من المفاهيم التي شاع استخدامها وتوظيفها بصورة سيئة وسلبية اليوم، مفهوم الحرية لا سيما في مجتمعاتنا وبين معظم شبابنا، وللأسف منشأ هذه السلبية هو الاعتقاد السائد خَطَأً بين هؤلاء الشباب أن الحرية هي حق مطلق للفرد لا تقيدها قيود، وما ضاعف أو بالأحرى عمَّق هذه النظرة الخاطئة وهذا التصور الخاطئ، هو التأثر بالحضارة الغربية التي تنادي بالحرية الفردية غير المقيدة بمبادئ القيم والأخلاق، دون وعي أو إدراك لماهية هذه الحرية ومتى تبدأ ومتى تنتهي وما حدودها وما ضوابطها، فبمجرد سماع حديث السياسيين أو المثقفين الغربيين عن الحرية يعلق في أذهان الشباب العربي هذا الحديث فيرددون ما يردده أولئك الغربيون في تقليد أعمى وصارخ، متخذين منهم قدوة ومتشبهين بأخلاقهم وبأخلاق حضارتهم المادية القائمة على المنفعة المادية والبعيدة عن المبادئ والقيم والأخلاق واحترام الغير، مع أن هذه الحضارة مليئة بالشواهد على حقيقة الحرية والديمقراطية ومفهومهما، التي تدفع اليوم منطقتنا ثمنهما باهظًا. إن ما ينبغي علينا وعيه وإدراكه أن الحرية التزام وليست انفلاتًا وفوضى، وأن حرية الفرد تنتهي حين تبدأ حرية الآخرين، وحرية التعبير هي نوع من أنواع الحرية التي تشمل حرية المعتقد وحرية الفكر وحرية الابتكار، إلا أن لها ضوابطها وقيودها، خاصة وأن ديننا الإسلامي الحنيف قد ميز بين الحرية والحرام، وبين النصيحة والفضيحة، وإذا كان هذا الدين قد أعطى البشر حرياتهم وعدَّها من العيش الكريم، فإنه عدَّ إجبار الإنسان على شيء لا يريده ظلمًا، وحث الناس على الابتكار والإبداع والتفكير، فلهم أن يكتشفوا وأن يخترعوا وأن يصنعوا، وأعطاهم حرية التعبير باعتبارها الوسيلة للإفصاح عن الحريات بمختلف أنواعها، والتعبير قد لا يكون باللسان فقط، وإنما بالقلم وبالابتكارات والاختراعات. وبالتالي للإنسان الحق في أن يعبر عن رأيه، لكن إذا خرج هذا التعبير عن ضوابطه وقيوده الشرعية فإنه يصبح حينئذ من المحرمات المؤاخذ مرتكبها شرعًا وقانونًا، ف"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، كما جاء في حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، فالمَسُّ بالكرامة والعرض والشتم والقذف والوصف بأقذع العبارات والصفات واختلاق القصص الكاذبة وتلفيق الأقوال، من الأمور التي نهى الإسلام عن إتيانها حتى لو كانت مع من يختلف في رأي أو مصلحة، فهي مما يتنافى مع الأخلاق السمحة والمبادئ والقيم والفضائل، وقد حذر الرسول عليه الصلاة والسلام المرء من أن يطلق العنان للسانه ليؤذي به إخوته، فقد قال "...وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم". وروي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال: أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك وأبكِ على خطيئتك". وللأسف تزايدت في مجتمعنا وتيرة الكتابات المسيئة والدعوات التحريضية التي تصدر من بعض الأشخاص بحجة حرية التعبير عن الرأي، في حين أن ذلك يمثل اعتداءً صارخًا على حرمة الحياة الخاصة للأفراد والتعدي عليهم بالسب والقذف، سواء كان ذلك في شخوصهم أو بمناسبة وظائفهم، ومع تنامي إطلاق الشائعات والتحريض على القيام بتصرفات سلبية تضر في نهاية المطاف بالوطن والمواطنين والمصالح الوطنية حسبما ما جاء في بيان الادعاء العام الذي صدر أمس، محذرًا ومنبهًا ومؤكدًا "لكافة المواطنين والمقيمين بأنه سيتخذ كافة الإجراءات القانونية المناسبة ضد كل من يقوم بمثل تلك الأقوال والأفعال أو يروجها أو يحرض أو يساعد عليها بأي شكل من الأشكال". لأن لمثل هذه الأساليب آثارها السلبية على الاستقرار والأمن والإنتاج، فاللجوء إلى مثل هذه الأساليب فيه مساس بالأعراض والخصوصيات وتعدٍّ على الحريات العامة والخاصة وتهديد للإنتاج والاقتصاد ومصالح الناس وتفتيت لوحدة المجتمع والأخوة، وتضييع لمعاني الترابط والتراحم والألفة التي هي من بين المبادئ التي نادى بها الإسلام. فإذا كانت هناك أخطاء، فالأخطاء لا تعالج بأخطاء أكبر وأفدح منها. المصدر: الوطن العمانية 5/6/2012م