارك الفاضل، وكشف أنه وراء كل الزوابع التي شهدها الحزب مما أدى لتقسيمه وأنه يقف وراء المذكرة التي طالبت بتنحيه– المهدي - عن قيادة الحزب، وأشار المهدي أمام الهيئة المركزية إلى أنه يمتلك مستندات في ذلك يمكن أن يكشفها، معتبراً ما يثار عن الحزب هو قنطار من الأكذوبة ودرهم من حقيقة. بالنسبة إلى الدكتور إبراهيم الأمين فإن المهمة امتحان عسير، كما وصفها لدى مخاطبته الهيئة المركزية مساء أمس الأول، ويحتاج الامتحان إلى استعداد يمكن من إدارة الأوضاع بالحزب خصوصاً في المنعطف الراهن الذي يمر به، وطلب تعاون الجميع ومساعدتهم له في أداء المهمة مؤكداً أنه لا يحمل ضغائن ولا تخوين لأحد، لافتاً إلى أنه لم يسعَ إلى منصب الأمين العام. ووفقاً لمراقبين فإن من أصعب ما سيواجه الأمين هو مهمة لم الشمل المتعثرة وتحديد علاقات الحزب مع القوى السياسية الأخرى الحاكمة منها والمعارضة، لا سيما في ظل الخلافات المتطاولة ما بين حزب الأمة وتحالف القوي المعارضة، بجانب الترتيب للمؤتمر العام الثامن الذي تبقت عليه عشرة أشهر. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 9/4/2012م