لا شك أن للعامل الاقتصادي الجنوبي – حتى ولو لم يَبدُ ذلك بوضوح – دور فى مسلسل العدوان الجنوبي على السودان. إذ ربما لم يحرك القادة الجنوبيين هذا المحرك الحيوي الهام ظاهرياً، إذ أنَّ بلادهم وإن كانت وليدة، وتسعي لتشب عن الطوق للتوّ، إلا أنها تعتمد كما هو معروف على مورد النفط بنسبة تتجاوز ال98% في موازنتها العامة، في حين أن نسبة وجود النفط في موازنة السودان العامة -عقب الانفصال- لا تتجاوز ال45%. وكما للسودان موارد أخري في الزراعة والتعدين والثروة الحيوانية والصناعة، فإن لدولة جنوب السودان هي الأخرى موارداً طبيعية تستطيع – إن كان قادتها جادين – أن تستثمرها فيتسع نطاق موازنتها العامة وتتقدم بخطى ثابتة الى الأمام. من المؤكد أن العامل الاقتصادي لم يلعب كل الدور في الاعتداءات الجنوبية، بالطريقة الفجة السافرة التي تمت بها فقادة الحركة الشعبية – وفقاً لرؤاهم ومستويات تفكيرهم التي ظهرت للعيان طوال السنوات السبعة الماضية – ليسوا بهذه الدرجة من الذكاء التي تجعلهم يستخدمون الاقتصاد كأسلوب حرب ناجع يلحقون به أفدح الأضرار بالسودان سواء بغرض التشفي والثأر لأسباب تاريخية لا يزالون أسرى لها، أو لأسباب إستراتيجية يهدفون من ورائها لشلّ السودان وعرقلة نهضته ليتقدموا هم بدولتهم الوليدة ويتفوقوا عليه. الأمر بدا لنا من خلال متابعاتنا اللصيقة أكبر بكثير من القدرات الذهنية والخبرات السياسية لهؤلاء القادة الذين لم يُعرف لهم أىِّ نشاط به مهارة سياسية طوال فترة الشراكة، بحيث يمكن أن تتحسب لذلك الحكومة السودانية وتحول دون تمكنهم من الإقدام على خطط كهذه. الأمر كما ظهر جلياً الآن، أن هنالك جهة دولية معروفة لسنا في حاجة للإشارة إليها صراحة ولا إخفائها فهي مفهومة ومعروفة للكافة، تعمل على عرقلة بناء الدولتين، على الأقل في المرحلة الراهنة. ولكي لا نلقي القول على عواهنه، فإن من المهم أن نلاحظ هنا - بدقة وإمعان شديدين - كيف أن العدوان على هجليج إتخذ سمة مفاجئة، تفسيرها أنّ الحكومة السودانية وفي ذات التوقيت كانت قد تعاقدت لتوِّها مع شركات إستثمارية سعودية بهدف زراعة قرابة المليون فدان. كان واضحاً أن بعض من يديرون دولة جنوب السودان من وراء حجاب قد أصابهم الرعب جراء الخطوة هذه. الرعب مردّه الى أن السودان – وعقب الانفصال – وبعدما تمايزت الهويات وإتجه كأمر طبيعي الى محيطه العربي والإسلامي، وهو محيط كما هو معروف يشكل خطراً محدقاً على المنطقة ويتهدّد مستقبل الدولة العبرية التي لا تخشي شيئاً كما تخشى من نمو عضلات الدول المحيطة بالمنطقة اقتصادياً وسياسياً وثقافياً. كما أن من المؤكد ان الدولة العبرية تود أن يكون لها وجود مؤثر فى المنطقة ليس من ضمن عناصر هذا الوجود أن تجاور أخطاراً إستراتيجية محتمَلة سواء في المستقبل القريب أو المستقبل البعيد، بل إن الدولة الجنوبية نفسها غير مسموح لها بالعمل على تنمية وتطوير نفسها شأنها شأن العديد من الدول الإفريقية المماثلة لها في المنطقة والتي تسيطر العديد من الدول الأوربية والغربية عليها بحيث تمنعها بشتى السبل من أن تنهض رغم ثرائها موارداً وأراضٍ و إقتصاد. إن من المُحتمَل أن تظل هذه الحرب ذات الطابع الاقتصادي المحض هى السمة العامة للمرحلة المقبلة، فالمطلوب هو إعاقة التقدم بشتي السبل وعرقلة النهوض، وليس هنالك مثل الحرب، حتى ولو كانت خاطفة ومحدودة، عاملاً مدمراً للإقتصاد ومُعيقاً للنهضة والتطوُّر.