بدأ الليبيون أولى مراحلهم مع الديمقراطية، بالتسجيل لانتخابات المجلس التأسيسي المرتقبة في يونيو المقبل، ما يفسح المجال لتشكيل الخريطة القبلية الليبية الجديدة، آخذة في اعتبارها أحداث عام 2011 التي هزت بنية الجسم الليبي السياسية والاجتماعية، وهذا الموعد يعتبر حجر الأساس لصرح الدولة الليبية الديمقراطية الأولى على مدى التاريخ، وإن أقل ما يشترط في انتخاب كهذا هو تراضي الليبيين كلهم، واصطفافهم جميعاً في طريق واحد. ليبيا تجتاز في هذه الفترة الحرجة مخاطر كبيرة، نتيجة للصعوبات أمام مشروع بناء الدولة، فالليبيون الذين كسبوا رهان الثورة، يخوضون الآن معركة شديدة القسوة والشراسة من أجل إقامة مؤسسات مستقرة وفعالة قادرة على استعادة هيبة الدولة الليبية، والجمع بين حلم الحرية والديمقراطية من جهة، ومقتضيات تأسيس دولة قوية ومهابة الجانب من جهة أخرى. والانتخابات هي المسار الصحيح نحو تحقيق الاستقرار وملء الفراغ السياسي الذي تعيشه ليبيا الآن، وبالتالي فإن الدور الفعال للحكومة الانتقالية يتطلب إعطاء أهمية قصوى لتنظيم الانتخابات في كنف من النزاهة والشفافية، من أجل الانتقال في أقرب وقت ممكن من نظام لا وجود فيه لمؤسسات تمثيلية، إلى نظام ديمقراطي حقيقي، قادر على تلبية تطلعات كل الليبيين في الحرية والعدل والمساواة والمشاركة السياسية، وفقاً لقواعد شفافة قادرة على حفظ وحدة وتماسك الشعب الليبي. ويمكن القول إن الممارسات الاستبدادية للنظام السابق، كانت تعطي الانطباع للبعض ان ما يحدث هو إفراز مباشر لسلبيات الدولة المركزية، والحال أن هناك دولاً ديمقراطية اختارت نموذج التسيير المركزي، دون أن تسقط في فخ تهميش مناطق واسعة من ترابها الوطني. وعليه فإن ليبيا التي دفعت ثمناً باهظاً من دماء أبنائها للتخلص من كابوس الديكتاتورية، هي الآن في أمسّ الحاجة إلى نظام جمهوري تعددي، يمتلك مؤسسات منتخبة قوية وقادرة على إعادة ثقة كل المواطنين في دولتهم، ويمكن أن يتزامن هذا المسعى مع قيام الدولة باتخاذ إجراءات تدريجية من شأنها أن تُخفف وطأة التسيير المركزي لشؤون المواطنين، بعيداً عن كل ارتجالية وعشوائية قد تؤثر سلباً على التماسك الداخلي للمجتمع. المصدر: البيان 3/5/2012م