أقرَّ الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت بوجود ممارسة للرِق فى دولة جنوب السودان. وقال الرئيس كير فى حفل بميدان الحرية وسط العاصمة جوبا – الاربعاء الماضي – احتفالاً بالذكري التاسعة والعشرين لتأسيس الجيش الشعبي (إن عمليات سرقة وبيع الأطفال يجب أن تتوقف) مشيراً الى انتشار الظاهرة بصفة خاصة فى مناطق الاستوائية الوسطي وجونقلي. وأضاف كير (كنا نرفض أن يستعبدوننا؛ من العيب أن نطبِّق هذا على شخص آخر)! وبالطبع ما من شك إن هي المرّة الاولي التى يقرّ فيها الجنوبيون - على مستوي أكبر مسئول فى الدولة - بإنتشار ممارسة الرق فى دولتهم، بعدما كانوا وإلي عهد قريب يروِّجون هذه الفرية متَّهمين بها إخوتهم فى السودان. بل إنّ البارونة كوكس إحدي ألدّ أعداء السودان فى تسعينات القرن المنصرم، وطنت نفسها لشنّ حملة ضارية ضد السودان تحت مزاعم ممارسة الرق فى مواجهة المواطنين الجنوبيين، وهى إتهامات أثارت السخرية البالغة وقتها من جانب كافة قطاعات السودانيين – ولسوء حظ كوكس – جاءت هذه الاتهامات بنتائج عكسية حين أضطرت القوي السودانية المعارضة فى ذلك الوقت للوقوف فى صف الحكومة السودانية رافضةً هذا الاتهام الجائر، لأنّ الاتهام كان مسلطاً على الجيمع ويصعب تسليطه على الحكومة السودانية وحدها. وقد جري تفنيد الإتهام بسهولة ووقعت حالات إرتباك سياسي واسعة النطاق داخل تجمع القوى المعارضة الذى كان يُعرَف حينها بالتجمع الوطني، والذى كان يضم الى جانب القوى السودانية المعارضة، الحركة الشعبية. لقد حاولت العديد من المنظمات الحقوقية خاصة تجمعات السود فى نيويورك استثمار هذا الاتهام بغية تلطيخ سمعة السودان، وإظهاره بمظهر البلد المتخلِّف الذى تُمارس فيه ممارسة الرق والاستعباد، مع أن الولاياتالمتحدة مارست ولا تزال تمارس هذه الممارسة على رؤوس الأشهاد وسقط جراءها مئات الآلاف إن لم يكن الملايين من السود فى مقدمتهم كما هو معروف مارتن لوثر كنج الذين كانوا يحاولون انتزاع حقوقهم بعدما استخدمهم الأمريكيون البِيض لعقود فى بناء وإعمار الولاياتالمتحدة منذ كانت تُعرف بالدنيا الجديدة أو أرض الاحلام! كان واضحاً أن العقدة التى عاني منها الامريكون وأسالوا بها دماء غزيرة ما تزال متمكنة من نفوسهم ولذا حاولوا إلقاءها على بلد مثل السودان عسي ولعل أن ينجحوا فى إضعافه واحاطته بعزلة دولية مُحكَمة. لقد إحتاج الأمر لسنوات لم ينطق خلالها الجنوبيون بالحقيقة، فقد ظلوا يستظلون بإتهامات المنظمات الحقوقية هذه طالما أنها تكسبهم تعاطفاً دولياً هم فى أمسّ الحاجة إليه فى نزاعهم المتطاول مع السودان. الآن ظهرت الحقيقة كما الشمس فى رابعة نهارها. الرئيس الجنوبي – شخصياً - وليس أى شخص آخر أقل منه مرتبة وشأناً يقف خطيباً بين مواطنيه ليحثّهم على نبذ هذه الممارسة! لم يقل الرئيس كير إن (شماليين) موجودين فى دولة الجنوب يقومون بممارسة الرق بين الجنوبيين؛ ولا قال إن جنوبيين يمارسون الرق على شماليين؛ وإنما كان مؤدي حديثه أن (جنوبيين) يمارسون الرق تجاه (جنوبيين) بدليل أنه قال (كنا نرفض أن يستعبدوننا ومن العيب أن نطبق هذا على شخص آخر)؛ فقد أضطر الرئيس كير لتذكير مواطنيه برفضهم للإستعباد وهاهُم الآن يفعلون ذات الشيء بين بني جلدتِهم! إن المأساة فى حديث الرئيس كير تتجلي فى تحديده لمناطق انتشار الرق فى جنوب السودان فى الاستوائية الوسطي وجونقلي وهى مناطق شهدت ولا تزال تشهد نزاعات دامية بين الدينكا واللانوير والمورلي! ومن الواضح أن قبيلة الدينكا - فى الغالب - هى التى تمارس هذه الممارسة فى مواجهة المورلي على وجه الخصوص، وقد رأينا تباعاً حالات مواجهات كانت تهدف لإبادة المورلي وربما لا تزال تجري هذه المحاولات ولن تتوقف. إن المنطق يقول أنه اذا كانت قبيلة الدينكا هى المسيطرة على الأمور فى دولة جنوب السودان، فإن من المفروغ منه أنها الألصق إتهاماً بإسترقاق الآخرين لأنّ المسيطِر بداهة لا يمكن أن يقع ضحية عملية كهذه؛ من المؤكد أنه هو الجاني وليس سواه!